أنطوان سعدتبدو كل جهود الأكثرية النيابية في هذه الأثناء منصبّة على التأكيد أن المخاوف التي عبّر عنها التيار الوطني الحر في الأشهر الأخيرة بشأن نيات الأكثرية من قانون الانتخاب صحيحة. وهي بمواقفها من تقسيم بيروت، ومن شكل الحكومة العتيدة، تعمل في شكل منهجي على تقويض صدقية الطرف المسيحي فيها الذي لا يبدي المقدار الكافي من الحرص على التمثيل المسيحي في المؤسسات الدستورية، باستثناء بعض الشخصيات التي أبدت مواقف مغايرة ومن ثم أُبعدت عن الواجهة مثل النائب جورج عدوان.
بالنسبة إلى قانون الانتخاب، وعلى رغم أن أسباب ممانعة الأكثرية إعطاء المسيحيين حق اختيار نوابهم تُغلّف بعيارات من مثل مواجهة النفوذ السوري ـــ الإيراني، فإن ما يجري التداول به في الأوساط السياسية شبيه بما أعلنه النائب السابق ناصر قنديل قبل سنوات بشأن طريقة تمثيل المسيحيين. فالمحافظة على المناصفة الرقمية في عدد النواب تقضي على المسيحيين بأن يقبلوا أن يسمي زعماء المسلمين بعضهم. أما ما يقوله النواب المسيحيون في الأكثرية تبريراً لهذا المواقف فيشبه إلى حد بعيد ما قاله أركان لقاء قرنة شهوان في تبريرهم لتغطية التحالف الرباعي وإجهاض مشروع قانون انتخابي يعتمد القضاء دائرة انتخابية في المجلس النيابي، عبر تهريب النصاب. يومذاك قال أحدهم: «شو بدنا بالقضاء، قانون الألفين أفضل منه فهو يريحنا من جماعة سوريا».
وعندما أثار البطريرك الماروني نصر الله صفير مسألة الإجحاف مرفقاً بتحذيره الشهير «قد أعذَرَ من أنذر»، تقاطرت الوعود المحلية والأجنبية بأن الحكومة سوف تعمد مباشرة بعد الانتخابات إلى وضع قانون الانتخاب. وسقطت الوعود، وبقي التصور الذي أعدّته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس في الدرج، من غير أن يجد طريقه إلى مجلس الوزراء.
أما في موضوع الحكومة، وبعدما تصرّف قائد الجيش العماد ميشال سليمان بخلاف توقعاتهم، وافق أركان الأكثرية على إعطاء المعارضة الثلث المعطل، باعتبار أن العماد سليمان منحاز لها، وبالتالي سوف تؤمن حصته زائد حصة المعارضة الثلث المسقط للحكومة. غير أنهم قلّصوا الحصة المخصصة له إلى ثلاثة وزراء، حتى يكون مع وزراء المعارضة أكثرية في مجلس الوزراء. وهذا يعني في لغة الأكثرية الدبلوماسية أن قائد الجيش لم يعد في نظرهم المرشح التوافقي المقبول منهم، وأنهم سوف يعلنون موقفهم هذا عندما ستتوافر العناصر التي تبرر لهم اتخاذ هذا القرار من غير أن يبدوا في نظر الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً مسؤولين عن تعطيل الانتخابات الرئاسية.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن وضع قائد الجيش يشبه إلى حد كبير وضع البطريرك الماروني، ففي كل مرة يأخذ موقفاً يتقاطع مع موقف الموالاة أو المعارضة يناصبه الطرف الآخر العداء. ولكن الموالاة تبقى متميزة على المعارضة في كون أركانها لا يخرجون عن طورهم، بل يحرصون على البقاء ضمن الإطار الهادئ الذي لا يخرج عن أدبيات الحياة السياسية اللبنانية على وجه عام.
إن الأكثرية بتوجهها هذا، تتجه لتقع في الخطأ نفسه الذي ارتكبته في ربيع عام 2005، والذي أدى كما هو معروف إلى تسونامي التأييد للوائح العماد ميشال عون العائد آنذاك من المنفى، في معظم المناطق المسيحية.
والكتل الناخبة التي ظن العماد عون خطأً أنها معه كيفما ذهب، وخسرها لأسباب متعددة، والتي يظن أركان الأكثرية خطأً أنها باتت معهم بمجرد أنها ابتعدت عن التيار الوطني الحر، لا تتسامح أبداً مع تجاوز حق المسيحيين في انتخاب نوابهم بأصواتهم.
وهذا ما نجح العماد عون في اكتشافه في المرة الماضية، فتبع اتجاهات هذه الكتل الناخبة أكثر مما تبعته في الواقع. وهذا ما يمكن أن يحصل في العام المقبل إذا حصلت الانتخابات وفق قانون الألفين أو قانون آخر يشبهه.
أما الجديد الذي يمكن توقعه هذه المرة فهو أن تزيد نسب الاقتراع المناوئ للأكثرية عن المرة السابقة، لأن أوساطاً قريبة تقليدياً من بعض القوى المسيحية في حركة الرابع عشر من آذار صوّتت في المرة السابقة مع التحالف الرباعي، بهدف إخراج رئيس الهيئة التنفيذية الدكتور سمير جعجع من السجن، ولاعتبارها أنه في حال تحرير هذا الأخير، لن يكون من الممكن في عام 2009 تكرار تجربة تهميش المسيحيين في الانتخابات، لن تقبل بأن تؤيد لوائح
الأكثرية.
غير أن هذه الأوساط تدعو المعارضة إلى السير في انتخاب رئيس الجمهورية، لأن ملء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى من شأنه أن يقوّي الجبهة العاملة على تحقيق العدل والمساواة في قانون الانتخاب العتيد. وثمة نواب في الأكثرية على استعداد للتصويت إيجاباً على اقتراح القانون الذي تقدّم به النائبان غسان تويني وغسان مخيبر.