هيثم خزعلأحضر بعض الطلاب الأجهزة الخلوية سراً، وقد حوت صوراً للمقاتلين والمجازر ومقاطع فيديو معارك دارت في المنطقة. تسلل الفرز السياسي إلى الصفوف، فتغير توزيع الطلاب على المقاعد الدراسية، فالتلميذتان مها ورولى في الصف السابع الأساسي لم تجلسا هذه المرّة على المقعد ذاته كما جرت العادة منذ أربع سنوات.
تقول رولى التي دخل المسلحون إلى بيتها وفتشوه إنّها لن تكلم مها إذا لم تغير قناعاتها السياسية.
على صعيد آخر، بدا محمد، التلميذ في الصف الخامس الأساسي حزيناً لكونه لم يتلقَّ أية إجابة عن رسائل الـ«sms» التي كان يرسلها للاطمئنان إلى معلماته ورفاقه القاطنين في الجبل، حتى إنّ بعضهم رفض محادثته عبر الإنترنت وهو يتساءل عن ذنبه في ما حصل.
وكانت الأحداث قد أرخت بظلالها على علاقات الصداقة بين الطلاب وعلى علاقاتهم الغرامية أيضاً، فديما وجاد التلميذان في الصف الثامن قررا الانفصال نهائياً بعد قصة حب دامت سنتين. تقول ديما إنّه لا مستقبل لعلاقتها بجاد وإنّ أهلها لن يرضوا به مهما فعل لأنّه ليس من طائفتها، ويشاطرها جاد الرأي متسائلاً: «لماذا العذاب ما دامت علاقتنا محكومة بالفشل».
هكذا سمح لنا المدير بالاطلاع عن كثب على أحوال مدرسته، رافضاً ذكر اسمها، فهو يريد الحفاظ على مؤسسته وعلاقته الجيدة بالأحزاب الموالية والمعارضة التي تتشابك نفوذها في المنطقة، وهي ذات تأثير كبير على الناس.
وفي مدرسة الأمين الأولى الواقعة في منطقة التيرو، استهلت المديرة سناء الأمين اليوم الدراسي الأول باجتماع للأساتذة دعت فيه إلى عدم التطرق إلى أي نقاش سياسي مع الطلاب تحت طائلة الصرف من العمل. أما معظم الطلاب الوافدين فكانوا من سكان الضاحية، بينما غاب كثيرون ممن يقطنون في الجبل. يبتسم البعض ويبارك لرفاقه بالنصر ويتحدث عن سير المعارك التي شاهدها بأم العين، فيما بدا قسم آخر حزيناً «يتحدث عن همجية المعارضة ووحشيتها». ينسحب المشهد على الأساتذة المنقسمون أيضاً، يتهامس المعارضون بالأحاديث السياسية ويتبادلون مع الموالين ابتسامات صفراء.
يبقى أنّ هاتين المدرستين خسرتا في السنوات الثلاث الأخيرة ما يقارب مئتي تلميذ، والعدد مرشح للارتفاع في ظل الأزمات السياسية التي يمر بها البلد.
أما بالنسبة إلى الموسم الدراسي المقبل، فالإدارات تتوقع تناقصاً إضافياً في عدد الطلاب، إذ إنّ الأحداث كرست المنطقة خط تماس فعلياً، فيما يحمّل الكثير من الأهالي إدارة المدرسة مسؤولية سلامة أبنائهم بانتظار نهاية العام الدراسي.