جان عزيز«إما أن تسمحوا لهم باغتصاب حقوقكم، وإما أن تسمحوا لنا بأن نعاتبكم علناً». هكذا وصف الرئيس نبيه بري النتيجة التي انتهى إليها اليوم الخامس من مؤتمر الحوار اللبناني.
ذلك أن الحدث الأبرز أمس كان بيان الراعي القطري للمؤتمر، الذي أشار إلى أن ثمة اقتراحين للحل، وإلى أن أحد الفريقين طلب مهلة لإعطاء جوابه عليهما. ولم تلبث التسريبات أن انطلقت محمّلة المعارضة مسؤولية التأخير. أصلاً كان واضحاً قبل ساعات أن بعض الجانب القطري يوحي بكلام من هذا القبيل. كما أن رئيس وزراء قطر، الشيخ حمد بن جاسم، كان قد أعلن صباحاً ما مفاده أن الموالاة مستعدة لتقديم التنازلات المطلوبة، إذا ما أبدت المعارضة تجاوبها مع هذا الأمر. لكن المفاجأة ظلت في البيان الصادر ظهراً. وبدا كأن بعض الموالاة كانوا في أجوائه مسبقاً. فكان هواء الفضائيات العربية محجوزاً لعدد من أصوات السلطة التي سارعت إلى تبني البيان، واعتباره شهادة لها وبينة على خصمها المعارض.
لكن أقطاب المعارضة أبلغوا المعنيين مباشرة أنهم لم يتسلموا اقتراحين محددين، وبالتالي فهم لم يطلبوا أي مهلة لإعطاء أي جواب، وهذا ما دفع حمد بن جاسم إلى التحرك سريعاً، فالتقى بري ووفد حزب الله كاملاً، ومن ثم انتقل أحد مساعديه للقاء العماد ميشال عون، لاضطرار رئيس الوزراء القطري المغادرة إلى الدمام، على أن يعود مساء للقاء عون مجدداً.
اللقاء مع بري كان صريحاً. رئيس مجلس النواب أعرب أكثر من مرة عن استيائه من الدور الذي أداه عمرو موسى. وقيل إنه قال صراحة للراعي القطري: «خربها وفلّ»، في إشارة إلى سفر الأمين العام للجامعة العربية صباحاً. الوسيط القطري عرض من جهته المقترحين المقصودين بالبيان الرسمي:
إما انتخاب رئيس للجمهورية، والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة 16ـــــ 11ـــــ 3، على أن يترك قانون الانتخاب لإقراره في المجلس النيابي الحالي لاحقاً. وإما انتخاب الرئيس والاتفاق على الحكومة، مقابل موافقة المعارضة على تقسيم بيروت ثلاث دوائر، خمسة فقط من مقاعدها في نطاق جغرافي بأرجحية مسيحية، و14 منها في دائرتين متساويتين بأرجحية سنية حريرية.
لم تتأخر المعارضة في إعلان تحفظها عن الاقتراحين، لا بل ذهبت أبعد، واصفة الطرحين بأنهما مجرد كمينين لها، كما للمقتضيات الميثاقية اللبنانية.
وشرح أقطاب المعارضة، أن الاقتراح الأول يعني عملياً الإبقاء على قانون رفيق الحريري ـــــ غازي كنعان. ذلك أن عدم الاتفاق على القانون العتيد الآن، يفترض تركه إما للحكومة المقبلة، وإما للمجلس النيابي الحالي. وبما أن الحكومة المقترحة مع هذا الاحتمال، تتضمن القدرة المتبادلة على التعطيل، بين الموالاة والمعارضة، فهذا يعني حكماً عجز السلطة الإجرائية المقبلة عن تبني مشروع جديد للقانون. عندها تصير الكرة في المجلس النيابي، ذات الأكثرية السلطوية الحالية، والرئاسة المعارضة. فإما أن يخضع بري عندها لرغبة السلطة في إمرار القانون الذي تريده، وإما أن يتحمل مسؤولية عرقلة إقرار قانون جديد، والوصول إلى صيف عام 2009، في ظل قانون عام ألفين، وهذا حلم حريري دائم.
أما الاقتراح الثاني، فيعني كميناً لا يقل خطورة. ذلك أن التقسيم المقترح لبيروت، يسقط نصف المقاعد المسيحية في البطن الحريري، وهو ما يقصد منه ضرب المرجعية الحمائية لعون في الشارع والوجدان المسيحيين. والأخطر، أن هذا الاقتراح يسقط غالبية المقاعد الأرمنية في الدائرتين السنيّتين.
مساء أول من أمس التقى سعد الدين الحريري مجموعة النواب الأرمن مصادفة في لوبي فندق الشيراتون، فبادر إلى تقبيل هاغوب بقرادونيان دون سواه. أثار الأمر بسمات كثيرة. لكن المسألة لم تلبث أن اتضحت. فالفريق الحريري يواظب على توجيه رسائل إغرائية إلى الطاشناق، ومفادها أن غداً ستكون مقاعدكم في أيدينا في بيروت، ونحن مستعدون للتفاوض معكم حولها، مقابل أصواتكم في المتن الشمالي وزحلة...
الهدف إذاً، وكما دوماً، القضاء على ميشال عون. فهمت المعارضة فوراً، وردت بالفورية نفسها: الاقتراحان مرفوضان، ابحثوا عن غيرهما.
يقفل أقطاب المعارضة كل الكلام التفنيدي على ما حصل في الدوحة أمس، ويستدركون: أصلاً ثمة خشية لدينا من أن يكون بحثنا كله قد أضحى خارج الموضوع، بعد ما صدر عن الرياض أول من أمس. أعلن مجلس وزراء العائلة السعودية الحاكمة أن المطلوب التوصل إلى اتفاق على رئيس وحكومة، «وتعديلات دستورية، بما يكفل للبنان استقلاله من هيمنة القوى الخارجية، ومن الارتهان للطموحات القومية غير العربية، وبما يضمن للشعب اللبناني أمنه وطمأنينته وانفكاكه من سيطرة أفكار وسلاح أي فئة من فئاته».
تعديلات دستورية، وحراس جدد لقومية ما، في مواجهة قوميات أخرى، ونظام دستوري لمكافحة «أفكار»... إنها الحرب السعودية الجديدة على لبنان. ما بقي استعداد لها وحشد للسلاح وتحصين للمواقع. إلا إذا ما تمكن القطريون من تجسيد ما قرأه حمد بن جاسم نفسه من الفينيسيا في بيروت.