الدوحة ــ نقولا ناصيفغرقت الدوحة في المحظور الذي أغرق وساطة الجامعة العربية قبل أشهر عندما انتقلت من البحث في آلية تنفيذ اتفاق عربي للحلّ إلى الخوض طرفاً في تفاصيل الأزمة اللبنانية. وهو ما بدأت ملامحه بطرح المسؤولين القطريين مساء الاثنين مشروع تسوية بتأجيل بت قانون الانتخاب إلى ما بعد انتخاب الرئيس الجديد وتأليف حكومة وحدة وطنية تتولى هي وضعه. أراح الاقتراح 14 آذار وأغضب المعارضة لكونه يعيد طرح المخرج نفسه الذي لم يكتفِ بتعطيل المبادرة العربية، بل دفع التشنج السياسي الذي ترتب عليه إلى انفجار الأحداث الأخيرة، الأمر الذي أعاد التناقض بين طرفي النزاع إلى المشكلة السابقة: «إعلان فينيسيا» ينفذ كاملاً أو لا ينفذ. أرادت قطر استسهال حلّ الأزمة، فضاعفت مناخات التشاؤم التي أحاطت بهذه بين منتصف ليل الاثنين وظهر الثلاثاء.
بدت الموالاة أكثر إصراراً في اليومين المنصرمين على استعارة وسيلة التعطيل التي استخدمتها المعارضة في تجميد تنفيذ المبادرة العربية، عندما عدّت «إعلان فينيسيا» آلية غير قابلة للتجزئة. وتقول أوساطها إن أولوية التنفيذ لا تحجب تكامل التفاهم السياسي على بنود «إعلان فينيسيا» كاملة. بذلك تدرج ملف سلاح حزب الله في صلب هذا التفاهم.
عند هذا الحدّ أظهرت المشاورات الجانبية أمس كأن الفريقين غير جاهزين تماماً للتسوية السياسية. اختلفا مجدّداً على تفسير ما اتفقا عليه في بيروت قبل التوجّه إلى الدوحة تحت شعار أن «إعلان فينيسيا» يؤخذ به كله أو لا يؤخذ أي من بنوده قط. تضيّق الموالاة على جدول الأعمال لإحراز مكسب سياسي رئيسي في موضوع سلاح حزب الله، وتتشبث المعارضة بإقرار جدول أعمال لا تجمعه بموضوع السلاح سوى آلية نظرية متدرّجة التنفيذ. في المقابل أحجمت قطر عن دعوة أركان الحوار إلى جلسة عامة ثانية خشية انفجار خلافاتهم علناً في الداخل، وجمّدت أعمال لجنة قانون الانتخاب منذ ظهر الأحد للسبب نفسه.
لكن المأزق الذي يراوح فيه حوار الدوحة مثّل أكثر من سبب لوصول دبلوماسيين من دول عربية ليست عضواً في وفد الوساطة العربية لاستكشاف ملامحه واتجاهاته، في ظلّ معطيات متعارضة الاتجاه باتت تتحكم بمساره وعلى غرار ما رافق مداولات اتفاق الطائف عام 1989، وراء الأبطال اللبنانيين على مسرح الأزمة، كان ثمة آخرون إقليميون يراقبون خيوط اللعبة:
1 ـ تأكيد الجامعة العربية، تبعاً لمشارك رئيسي فيها، ضرورة التزام المتحاورين جدول الأعمال بعدما أضحى سلاح حزب الله في صلب المناقشات ومهمة الوساطة العربية الجديدة عبر «إعلان فينيسيا» الذي كرّسته وثيقته الرسمية بنداً رئيسياً في النزاع الداخلي، وأعاد إبرازه رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بقوله للمتحاورين إن السلاح صار على الطاولة، لكن يقتضي التزام آلية مقاربته. وهو تقدّم مهم لم يدخل قبلاً في وساطة الجامعة العربية. بات الآن دور سلاح حزب الله لا مصيره هو الموضوع على طاولة الحوار. وهو ما تحدّث عنه مراراً أمام الموالاة مسؤولون قطريون ووزراء عرب مشاركون في الوفد الوسيط.
