هيثم خزعلالطفلة الخجولة لا تعرف طائفتها، لكنّها متأكدة من «أنّ الله يحبنا ونحن نصلي له». مايا لا تعلم كيف تصلي وهي تكره الطقوس الدينية، لكنها طلبت من الله قبل أيام أن تنال علامة جيدة في مسابقة العلوم «يعني هيك أنا صليت».
بعد وفاة والدها كانت أمها تصلي فحاولت الطفلة مجاراتها، فمدت منشفتها على الأرض وقلّدت حركات والدتها، لكنها كانت تردد النشيد الوطني اللبناني.
«التلميذة الشطورة»، كما يقول أساتذتها صدمت معلمتها في حصة الرسم حين رسمت غيوماً لها ملامح وجه إنسان، وعندما سألتها المعلمة عن معنى الرسمة أجابتها أنها صورة الله وهو يراقب البشر.
تعتقد مايا أنّ عاشوراء هي عيد كالفطر والأضحى، «ليه ما بيكون فيه مسيو أضحى، متل ما في بابا نويل؟»، لكنّ عيدها المفضل هو رأس السنة. الطفلة البعيدة عن متاهات الأديان والمذاهب لا تعلم لماذا يرتدي بعض رفاقها صليباً، لكنها لا تحب أن تقلّدهم بل تفضل وضع حرف «M» في قلادتها.
قال العم رياض سائق الباص لمايا إنّها شيعية، لكنها لم تفهم معنى الكلمة «ندى شيعية مثلي، بس علي يمكن يكون مسيحي، ما بعرف ليه سيرين ما عزمت علي على عيد ميلادها مع إنها صديقتو الـintime».
تلوم مايا رفاقها حين يتحدثون عن الدين «لأنو نحنا بالمدرسة». تخاف الوالدة أن تثير الأسئلة عن الله والطائفة حشرية مايا، وهي مربكة وتتحين الفرصة المناسبة كي تفهم ابنتها حقيقة الأمور، فأخوا مايا محمد ومجد تلقّنا مفاهيم خاطئة عن الأديان والطوائف من التلفاز والجيران.
لمايا مفهومها الخاص عن الحياة والموت، فهي تسأل عما إذا كانت حياة البشر حقيقة أم حلماً، وترى في أحلامها أشخاصاً «يمكن تكون حياتنا حلم لحدا تاني». تطلب مايا من والدتها أن تأخذ معها هاتفاً حين تموت، فهي تفتقد والدها الذي توفي قبل عام و نصف ولا تستطيع الكلام معه.
أدمت أظافر السياسة أرض الوطن، بما فيها ومن عليها، خدشتها حتى العمق، أضحى السياسيون أبطالاً تسلّلوا إلى قلوب الأطفال، إلى أحلامهم، إلى ألعابهم. أنتجت أبواق إعلامهم أطفالاً طائفيين رغماً عنهم، أجيالاً من المقاتلين، وساحة المعركة دائماً أرض لبنان. براءة الأطفال لم تقوَ على لجم خبث السياسة التي لدغت طفولتهم وأعادت رسمها كما تشاء. لكن في عتمة زمن الحرب، ظلت مايا وردة بيضاء طاهرة لم تدنسها السياسة ولا الحرب، وانهزم الشر أمام براءتها المطلقة، فهي لا تزال عضواً في نادي الطفولة رغم أنف الرصاص.