أسطول جوّي عربي وخاصّ أقلّ المتفائلين والحوار بدأ من صالون «كبار الزوار»مرة جديدة، بعد جنيف ولوزان والطائف ولا سيل سان كلو، ضاق لبنان بحوار زعمائه، فحملوا خلافاتهم وملفاتهم، وتوجهوا إلى الدوحة، ترافقهم الأمنيات بأن تكون النتيجة طائفاً آخر لا كما أسفرت عنه لقاءات سويسرا وفرنسا
عملياً، بدأ حوار الدوحة من مطار بيروت، حيث بدأ توافد المشاركين إلى صالون كبار الزوار، وتم توزيعهم فيه على ثلاث غرف، جمعت الأولى قادة من الفريقين أبرزهم: الرئيس أمين الجميّل، الوزير محمد الصفدي، النواب: ميشال عون وميشال المر وبطرس حرب ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع. فيما جمعت الغرفة المقابلة، نواب حزب الله وحركة أمل، الذين اكتفوا بتحية عون وجبران باسيل من نزلاء الغرفة الأولى. أما الغرفة الثالثة فوصل إليها في وقت واحد الوزيران نعمة طعمة ومروان حمادة والنائب وائل أبو فاعور ومدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية هشام يوسف. وتحرّك أبو فاعور مرات عدة بين غرفته والغرفة الأولى، متجاوزاً الثانية، كما لاحظ الصحافيون تبادله نظرة غير ودّية مع قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الذي كان يتابع الترتيبات والبروتوكول.
ولاحظ الصحافيون أيضاً أن جعجع كان الوحيد الذي يبدو عليه عدم الارتياح، وقال رداً على سؤال: «لا تظنوا أن انتصار حزب الله عسكرياً يعني أنه سيتحكم بالشروط على طاولة الحوار». وعندما سئل عما إذا كان قائد الجيش العماد ميشال سليمان لا يزال مرشح الموالاة للرئاسة، أجاب بسؤال: «أليس عندكم غير هذا السؤال؟». مع الإشارة إلى أن مرافقي جعجع استُفِزّوا عندما طلب منه جهاز أمن المطار جواز سفره وأغراضه لإجراء الترتيبات اللازمة، فعمل هو على تلبية الطلب.
وفي دردشة مع الإعلامين، وضع عون ما قيل عن اعتراضه على ترئيس سليمان، في إطار الترجمة الدائمة لكلامه «بشكل خاطئ»، وأضاف: «نحن قلنا مرشحاً توافقياً أو حكومة انتقالية، فربما لن نستطيع أن نتوصل إلى اتفاق. هناك شروط ومواضيع نريد بحثها، وهناك احتمال في ألا نتوصل إلى تفاهم، ماذا نفعل؟ هل نترك البلد متصادماً كما هو ونرحل؟. عندما قلنا حكومة انتقالية، لا نكون فصلنا في مسألة رئاسة الجمهورية، ونكون انتقلنا إلى حكومة انتقالية تمثّل كل الناس، حكومة وحدة وطنية تصنع الاستقرار في البلد وتعطي الطمأنينة. على سبيل الاحتياط حتى لا نصل إلى الفشل، فقط لا أكثر ولا أقل». وقال عن توقعه لنتائج الحوار: «دائماً هناك احتمالات للتفاهم أو الاختلاف، ولولا هذه الاحتمالات لما كنا نذهب ونحاول أن نتناقش حتى نصل إلى حل». وإذ رأى أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن الحكومة، أعلن أنه يفضّلها «من ستة، لا من 3 عشرات ولا 3 أربعات».
