«القوات» و«المستقبل» يربطان «حقوق» الأرمن في بيروت بتحالفاتهملبّدت التسريبات الإعلاميّة، أمس، أجواء مؤتمر الحوار. وبالرغم من إصرار الحواريّين على التوصّل إلى حل، شغل اللبنانيّون بالسؤال عن المصير في حال الفشل، وخصوصاً أنّ آثار وتداعيات الصدامات الأخيرة لا تزال ماثلة أمامهم
برز في اليوم الخامس من حوار الدوحة تطوران: الأول، تقديم اللجنة العربية اقتراحين للحل وأمهلت الأفرقاء اللبنانيين إلى اليوم للرد، والثاني، شنّ «القوات اللبنانية» ومقربين من رئيس الحكومة وتيار المستقبل حملة عنيفة على الأرمن، على خلفية مطالبتهم بترسيخ قوتهم الانتخابية في بيروت.
وبالرغم من ترويج الموالاة أن المعارضة استمهلت اللجنة العربية إلى اليوم لدرس المقترحين، ملمحة إلى اتجاه لرفضهما، في مقابل تعاطي الموالاة بإيجابية معهما، لم يصدر أي موقف بهذا الشأن عن المعارضة، فيما نقلت وكالة «فرانس برس» عن النائب علي حسن خليل قوله إن المعارضة تعتبر أن الاقتراحين غير موجودين. إلّا أن أوساط رئيس المجلس النيابي نبيه بري سارعت إلى توضيح أن ما نقل عن النائب خليل غير دقيق.
ومساءً، عقدت اللجنة المكلفة بحث قانون الانتخاب اجتماعاً لدرس الصيغ المقترحة، وقد تركز النقاش على الدائرة الثانية لبيروت. وأكد النائب خليل بعد الاجتماع أن فرص الحل أصبحت أكبر، مشيراً إلى أن اللجنة تعمل بإيجابية و«لا عودة من دون اتفاق».

ثلث ضامن للمعارضة وخياران

وكان وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، أحمد بن عبد الله المحمود، قد أذاع بياناً مقتضباً بعدما تردد أن رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية، الشيخ حمد بن جاسم سيعقد مؤتمراً صحافياً، وجاء في البيان الذي تلاه المحمود باسم اللجنة العربية، أن رئيس اللجنة «وبعد مشاورات مكثفة مع الأطراف كافة»، قدّم اقتراحين إلى قيادات الأغلبية والمعارضة ترى اللجنة أنهما «يمثلان الحل الأمثل للخروج من الأزمة اللبنانية الحالية بحيث تتم المواقفة على أحدهما».
وإذ أوضح أنه لن يتم الإعلان عن هذين الاقتراحين في الوقت الحالي، آملاً أن يصل الطرفان إلى اتفاق على أحدهما، أعلن أن أحد الطرفين طلب مزيداً من الوقت للرد، وقد وافقت اللجنة على ذلك بإعطاء مهلة زمنية حتى اليوم.
وينص الاقتراحان على انتخاب رئيس الجمهورية وإعطاء المعارضة الثلث الضامن في حكومة ثلاثينية، يكون فيها للموالاة 16 وزيراً ولرئيس الجمهورية ثلاثة وزراء. وبالنسبة لقانون الانتخاب، يدعو الاقتراح الأول إلى ترحيل مناقشة القانون إلى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية على أن يحصل النقاش في البرلمان اللبناني على أساس مشروع الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب (لجنة فؤاد بطرس) الذي يعتمد الأكثرية المطلقة والنسبية في الوقت نفسه.
أما الاقتراح الثاني فيدعو إلى «اعتماد قانون عام 1960 على أن يوزع عدد النواب على الشكل الآتي: خمسة مقاعد لبيروت الأولى، سبعة نواب لبيروت الثانية، وسبعة نواب لبيروت الثالثة.
وأعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن الاقتراحين يحوزان إجماع الجامعة العربية، واصفاً إياهما بـ«القرارين المتوازنين والمفصلين اللذين جاءا نتيجة مشاورات مع جميع الفرقاء».
