جان عزيزالمراوحة والتعنت والتفرد. هذا ما طبع اليوم الرابع من مؤتمر الحوار اللبناني المنعقد في الدوحة. المراوحة أولاً، ذلك أن أي جلسة عامة لم تعقد بالطبع. لا بل بات الانطباع شبه مؤكد بأن الجلسة الافتتاحية مساء وصول الوفود المشاركة، ستظل يتيمة. ولن يعقبها إلا جلسة ختامية، مهما كانت النتائج، وفي موعد سيظل مجهولاً. وهي المراوحة أيضاً، لأن اجتماعات اللجان الفرعية غابت أيضاً أمس. وحل بدلاً منها بعض الرسائل الثنائية بالواسطة غالباً. والمراوحة أيضاً وأيضاً، بعدما بات واضحاً أن جدول الأيام المقبلة خالٍ. اللجنة الوزارية العربية غادرت. عمرو موسى يسافر غداً. وكذلك أمير قطر ورئيس وزرائها، الذي قام خلال الأيام الماضية بدور دينامو المؤتمر ومهندس لقاءاته، وذلك لارتباط الجميع باجتماعات مجلس التعاون الخليجي، علماً بأن الكلام القطري جازم بأن هذا الغياب لن يتعدى الساعات، ليعود بعدها المسؤولون القطريون لمتابعة وساطاتهم.
لكن الأهم أن يوم أمس كان يوم التعنت من قبل فريق السلطة بامتياز. حتى إنه كرس رفضه القاطع لكل صيغ الحلول والتسويات. ففي مسألة قانون الانتخابات، أقفل النهار على نحو ست صيغ قدمتها المعارضة، ورفضها فريق الموالاة. صيغة اعتماد المحافظات دوائر انتخابية على أساس النسبية، رفضت. صيغة قانون عام 1960 بكامله من دون المساس بتلك القاعدة الشهابية الشهيرة، والتي أمّنت للبنان استقراراً تمثيلياً وتشريعياً، استمر طيلة أربع دورات انتخابية، رفضت أيضاً. صيغة قانون الوزير سليمان فرنجية التي وضعت عام 2005، لاقت الرفض نفسه، علماً بأن الرئيس الراحل رفيق الحريري كان قد أعلن موافقته عليها في حينه من على درج بكركي. صيغة الهيئة الوطنية لقانون الانتخابات التي ترأسها الوزير فؤاد بطرس، لم يكن نصيبها أفضل من قبل الموالاة.
آخر الصيغ التي أفرج عنها فريق الموالاة، كان «التنازل» عن مقعد مسيحي خامس، من أصل عشرة مقاعد مسيحية في العاصمة، وتركه للدائرة المسيحية، في مقابل حصد 14 مقعداً في بيروت. حتى أن المعارضة حاولت الذهاب أبعد في محاولة التجاوب، في مواجهة التعنت. فتدارست ليلاً صيغة الموالاة. وطرحت معادلة توفيقية لها تقضي بالآتي: القبول بدائرة أولى تضم خمسة مقاعد، نطاقها الأشرفية والرميل. على أن تكون الدائرة الثانية في نطاق الباشورة ــ المدور ــ الصيفي وتضم ستة مقاعد، لتترك الدائرة الثالثة و«السنية» مع ثمانية مقاعد. وبدا واضحاً من تفاصيل هذا الطرح أن الحريريين يبدأون معركتهم في العاصمة بضمان المقاعد الثمانية الأخيرة، ويخوضون معركة متكافئة على المقاعد الستة في الثانية، على أن يخوض المسيحيون معركة متكافئة هم أيضاً في الدائرة الأولى. لكن رفض السلطة ظل قاطعاً، علماً بأن هذا الطرح شكل تنازلاً كبيراً عن طرح العماد ميشال عون جعل الدائرة المسيحية بـ8 مقاعد، ما يعني ترك مقعدين مسيحيين اثنين فقط للحريريين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الطرح، كان يعني عملياً أيضاً التضحية بالمقعدين الشيعيين في العاصمة، ليكون مصيرهما في بطن الحوت السلطوي. وهو ما بادرت الثنائية الشيعية، حزب الله وحركة أمل إلى القبول به، من أجل المسيحيين، ليأتي الرفض الحريري كاملاً وقاطعاً أيضاً.
والتعنت نفسه كان في مسألة تشكيلة الحكومة. ففي الاجتماع الليلي أمس مع أمير قطر، طرح اقتراح من خارج بيان فينيسيا، كحل للمأزق المستمر. ويقضي بقبول الجميع بالانتخاب الرئاسي وتشكيل حكومة، على أن تبادر هذه إلى تبني مشروع فؤاد بطرس وإرساله إلى المجلس النيابي. وفي ظل تأييد القطريين والرئيس نبيه بري للفكرة الأولية، لفت أركان المعارضة إلى ضرورة أن تكون هذه الحكومة حيادية. ففي غياب الاتفاق على قانون الانتخاب، كما نص إعلان بيروت، تكون حيادية حكومة العهد الأولى ضماناً بديلاً لعدالة القانون المنشود لاحقاً. طلبت الموالاة مهلة حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل للإجابة. لم يأت الجواب. أمس كان الجواب بالرفض. وهو ما دفع المعارضة إلى عقد اجتماع وإصدار بيانها المؤكد مجدداً على مرجعية وثيقة الفينيسيا. لكن المفاجأة جاءت برفض الحريريين لمضمون البيان، وبالتالي رفض الالتزام بالإعلان العربي، وتأكيد النية على تخطيه. والمفاجأة الكبرى في هذا المجال، كانت ثورة عمرو موسى الذي جارى الحريريين في الرفض. ففي لقاء في جناح بري، خرج موسى عن طوره وهدوئه وبدا أقرب إلى الفريق منه إلى الوسيط.
يبقى التفرد سيد النهج الحريري أمس. مسيحيو السلطة بدوا غائبين عن كل ما يجري، يستقون المعلومات من الصحافيين. الوزير محمد الصفدي اتصل بالشيخ حمد بن جاسم مستأذناً للمغادرة احتجاجاً، لولا تدخل رئيس الوزراء القطري وضم رئيس التكتل الطرابلسي إلى مشاوراته مع فريق الصفدي نفسه. وسط فتور بين الأخير وسعد الحريري على خلفية اقتراح الصفدي تشكيل حكومة انتقالية، كمخرج للمأزق.
وحده وليد جنبلاط ظل خارج هذه المعمعة. مكتفياً بشراء بطاقات بريدية من مركز تسوق الشيراتون، وموجهاً رسائله إلى حلفائه: لا مغادرة للدوحة قبل التوصل إلى حل.