ثائر غندوريختلف النقاش السياسي اليومي في بيروت عما كان عليه قبل السابع من أيّار. إذ لم يعد قلب أهالي بيروت وعقلهم مستعدين، مثلما كانا عشية بدء الحوادث، لعملية تقييم أداء قيادة تيّار المستقبل، لأنهم «يتكتّلون حول قيادتهم في ظلّ حالة الاستفزاز المذهبي»، يقول أحد نوّاب بيروت السابقين. وفي رأيه، إن الساحة السنّية ليست جاهزة لبروز قوّة أخرى تنافس قوّة آل الحريري، «فما يملكه هؤلاء من أموال لا تقدر عليه أي جهة محليّة أو دوليّة».
ويذكر النائب السابق لقاءً له مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سأله خلاله عن الناس في بيروت، فأجابه: «الناس محقونة»، فردّ نصر الله بسؤال: «كيف يُمكن أن نُخفّف هذا الاحتقان؟»، فكان الجواب: «زيارة مفتي الجمهوريّة». بعد أيام كان نصر الله يحلّ ضيفاً على المفتي.
ولكن مثل هذه الزيارة لم تعد تنفع اليوم، ولذا على حزب الله تنفيذ خطوات سريعة، كرفع الاعتصام من وسط بيروت التجاري، «لأنه لا نفع منه وأصبح احتلالاً». وإزالة هذه الخيم ستعني الكثير لأبناء بيروت، لأنها ستقول لهم إنه لا أطماع للحزب بالمدينة. ويُضيف: «خطوة ثانية يجب القيام بها بسرعة، وهي تقييم حزب الله لما جرى والاعتذار من أهالي بيروت».
ويقول إن امتناع الجيش عن أي خطوة للدفاع عن الناس، نال من ثقتهم به، وهذا هو الواقع اليوم. وينقل عن مواطنين في رأس النبع حادثةً حصلت قبل أيام، عندما اعتقل شباب حزب الله أحد شبّان المنطقة من منزله، فيما كان عناصر الجيش يُراقبون ما يحصل. ويميّز بين الحوادث الأخيرة والحروب السابقة (عندما اجتاحت قوّات الحزب الاشتراكي وحركة أمل بيروت منذ منتصف الثمانينيات حتى أواخرها)، فيسجّل وجود فارق كبير بين «الحربين».
إذ في السابق، دأبت الميليشيات على انتهاك حرمات المنازل وأعراض الناس، وهذا ما لم يحصل في هذه الحرب. لكنّه يقول بأسى إن حزب الله كان خاسراً حقيقياً من نزول سلاحه إلى شوارع بيروت، «وحتى يُحافظ على انضباط مقاتليه ترك الانتشار في الشارع لمقاتلي حركة أمل. فزواريب بيروت تُغرق من تعوّد الغطس».
وفي هذه النقطة، يُميّز بين الرئيس نبيه برّي وحزب الله. فهو يعتقد أن برّي يتمسّك بالدولة لأنه راكم فيها أرصدته منذ انتهاء الحرب الأهليّة، وأدخل أغلب جمهوره إليها، «ولا يستطيع أن يُجاري حزب الله إذا تدهورت الأمور». لافتاً إلى أنه لمس حرجاً شديداً لدى رئيس المجلس خلال لقاءاته به، لكنّه على أية حال «يبقى أقرب إلى المعارضة منه إلى الموالاة».
ولكن هل أخطأ تيّار المستقبل، في رأيه، عندما سلّح جمهوره؟
يجيب بما لمسه وسمعه على ألسنة عدد من «المستقبليين»، إذ اعترفوا بأن إنشاءهم للشركات الأمنيّة جاء بعد مطالبات كثيرة من جمهورهم بالتسلّح، وخصوصاً بعد اضطرابات 23 و25 كانون الثاني 2007، عندما شعر أهالي بيروت بأنه لا أحد يحميهم. وهنا، يذكّر جلساءه بأن أهالي بيروت بعيدون كلّ البعد عن الانخراط في الميليشيات، ولا يستطيعون تلبية متطلّباتها لجهة العقيدة والتنظيم والانضباط والتمويل، وهذا أمر قديم برز منذ بداية الحرب الأهليّة.
فمعظم الميليشيات السنّية كانت تعتمد على مقاتلين شيعة في صفوفها، وكان بعض قادتها من الشيعة أيضاً، واستمرّت بسبب الاحتضان الفلسطيني لها، وعندما رحلت منظمّة التحرير الفلسطينيّة في عام 1982 انهارت هذه الميليشيات تدريجاً. ويبدي النائب السابق تخوّفه من العنصر السلفي وإمكان سيطرته على جانب من الشارع البيروتي.
ويعتقد أن وصول الحوار في قطر إلى نتيجة إيجابيّة سيؤدّي حكماً إلى تهدئة النفوس، لكنّه لا يرى أملاً جدّياً حتى لو كانت سوريا موافقة، إذ إن رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية حمد بن جبر آل ثاني كان في دمشق أخيراً، حيث التقى الرئيس بشّار الأسد، ثم ترأس اللجنة العربية إلى بيروت، ما يُشير إلى حصوله على تفويض سوري. إلا أن الموقف السعودي لا يزال ملتبساً بالنسبة إلى الحوار. ويقول النائب السابق إنه حاول التواصل مع الرياض بطريقته، فكان جوابها شبه إيجابي، ومفاده أنها لا تُعارض تسوية يُمكن أن يخرج بها الحوار في الدوحة. ثم يُشير إلى مقال منشور في إحدى الصحف السعوديّة يُهاجم الحوار اللبناني، وهو ما يدفعه إلى عدم التفاؤل بالموقف السعودي.
وفي قراءته للحوار، يرى أن إمكان الوصول إلى حلّ مرتبط بمناخٍ خارجي، لأن الأطراف اللبنانيّين، كانوا وما زالوا يختلفون على موضوعي الحكومة وقانون الانتخاب. ويستعرض ما بلغه من نقاشات في شأن تقسيم بيروت انتخابياً ليستخلص أن أفضل خيار هو أن تكون بيروت دائرة واحدة، ولكن تبقى الخصوصيّة المسيحيّة التي يجب أن يوجد لها حلّ.