الدوحة ــ نقولا ناصيفجاءت قوى 14 آذار إلى الدوحة وهي أقرب ما تكون إلى تعدّد الرأي منها إلى انقسام في الموقف. بحسب أحد أقطابها، تريد التسوية مع الفريق الآخر ولكن ليس كيفما كان، وتدرك في الوقت نفسه أن العودة إلى بيروت من دون تسوية الحدّ الأدنى ستعيد الانفجار إلى الشارع. بذلك تكون قد رسمت سلفاً حدود المواجهة التي تريد بها خوض مفاوضات الحوار مع المعارضة، في ظلّ رعاية قطر: حدّها الأدنى طرح شروط متصلبة حيال موضوع سلاح حزب الله والحصول على ما يسمّيه النائب بطرس حرب «أكثر بقليل من ضمانات خطية» بعدم لجوء حزب الله إلى استخدام سلاحه في الداخل وفي كل نزاع سياسي بينه وبين الموالاة، وهو مغزى تصلّب هذا الفريق في معرض مناورة مشروعة على طاولة التفاوض للحصول على مكسب سياسي جوهري يتخطى ما كان الحزب قد أبدى استعداده له في بيروت وكرّره في الدوحة، وهو توقيعه الضمانات الخطية المطلوبة. أما حدّها الأقصى فهو ما يسميه الرئيس أمين الجميل «رفض العودة إلى لبنان قبل أن نحصل على ضمان بأن السلاح ليس أداة تخاطب لفرض إرادة فريق على آخر، أو أنه سيظلّ يهدّد وجود الدولة». تالياً يفضي هذا التصوّر في رأي الرئيس السابق إلى ضرورة اقتران التفاهم على جدول أعمال الحوار في الدوحة بتفاهم مماثل وأكثر وثوقاً على موضوع سلاح حزب الله. إذ لم يعد في الإمكان العودة إلى وجهة النظر نفسها حيال سلاح الحزب كما كانت قبل 9 أيار الفائت، بعدما عدّته قوى 14 آذار حينذاك مهدّداً للدولة ولالتزامها تنفيذ القرارين 1559 و1701، وبعدما أدخله حزب الله في صلب المعادلة السياسية عندما عمد إلى قلب التوازنات الداخلية بقوة هذا السلاح ونشر الفوضى في البلاد.
هكذا تبدو قوى 14 آذار متضامنة في ما تريده من حوار العاصمة القطرية حيال دور سلاح حزب الله في المرحلة المقبلة، وفي الوقت نفسه تباعد بين بعض أفرقائها فروق شكلية في الظاهر، هي أن نظرة كل منهم إلى الحاجة إلى التسوية تصطدم بين قائل بعدم بلوغ هذه التسوية مكسباً حقيقياً لقوى 14 آذار في موضوع سلاح حزب الله، كالجميل ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع ولقاء قرنة شهوان، وقائل بعدم ربط التوصّل إلى هذه التسوية باتفاق على دور سلاح حزب الله، كرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري. بين هذين الفريقين في الموالاة يقع موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي يطرح مقاربة إضافية لسلاح الحزب، من غير أن يكون على طرف نقيض مع كل من فريقي قوى 14 آذار الآخرين. وبحسب كبير مستشاري السنيورة السفير محمد شطح، فإن مناقشة موضوع سلاح حزب الله تتصل بجوانب ثلاثة متلازمة، هي:
ـ سلاح المقاومة الذي يملكه الحزب والموجّه ضد إسرائيل، وقد سلّمت الغالبية بدوره بما لا يتناقض مع تنفيذ القرار 1701 ودور الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وعند الخط الأزرق مع الدولة العبرية. ويتطلّب ذلك، في المقابل، عدم استخدام السلاح في الداخل من خلال ضمانات خطية تقدّمها قيادة الحزب كي لا يصبح جزءاً من عدّة شغل المواجهة السياسية الداخلية بين الحزب والموالاة. ويصير إلى مناقشته أيضاً في سياق الاستراتيجيا الدفاعية التي نصّ عليها ضمناً «إعلان بيروت» الصادر عن الوفد الوزاري العربي مساء الخميس الفائت.
ـ سلاح أفرقاء آخرين في المعارضة لا شأن له بمقاومة إسرائيل، ولا يدخل في سجال الاستراتيجيا الدفاعية المؤجلة، ولا يتمتع بشرعية قانونية أو سياسية، واستخدم على نحو مباشر في الصدامات العسكرية في الأيام الأخيرة، كسلاح الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الديموقراطي اللبناني وتيار التوحيد اللبناني وسائر التنظيمات والشلل التي أدخلت سلاحها في الانفلات الأخير بغية تصفية حسابات سياسية. ناهيك بسلاح المعسكرات الفلسطينية خارج المخيمات الذي اتخذ موقفاً منه مؤتمر الحوار الوطني في مجلس النواب في آذار 2006. هذه الأسلحة يقتضي وضع حدّ لتفشّيها وانتشارها وتحوّلها عناصر شغب وفوضى واعتداءات، ولا تقع في منزلة سلاح حزب الله الموجّه إلى إسرائيل. وقد عوّل الحزب عليها لتعديل وجهة المواجهة العسكرية عبر تطعيمها بسلاح غير شيعي على الأقل. وما يصحّ على تلك التنظيمات في المعارضة يصحّ على تنظيمات مماثلة في الموالاة حملت السلاح لردّ ما اعتبرته 14 آذار غزوة مسلحة ضدها، الأمر الذي يحتم معالجة جذرية.
ـ موقع حزب الله ودوره في المعادلة السياسية الداخلية وعلاقته بالدولة اللبنانية خصوصاً من حيث إنه تنظيم يكاد يكون ــــ أو ربما هو فعلاً ــــ أقوى من الدولة والجيش تسليحاً وأعتدة وقدرات وإمكانات، مما يجعل من استخدامه السلاح وإن مرة واحدة ــــ وفي الغالب لا تحتاج الانقلابات إلى أكثر من مرة واحدة ولا إلى أكثر من بلاغ رقم واحد كي تنجح أو تفشل ــــ سبباً لانهيار الثقة كاملة بينه وبين الدولة اللبنانية والقوى السياسية الأخرى المتمسّكة بسيادة الدولة على أراضيها، الأمر الذي يوجب مناقشة دور سلاح حزب الله وعلاقته بالدولة، ما دام ليس في الإمكان حسم الخلاف على مصيره.
على وقع مواقف الموالاة من سلاح الحزب، فاتح رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بعض أقطاب الموالاة والمعارضة بأن لديه حلاً لهذا السلاح يرضي المعارضة ويستجيب هواجس 14 آذار، ممتنعاً عن كشف مضمونه. غير أنه أبلغ إليهم أنه ينتظر اتفاقهم على بندي جدول الأعمال، حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، كي يطرح اقتراحه عليهم علناً، وهو متيقّن من موافقة الطرفين عليه، وسيضمّنه «إعلان الدوحة» في ختام اجتماعات الحوار الوطني.