وأشار موسى في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان»، إلى انتظار رد المعارضة على الاقتراحين بعدما قدمت الموالاة موافقتها عليهما.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن النائب خليل قوله، رداً على سؤال عما إذا كانت المعارضة قد تسلّمت الاقتراحين، «تتكلمون عن شيء غير موجود».
إلا أنه حرص على القول في تصريح لاحق إلى الوكالة نفسها «نحن معنيون باستمرار الحوار حتى الوصول إلى توافق»، مضيفاً أن «إرادتنا أنه لا عودة من الدوحة قبل التوصل إلى اتفاق».
وكان وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت قد أعلن قبل إذاعة بيان اللجنة العربية أن قطر بصدد إعداد اقتراح ثالث وأخير سيعرض على فريقي النزاع تحت شعار «إما أن تقبلوه كما هو أو ترفضوه».
وأكد النائب بطرس حرب أن الأكثرية ستتعاطى بـ«إيجابية» مع الطرح العربي إذا وافقت عليه المعارضة، وقال: «إن المعارضة هي التي طلبت مهلة حتى الأربعاء للتفكير قبل الرد على اللجنة العربية الوزارية»، مستغرباً «هذا التأخير»، ومتهماً طرفاً إقليمياً بالتدخل لعرقلة الحلول. وقال «هناك معلومات عن تدخل إقليمي في المفاوضات لدعم موقف المعارضة، ما يصيبنا بخيبة أمل كبيرة لأن هدفنا هو تحرير إرادة اللبنانيين من أي ضغط أو وصاية خارجية».
بدوره، أكد رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «الأكثرية تنظر بإيجابية إلى المقترحين، ولفت إلى أن «اللجنة وعدت خيراً بالنسبة لموضوع السلاح»، مجدداً التأكيد أن «الأكثرية منفتحة على كل الاقتراحات».
واتهم جعجع «حزب الله بأنه يحاول السيطرة على السلطة في لبنان»، موضحاً «أن الأكثرية تقاتل في الدوحة من أجل المقاعد النيابية لمنعه من القيام بذلك».
وأشار إلى أنه إذا غير الطاشناق تموضعه الاستراتيجي فسيكون لنا موقف آخر وقال: «الصراع الذي يدور حالياً هو في منطقة المدور ـــــ الباشورة ـــــ الصيفي، ونفضل أن تكون الدائرة ذات أغلبية سنية، لا شيعية». كما فضل «أخذ أصوات الأرمن إلى رأس بيروت بدل الباشورة».
وقال رئيس حزب الكتائب أمين الجميل في حديث إذاعي: «وصلنا إلى الساعات الأخيرة، والأمور حساسة»، مشيراً إلى «أن هناك صراعاً سياسياً للوصول إلى الحل»، معتبراً «أن قانون الانتخاب يجب أن يكون على صورة الشعب والواقع الديموغرافي والسياسي». ورأى أن اكتفاء اللجنة الوزارية العربية بإعلان مبادئ عامة في ضوء تعثر الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين في الدوحة هو «أمر خطير يعني فشل المؤتمر».
من ناحيته، أكد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أن فريقه «لا يضع شروطاً مستحيلة»، وشدد على ضرورة «أن تتم المشاركة من خلال ترجمة سياسية تحفظ التوازن بين جميع الأفرقاء».
وأشار إلى أن «موضوع السلاح لا يناقش إلا بالهدوء»، ورأى أن «ما حدث في لبنان هو رسالة إقليمية»، آملاً «ألا تستخدم بيروت كمسرح لهذه الرسائل وألا تتكرر الحوادث التي جرت في شوارعها».
وشدد على «حق المواطنين اللبنانيين بالتظاهر، ومنع المتحاورين في الدوحة من العودة إلى لبنان قبل الاتفاق على صيغة للحل».
في المقابل، أعرب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون عن اعتقاده بأنه سيعود إلى بيروت اليوم، باعتبار أن جواب الموالاة عن مجمل الاتفاق كان يجب أن يصدر مساء أمس.