وقال النائب غسان تويني: «أنا متفائل جداً وذلك على أساس الواقعية، حيث إن الناس لا تريد أن تموت والعرب لا يريدون الفناء للبنان، وأتمنى على الشعب اللبناني أن يحكّم عقله، وإن شاء الله سيسير كل شيء على ما يرام». واكتفى الوزير غازي العريضي بالقول للصحافيين: «إن شاء الله نعود ونراكم بخير»، مكرراً أنه متفائل دائماً. كذلك قال النائب الياس سكاف: «لا بد لنا من أن نبقى دائماً متفائلين، والأجواء الإقليمية والدولية تؤكد دعم جهود اللجنة العربية». وأكد النائب ميشال المر أن المؤتمرين سيسمعون من رافعي شعار «إذا لم تتفقوا فلا تعودوا»، مضيفاً: «نحن ذاهبون لنتفق».
وقبيل إقلاع الطائرة القطرية الخاصة بقليل، وصل رئيس وأعضاء الوفد الوزاري العربي، تباعاً، واتجهت سياراتهم مباشرة من خارج المطار إلى سلّم الطائرة، كذلك فعل النائب وليد جنبلاط، وكان آخر الواصلين بهذه الطريقة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأقلعت الطائرة عند السادسة مساءً باتجاه الدوحة، وعلى متنها معظم أعضاء الوفد العربي والقيادات اللبنانية. وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري قد غادرا قبل ساعة على متن طائرة خاصة للحريري، مع مرافقيهم. فيما أقلت طائرة إماراتية وزير الخارجية الإماراتي والوفد المرافق له. ونقلت طائرة تابعة لـ«سعودي أوجيه» وفداً إعلامياً ضم 9 أشخاص، كما سافر وفد إعلامي موسّع وعدد من المستشارين في رحلة قطرية عادية. مع الإشارة إلى أن وزير الخارجية الأردني قد غادر بيروت فجر أمس عائداً إلى عمان على متن طائرة خاصة، بسبب ظرف اجتماعي طارئ استدعى مغادرته بيروت.
وقبل مغادرته، أدلى السنيورة بتصريح أمل فيه التوصل «إلى تسوية تتيح الاتفاق على حكومة الوحدة الوطنية المقبلة وقانون الانتخاب، وتتيح العودة إلى الحياة الطبيعية بانتخاب رئيس الجمهورية التوافقي وإطلاق الحوار حول تعزيز سلطات الدولة على كل أراضيها وعلاقاتها مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية، بما يضمن أمن الدولة والمواطنين». وقال: «ما من طرف قادر على إجبار الآخرين على ما لا يريدونه، ولا على إلغاء الآخرين بقوة السلاح»، مضيفاً: «إن العنف لا يسهم في الحل، بل يزيد من التباعد والفرقة وفقدان الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وإن استخدام القوة يرتد على مستخدمها ولا ينفعه، بل يفقده ثقة الآخر وثقة الأشقاء والأصدقاء في العالم ولا يقرّبه شعرة من تحقيق أي من أهدافه».
وفي حديث تلفزيوني، قبل المغادرة أيضاً، دعا عمرو موسى إلى التحرك سريعاً لانتخاب سليمان، آملاً أن «يكون ذلك خلال أيام». وقال رداً على سؤال عن حكومة الوحدة: «نحن كجامعة عربية لن نتدخل في تفاصيل الحكومة واختيار الوزراء، الأمر منوط برئيس الجمهورية فقط»، مردفاً أنه إذا تمكّن المتحاورون «من نزع فتيل انعدام الثقة فسينجح كل شيء».

