وادي الحجير ـ داني الأمينتغيرت معالم القرى الحدودية بعد التحرير بسبب العمران الهائل الذي عمّها. في بنت جبيل يقول الدكتور موسى عجمي إن «الأهالي يبحثون اليوم عن الأراضي الجديدة، لشرائها وبناء المنازل فيها، بعد أن ضاقت بهم عقارات المدينة، وتوسعوا إلى القرى والبلدات المجاورة، في عيناتا وعين إبل والطيري وغيرها، وساهمت زيادة الطلب على الأراضي في تلك المنطقة في ارتفاع سعر دونم الأرض من 20 ألف دولار قبل الحرب إلى ما يقارب الـ40 ألفاً ويزيد». مختار بلدة عديسة خليل رمال أكد أن «عشرات المنازل الجديدة (نحو 100 منزل) بُنيت قبالة مستوطنة كفرجلعاد، وازدادت حركة شراء الأراضي كثيراً بعد التحرير واستمرت بعد حرب تموز 2006».
مشهد «بوابة فاطمة» اليوم مختلف عمّا كان عليه بعد التحرير، فلم يعد باستطاعة أحد التوقف قربها، لأن الجيش اللبناني لا يسمح للعابرين بالاقتراب من الحدود لرشق الحجارة أو أخذ الصور أو لأي أمر آخر. في المقابل، اختفى الجنود الإسرائيليون واختفت جيبات «الهمر» المصفحة بعد حرب تموز.

مطاحن الحجير تحاول استعادة عافيتها

تهافت أبناء قرى بنت جبيل ومرجعيون وبلداتهما إلى الطبيعة الخضراء في وادي السلوقي ووادي الحجير، اللذين عادا ليصبحا متنزّهاً عاماً يقصده كل كبير وصغير، نظراً لجمال الطبيعة الخضراء هناك ولسهولة الانتقال إليهما، ناهيك عن جمال مياه نبع الحجير ومطاحنه الثماني القديمة المشيدة فوق مياه النبع. ورغم تدمير المطاحن والقضاء على أشجار الزيتون المعمّرة خلال حرب تموز، عاد الأهالي يقصدون الأماكن المحيطة بالمياه، فيستحمّ بعضهم في مياه نبع الحجير، ويتوزع البعض الآخر تحت الأشجار وداخل البساتين المحيطة بالمطاحن القديمة. ويحاول أصحاب المطاحن المتضررة من الحرب ترميمها، فيقصدونها يومياً ويمضون أوقات فراغهم بين الأشجار وداخل المطاحن، محاولين تأهيلها وإعادتها إلى سابق عهدها، كلّ حسب قدراته وإمكاناته. والطرق المؤدية إلى الوادي أصبحت كثيرة ومتشعبة ومعبّدة، وأصبح أهالي بلدات مجدل سلم وقبريخا وتولين والقنطرة والطيبة وغيرها يعبرون طريق الحجير قاصدين مدينة النبطية وصيدا وبيروت، يستمتعون بالمناظر الخضراء الخلاّبة، متوقفين في بعض الأمكنة داخل الوادي، لشرب المياه من العيون المرممة حديثاً من بعض البلديات، أو لالتقاط بعض الصور، خاصة أمام المطاحن. فمشهد «مطحنة الرمّانة» التي أصبحت ملكاً لموسى علي حجازي من بلدة قبريخا، جميل ولافت، بعد أن رمّمها صاحبها بعد التحرير عام 2000، وأفرد لها عاملاً يحافظ عليها ويهتم بالأشجار المحيطة بها، ويستقبل الزائرين الذين يأتون من أماكن بعيدة لالتقاط الصور والتجول داخل المطحنة، شارحاً تاريخ المطحنة وكيفية عملها».
مطاحن السمحاتية وأبو شامي والشقيف وقرين والعين والجديدة والسلمانية تضررت أيضاً، ويعمل أصحابها على ترميمها. ويقول حسن مؤذن، أحد أصحاب مطحنة العين، إن «المطحنة معطلة، وقد ظلّت تطحن القمح حتى عام 1985، عندما وضع الإسرائيليون الشريط الحدودي، فأصبح وادي الحجير عرضة لنيرانهم. ويمكن إعادة تشغيلها إذا استُبدلت القوابي القديمة بآلات حديثة، لأنم لم يعد هناك من يستطيع صنع العمود الأساسي للمطحنة والمعدات الأخرى القديمة التي تعمل على ضغط المياه». ويشير مؤذن بيده إلى المكان الذي عقد فيه مؤتمر وادي الحجير، فيقول «هناك عقد مؤتمر الحجير، بحضور المرجع السيد عبد الحسين شرف الدين وزعماء المقاومة وعدد من كبار وجهاء جبل عامل، وأعلنت الثورة ضد الفرنسيين. وهناك جلس صادق حمزة أمام العلماء والقرآن بين أيديهم، فأخذوا عليه وعلى رجاله الأيمان المغلظة أن لا يتعرض لأحد من المواطنين من أبناء جبل عامل، مسلمين كانوا أم مسيحيين. فأقسم بذلك واستثنى من كان مؤلباً للفرنسيين على الوطن واستقلاله، مجاهراً بذلك للغاصبين المحتلين مسلماً كان أو مسيحياً أو من أي مذهب كان، لأن جهادنا سياسي لا ديني».