ولفت إلى أن النائب جنبلاط «أكثر ليونة اليوم من باقي الأفرقاء». وأوضح أنه طالب «بتشكيل حكومة حيادية انتقالية تحضر للانتخابات النيابية»، معلناً أنه أفلس عن تقديم التنازلات، وقال: «نحن نسعى إلى تقديم الحد الأدنى من التمثيل الصحيح، أقله ضمن جو تنافسي»، مشيراً إلى أن الأكثرية تطرح صيغة تسيطر من خلالها على 14 مقعداً في بيروت مقابل 5 مقاعد للمسيحيين.
وأكد «أننا قدمنا أفضل ما يمكن على الطاولة، والكرة في ملعب الموالاة».

مآخذ الموالاة على الأرمنورأى عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا «أن الكلام على مصادرة المقاعد في بيروت غير صحيح، وقد زدنا مقعداً للأرمن في دائرة بيروت الأولى ـــ حيث الإخوان لديهم حضور ـــ ولو كانت القصة تتعلق بالأرمن تحديداً وليس بتحالف واضح للطاشناق مع «حزب الله»، لكنا نحن نطالب لهم بحقوقهم».
وقال: «الطاشناق التزم في معركة المتن الفرعية بكل بساطة ووقاحة بتحالفاته الانتخابية وأسقط مقعد الشهيد بيار الجميل بيد مرشح آخر بتحالفات سياسية معينة ودون أن يرف للحزب الأرمني جفن، ولا يؤاخذنا حزب الطاشناق ـــ في تحالفاته الراهنة ـــ إذا لم نراع لهم ظرفهم السياسي».
بدوره، سأل مستشار رئيس الحكومة رضوان السيد «كيف يريد الأرمني الذي لا يملك شيئاً في أرمينيا، الثلث في بيروت؟». ورأى «أن المطلوب من أجل إبقاء العماد عون على قيد الحياة سياسياً ألا ينتخب رئيس، ولو انتخب لكان سافر إلى مالطا أو إلى أي بلد آخر».
ورأى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ميشال فرعون أن «هناك محاولة من قبل المعارضة لزج الطائفة الأرمنية الكريمة في صلب الخلافات ومنعها من الوصول إلى كتلة أرمنية مستقلة في مجلس النواب، أو تحييدها من الصراع ومنعها أيضاً من التفاهم مع رئيس الجمهورية أو مع الأكثرية».

نقولا يذكّر «المستشار الكريم»

ورد المكتب الإعلامي لعضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب نبيل نقولا على السيد، مؤكداً «أن الطائفة الأرمنية جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني، ولهم جذورهم في لبنان الذي دفعوا الأثمان غالياً للدفاع عنه. وعلى رضوان السيد ألا يعبث بالكلام، وهو الذي نسمع صوته لأول مرة، وقد دأب أسياده على هذه النغمة المذهبية والطائفية وباتوا من أسياد الفتن ومن أصحاب المدارس التي لا تعمل إلا من أجل مصالحها ومكاسبها والتسويق لغايات رخيصة ومبيتة ومشبوهة».
وذكّر نقولا «المستشار الكريم بأن رئيس حكومته الذي يعيش على دماء أشلاء اللبنانيين الذين قضوا في الحوادث الأخيرة للبنان، ما هو إلا جزء من استهتار هذه الحكومة التي لا تتخذ قراراتها إلا عشوائياً». وتساءل «كيف لهذا الشخص أن يهاجم العماد عون وهو الذي يرى أن حكومة فؤاد السنيورة تنهار على وقع دماء الأبرياء من اللبنانيين؟ وكيف لا يرى رضوان السيد أن ما قاله بحق رئيس تكتل التغيير والإصلاح لا ينطبق إلا على رئيس حكومته الفاقدة للشرعية».
كما رد حزب «الطاشناق» على السيد، مشيراً إلى أن الأرمن لبنانيون وموجودون في لبنان قبل قيام الدولة. وسأل السيد «باسم أي حق يتأفف من دور سياسي للأرمن في بلدهم»، كما سأله «إذا ما كان يقبل أن تسحب الدول حقوق المواطنين من أصل لبناني؟».