اتصالات ولقاءات ما قبل الإقلاعوعقد التكتل الطرابلسي اجتماعاً تشاورياً عرض فيه الموقف من مواضيع طاولة الحوار. كما أجرى الصفدي سلسلة مشاورات مع فاعليات سياسية ودينية وهيئات من المجتمع المدني، أبرزها مع كرامي ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار الذي تمنّى له التوفيق في مهمته «من أجل خلاص لبنان».
وفي الإطار نفسه، استضافت الوزيرة نايلة معوض اجتماعاً حضره النائبان بطرس حرب وجواد بولس. وأشار الأول إلى أنه اجتماع تشاوري، لكونه وبولس يمثّلان «النواب المستقلين في الشمال الذين كانوا في لقاء قرنة شهوان»، وذلك للتنسيق «في كل الخيارات المفتوحة أمامنا وفي الموقف الذي سيتخذ في القضايا الأساسية». وقال: «نحن نذهب بعقل منفتح وتصميم وطني على إيجاد المخارج للمشاكل العالقة في لبنان، آملين أن تقابلنا القوى السياسية الأخرى، ولا سيما قوى المعارضة، بعقل شبيه وتوجيه مشابه للذي نحمله».

تمنيات ومطالب ترافق المؤتمرين

وفي المواقف من المؤتمر، نوّه النائب علي خريس بـ«أهمية بدء الحوار»، مؤكداً أن «الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وقانون انتخابي، يحدو بالمعارضة إلى رفع فوري للاعتصام في وسط بيروت، وإنهاء كل أشكاله». وأمل النائب إبراهيم كنعان أن يكون الحوار «بداية لحل الأزمة وفك الانقسامات الحادة التي تهدد الاستقرار والسلم الأهلي»، لكنه أضاف: «من غير المسموح أن تتناول اللقاءات الحوارية والمؤتمرات، إن كانت في لبنان أو خارجه، الأمور السلطوية دون تناول المضمون السياسي ووضع مشروع وطني يؤمن الاستقرار والحماية للمجتمع وللوطن». وناشد النائب نعمة الله أبي نصر، المؤتمرين، «تصحيح الأخطاء المميتة التي ارتكبت في الطائف، وأرست قواعد مناقضة لثوابت التاريخ»، مطالباً بـ«ابتكار حلول تعيد لبنان إلى المنطق اللبناني، وللوطن معناه الكياني الذي نشاهد اليوم تخريبه المأساوي». إلا أن النائب فؤاد السعد، تساءل عن «سبب الانتقال إلى الدوحة للبحث في الشؤون اللبنانية». وقال: «إن جميع المواضيع التي ستبحث في الدوحة مهمة ومتفق عليها مسبقاً، لكن الخلاف كان وسيبقى على الأولويات. فهل نحتضن الدستور ونعتمد الآلية الدستورية لوضع العجلة على السكة أم نخضع للتدخلات السياسية وفرض منطق القوة وإنتاج حل على قاعدة غالب ومغلوب؟».
ومن النواب السابقين، أشاد نسيب لحود بالاتفاق على عدم استخدام العنف لتحقيق مكاسب سياسية، معتبراً أن هذا الموضوع «سيشكل الخلفية الأساسية للحوار» في الدوحة، «والذي نأمل استئنافه قريباً في بيروت». وأمل طلال المرعبي أن لا يعود المؤتمرون «إلا باتفاق واضح، وأن تكون هناك ثوابت وثقة متبادلة تكرّس مبادئ الوحدة الوطنية وتحجب الخلافات والخطابات السياسية المتشنّجة». كما تمنى وجيه البعريني على اللجنة العربية مواصلة جهودها «حتى التوصل إلى صياغة الحل لأزمة لبنان». وشكر عماد جابر، الجهود العربية لجمع اللبنانيين «وتنفيس الاحتقان الذي سبّبه التباعد والفراق السياسي».
ورأى رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن، أن مؤتمر الدوحة هو «الفرصة المتاحة للوصول إلى حل جذري للأزمة». كما أشاد بالمؤتمر عدد من الشخصيات الحزبية والدينية، فيما حذّرت حركة المرابطون من محاولة الموالاة «كسب الوقت لإعادة تجميع صفوفها لاستكمال المشروع الأميركي».