2 ـ سواء جهرت المعارضة بأنها لا تريد استثمار نتائج الأحداث العسكرية سياسياً أو لا، لم يخرج حوار الطرفين عن إصرار كل من الموالاة والمعارضة على انتزاع مكسب سياسي جوهري في حصيلة حوار الدوحة. ظهر واضحاً تلازم المأزق في موضوعي الحكومة وقانون الانتخاب. رفضت الموالاة تشبّث المعارضة بالثلث المعطل، وإن أوحت لها أنها تستطيع الحصول عليه نظرياً عبر تسمية رئيس الجمهورية وزيراً حادي عشر للمعارضة من غير طلب موافقتها مباشرة وعلناً، إلا أنه يكون قريباً منها وفي الوقت نفسه في عداد وزراء الرئيس. رفضت المعارضة وأصرّت على الثلث المعطل «حصة صافية» لها علنية تريد منها ضمان حقها في المشاركة في مجلس الوزراء.
كانت وجهة نظر الموالاة أنها لا تستطيع في آن واحد أن تخسر على الأرض وتنكسر في السلطة، بل طالبت ـ لأنها خسرت ـ بتعويض الخسارة في البندين معاً، فيما المعارضة تريد ترجمة الانتصار في البندين ذاتهما لأنها انتزعتهما ـ أو تكاد ـ بالقوة في ظلّ توازن قوى جديد. رفضت الموالاة حكومة المثالثة في توزيع حصص التوزير، وبدت منفتحة على إحدى معادلتين تمثلان السقف الأعلى والأدنى للتنازل: 13 + 10 + 7، أو 14 + 10 + 6.
قالت الموالاة أيضاً إنها تتساهل موقتاً في مخرج يعوّم حكومة الرئيس السنيورة بإعادة ترميمها مع عودة الوزراء الشيعة إليها لاستعادة وحدتها، كي تعدّ لظروف أكثر ملائمة لانتخاب الرئيس الجديد، الأمر الذي رفضته المعارضة، وقد عدّت نتائج الأحداث العسكرية الأخيرة أنها قوّضت سياسياً الأنفاس الأخيرة لحكومة تطعن في شرعيتها.
3 ـ استعانة طرفي النزاع بخرائط وإحصاءات في المشاورات الجانبية، أو في صفوف كل فريق على حدة، بيّنت أن كلاً منهما بدا مهتماً ـ وهو يحاور في موضوع قانون الانتخاب ـ بإجراء هذه الانتخابات على الورق للتيقن من سيطرته على غالبية البرلمان المقبل، الأمر الذي أوقع المسؤولين القطريين في حيرة تحقيق حدّ أدنى من التفاهم على موضوع، ظهرت الدوحة فيه قليلة الخبرة والقدرة على المناورة وتفادي الفخاخ، على الأقل بالنسبة إلى إلمامها بالأحياء اللبنانية وأعداد الناخبين وتوزيعهم الطائفي والمذهبي وتقطيع المناطق والدوائر، ومغزى إدماج دوائر بأخرى أو فصلها عنها. وفيما أصرت الموالاة على عدم التنازل عن خطتها لتقسيم بيروت دوائر ثلاثاً تبعاً لحسابات سياسية لا تضاعف خسارتها الأخيرة، قالت المعارضة إن الاتفاق على دوائر بيروت يوازي الاتفاق على باقي الدوائر الانتخابية. حمل ذلك أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على اقتراح تأجيل بتّ قانون الانتخاب إلى ما بعد العودة إلى بيروت. رفضته المعارضة وقبلت به الموالاة.
بذلك بات الحوار في موقع حرج يرشّحه للفشل ما لم يطرأ تطور غير محسوب من خارج الدوحة في الساعات المقبلة.