من ناحيته، دعا المجلس الأعلى لطائفة الأرمن الأرثوذكس في لبنان، بعد عقده جمعية عمومية برئاسة المطران كيغام خاتشريان تدارس خلالها بحسب بيان وزعه، القادة إلى «بذل قصارى جهودهم للتوصل إلى الحلول المنشودة».
ولاحقاً، أدلى السيد بتصريح قال فيه إنه قصد بكلامه «أن أهالي بيروت يشعرون أن الكل يستهدفهم، وخاصة بعد الهجوم المسلح الذي تعرضت له العاصمة وسكانها، وأن الجميع يطالب بحقوقه، وسكان بيروت هم أسوة بغيرهم بالمطالبة بحقوقهم السياسية».
وأضاف: «لقد تعوّدنا في لبنان أن إخوتنا ومواطنينا الأرمن كانوا على الدوام يقفون موقفاً محايداً في النزاعات الداخلية السياسية والطائفية، وقد شعر الكثيرون منا أن البعض يحاول استغلالهم مؤخراً، ونحن نناشدهم البقاء على وعيهم الكبير بالتركيبة اللبنانية كما عوّدونا دائماً».
وتابعت الاوساط البيروتية مسألة تقسيم بيروت انتخابياً، وأعلن مجلس بيروت في المؤتمر الشعبي رفضه كل الصيغ المتداولة بهذا الصدد، ورأى أن «الحل المناسب يكون بالالتزام باتفاق الطائف لجهة اعتماد المحافظة دائرة انتخابية والنظام النسبي مع إعادة النظر في تركيبة هذه المحافظات».
وسط هذه الأجواء، تواصلت اللقاءات بين الفاعليات الدينية الإسلامية لتطويق ذيول الأحداث الأخيرة، وعقد في هذا الإطار لقاء بين رئيس «هيئة علماء جبل عامل» العلامة الشيخ عفيف النابلسي وإمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود وجرى خلاله الاتفاق على «بذل المساعي الجادة لتهدئة الأجواء السياسية، وكذلك الطلب من كل القيادات ورجال الدين عدم تحويل الخلافات السياسية إلى خلافات مذهبية».
وزار الشيخ حمود المرجع السيد محمد حسين فضل الله.
من جهة أخرى، رأى داعي الإسلام الشهال أن ما يجري في لبنان هو صراع على السلطة وسعي للإمساك بها، وأن المحور السوري ـــــ الإيراني يريد عودة النظام السابق باسم الشراكة، مشيراً وقال: «دعوتنا للنفير العام ليست تطرفاً منا، بل هي دفاع مشروع عن النفس ضد الاجتياح لمناطقنا».
وفي المواقف العربية والدولية من الأزمة اللبنانية، أعرب الاتحاد البرلماني العربي، في بيان، عن «قلقه الشديد من تطور الأوضاع في لبنان والأزمة التي شهدها مؤخراً»، وعبّر عن «ارتياحه لانحسار الأزمة»، معرباً عن دعمه «للجهود الطيبة» التي تبذلها اللجنة الوزارية العربية، شاجباً «جميع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبنان».
وأعرب وزير خارجية بريطانيا دافيد ميليباند عن قلق حكومته البالغ من تطورات الوضع في لبنان وقال: «إننا نتابع الوضع في لبنان باهتمام بالغ. هناك قرارات عديدة متعاقبة لمجلس الأمن الدولي تطالب بحل الميليشيات وبنزع سلاحها. إن لقاء الجامعة العربية في الدوحة مهم للغاية. ومن الحكمة أن أنتظر خاتمة الاجتماع».
بدوره، كرر المندوب الأميركي في مجلس الأمن زلماي خليل زاد اتهاماته لحزب الله في ما جرى، وقال إن وجود السلاح في يد الحزب «يشرعن وجود السلاح في أيدي ميليشيات أخرى».