القائمة بالأعمال الأميركيّة في الشمال

وفيما كانت الأنظار تتجه إلى الدوحة، قصدت القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون مع وفد من السفارة، طرابلس، حيث التقت الرئيس عمر كرامي والنائبين مصطفى علوش ومصباح الأحدب. وقال كرامي إنها استوضحت التطورات الأخيرة، وإنه شرح لها الأمور «بكل صراحة ووضوح»، وإن الأزمة «في أساسها تتعلق بالقرار 1559»، متطرقاً إلى ما تبع ذلك. كما أكد لها أن «المقاومة جزء أساسي من الشعب اللبناني»، وأن «أي مساس بهذه المقاومة قبل أن تتم مهمتها، لا يمكن أن يمر على خير وسلامة، وهذا ما حصل». وأمل «خيراً من اجتماع الدوحة»، وأن «تتألف حكومة حيادية تقوم بوضع قانون انتخاب عادل في أسرع ما يمكن، لأن هذه الأزمة لا يمكن معالجتها بشكل صحيح ونهائي إلا من خلال إجراء انتخابات نيابية التي هي نوع من الاستفتاء حول كل القضايا الخلافية». واستنتج من سرعة نتائج اللجنة العربية «أن الدول التي كانت تتدخل في الأزمة اللبنانية أعطت الضوء الأخضر»، راجياً أن يستمر ذلك في أعمال مؤتمر الدوحة.
ودعا كرامي إلى وضع ما حدث أخيراً «وراءنا ونتطلع إلى الأمام»، محذراً بالقول: «إن بقينا نندب ونثير الغرائز ونعبّئ الشارع، فهذا لن يؤدي إلا إلى الصدام والخراب». وإذ رأى أن الطائف «ليس قرآناً ولا إنجيلاً»، نبّه إلى أن فتح موضوع تعديله ليس مناسباً الآن، لأنه يثير حساسيات ونقاشاً «ويمكن أن يؤدي إلى تقويض كل الجهود التي تبذل لإنهاء هذه الأزمة».
وأعرب علوش عن اعتقاده بأن الحوار لن يطول كثيراً في الدوحة، وقال: «إذا كان هناك صدق في النيّات بانتخاب رئيس جمهورية، يمكن الوصول إلى ذلك في أقل من ثلاثة أو أربعة أيام». فيما أمل الأحدب من الصفدي التشاور المسبق «إن كان هناك من طرح لتعديل اتفاق الطائف»، وأن يحمل إلى طاولة الحوار موضوع «أمن طرابلس وحصانتها».
وفي صيدا، زار وفد من التنظيم الشعبي الناصري و«اللقاء الوطني الديموقراطي» يتقدمه النائب أسامة سعد، بلدية صيدا، حيث التقى رئيسها الدكتور عبد الرحمن البزري وأعضاء المجلس البلدي، في حضور عدد من الفاعليات الصيداوية. وأكد المجتمعون أن «ما انتهت إليه الأمور لا يعني وجود فريق خاسر وفريق رابح، فصيدا بما تمثّله هي الرابحة في سلوكها الوطني الهادف إلى الحفاظ على وحدة البلاد وأبنائها».


رؤساء وأعضاء طاولة الحوار في الدوحة

المعارضة: الرئيس نبيه بري ومعه النائبان علي حسن خليل وسمير عازار، ومدير شؤون الرئاسة علي حمد والدكتور محمود بري والمستشار علي حمدان. كتلة «التغيير والإصلاح»: النائب ميشال عون ومعه النواب: عباس هاشم، نبيل نقولا وفريد الخازن، وجبران باسيل. كتلة الوفاء للمقاومة: الوزير محمد فنيش والنائبان محمد رعد وحسين الحاج حسن. والكتلة الشعبية: النائب إيلي سكاف ومعه النواب سليم عون وحسن يعقوب وعاصم عراجي وكميل المعلوف.
الموالاة: الرئيس فؤاد السنيورة ومعه وفد ضم الوزراء: طارق متري، خالد قباني، أحمد فتفت وميشال فرعون، والمستشارين محمد شطح، عارف العبد ورولا نور الدين. النائب سعد الحريري ومعه النائب باسم السبع والنائب السابق غطاس خوري والمستشار هاني حمود. الرئيس أمين الجميّل ومعه وفد من «الكتائب» يضم: شاكر عون ووليد فارس وجوزف أبو خليل وجورج جريج وإيلي داغر. النائب وليد حنبلاط ومعه الوزراء غازي العريضي، مروان حمادة، ونعمة طعمه والنائب وائل أبو فاعور. رئيس التكتل الطرابلسي الوزير محمد الصفدي ومعه النائب محمد كبارة. النائبان ميشال المر وغسان تويني عن الأرثوذكس. رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع ومعه النائبان جورج عدوان وأنطوان زهرا والمستشار جوزف نعمة. النائبان بطرس حرب وجواد بولس. وعن الأرمن النواب هاغوب بقردونيان ويغيا جرجيان وآغوب قصارجيان.