إصلاحات لإدارة العمليّة الانتخابيّة أقرب إلى النظريّة منها إلى الواقعثائر غندور

لا يختلف عاقلان على أن القانون الانتخابي الذي أسفر عنه حوار الدوحة، سيؤدي إلى الكثير من العوارض الجانبيّة السلبيّة. فقد أثمرت هذه التسوية تجاوزاً للبيان الوزاري لحكومة الرئيس السنيورة، الذي جاء فيه أن الحكومة ستقوم «بعد نيلها الثقة بتأليف هيئة وطنية خاصة لوضع قانون الانتخاب الذي يؤمّن، ضمن الأسس والمعايير التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني، التمثيل الصحيح للشعب اللبناني في الإطار الديموقراطي البرلماني»، متعهّدةً «إحالة المشروع المناسب خلال شهر واحد بعد ذلك على مجلس النواب ليأخذ مجراه القانوني عبر لجانه ولدى الهيئة العامة».
أنهت اللجنة إعداد مشروعها الذي سُمي «مشروع بطرس»، نسبة لرئيسها وزير الخارجية الأسبق، وقدّمته إلى الحكومة في نهاية أيار 2006. لكنّ الأطراف المجتمعين في الدوحة، وجميعهم وافقوا على البيان الوزاري باستثناء كتلة الإصلاح والتغيير التي يترأسها النائب ميشال عون، قرّروا تقسيم الدوائر تبعاً لغرضهم الانتخابي.
اليوم، تمّ تجاوز أفضل ما جاء في مشروع بطرس لجهة اعتماد النظام المركّب، الذي يعني إدخال النسبيّة إلى القوانين الانتخابيّة اللبنانيّة لأوّل مرّة لأنه «يوفر صحة أكبر في التمثيل ولأنه يسمح بتمثيل صادق لاتجاهات الرأي العام بمختلف تياراته ومصالحه الاجتماعية، ويساهم في تحديث الحياة السياسية وعقلنتها، إذ يحدّ من شخصنة الخيارات السياسيّة وينمّي الحياة الحزبيّة ويقود إلى رفع نسبة المشاركة في الحياة العامّة ويشجع على إنشاء الجبهات والتكتلات القائمة على أساس البرامج السياسية، كما تبرّر اللجنة أسباب اعتمادها النسبيّة.
لكن المجتمعين في قطر قرّروا الاستعانة بما بقي من قانون بطرس بعد دراسته في مجلس النوّاب، أي الجزء المتعلّق بإصلاح إدارة العمليّة الانتخابيّة.
ويقترح مشروع بطرس إنشاء «الهيئة الوطنية المستقلّة للانتخابات»، ويوليها صلاحيّات غير محدودة، من العمل على تطوير الثقافة الديموقراطيّة وتعزيز الوعي الانتخابي والإشراف على إعداد لوائح الشطب وتنقيحها وإلى تعيين لجان القيد والإشراف على عملها وتحديد مواقع أقلام الاقتراع وتعيين المسؤولين عنها وبت طلبات الترشيح ومراقبة الإنفاق الانتخابي وتقيّد المرشحين ووسائل الإعلام بالقوانين التي ترعى الدعاية الانتخابيّة والفصل في الشكاوى، والإشراف على عمليّة فرز الأصوات واحتسابه وإعلان النتائج.
يضع أحد المختصين في القوانين الانتخابيّة وتنظيم عمليّتها ملاحظاته على هذا المشروع، فيشير إلى أن تفويض الهيئة، وهي مؤلّفة من عشرة أشخاص غير متفرّغين (باستثناء الرئيس الذي هو قاضٍ يترأس غرفة التمييز) بكلّ هذه الصلاحيّات، يُعطي الانطباع بأن المشروع نظري، أكاديمي، لا علاقة له بواقع العمليّة الانتخابيّة. ويرى أن إغراق الهيئة في صلاحيّات موسّعة ذات طابع إداري وقضائي ولوجستي وأمني وإعلامي سوف يُحتّم عليها إنشاء إدارة جديدة أو اللجوء إلى الإدارة القائمة. لكنّ مشروع بطرس ينصّ في المادّة 21 على وضع جميع الأجهزة الإداريّة والقوى الأمنيّة في تصرّف الهيئة خلال الفترة الانتخابيّة، من دون أن يشرح كيف يُمكن أن يتم ذلك.
كما ينصّ المشروع على إجراء الانتخابات في ظلّ حكومة يكون رئيسها وجميع أعضائها من غير المرشحين. فإذا كان مشروع الهيئة يتبنّى تشكيل «هيئة مستقلّة للانتخابات» فما الحاجة لتعديل الدستور في سبيل إجراء الانتخابات في ظلّ حكومة من غير المرشّحين؟
وينطلق المشروع من وجوب تكريس حق المواطن في الدستور بأن يكون ناخباً ومرشّحاً، أي يرتقي بهذا الحق إلى مصاف الحقوق الدستوريّة، إلّا أن المشروع لا يلبث، في المادة 4 منه، أن يخرق هذه القاعدة بحرمان العسكريين حق الاقتراع، وكلّ من هم في حكمهم على اختلاف الرتب.
كذلك يكرّس المشروع حق اللبناني، غير المقيم على الأراضي اللبنانيّة، بأن يُشارك في عمليّة الاقتراع، دون أن يشرح كيفيّة حصول ذلك في الانتخابات النيابيّة، مع وجود مئات الأقلام الانتخابيّة.
وأقرّ المشروع حق كل ناخب بأن يطلب من لجنة القيد المختصّة تدوين نقل مكان اقتراعه من مكان قيده إلى مكان سكنه، على أن يثبت هذا السكن بإفادة من مختار المحلة.
ويقترح مشروع بطرس تنظيم الإنفاق الانتخابي عبر إدخال ضوابط جديدة على الإنفاق الانتخابي تأميناً «للمنافسة الشريفة بين المرشحين وللمساواة في ما بينهم، وذلك عن طريق الحدّ من تأثير عنصر المال وما يؤدي إليه من تشويه لمعنى الاقتراع». لذلك أوجب المشروع على المرشح أن يفتح حساباً خاصاً يدعى «حساب الحملة الانتخابية»، على أن تُسلم جميع المساهمات وتدفع جميع النفقات عن طريق هذا الحساب حصراً، ويكون غير خاضع للسريّة المصرفيّة.
كذلك ينصّ المشروع على تنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيَّين في الإعلام الخاص المرئي والمسموع، مستثنياً المكتوب، بحيث يُضمن احترام حرية التعبير لمختلف تيارات الفكر والرأي في برامج وسائل الإعلام وتناط بالهيئة المستقلة سلطة إصدار التوجيهات والتعليمات الملزمة.
ويحوّل المشروع فرز الأصوات من الطريقة اليدويّة إلى المكننة بواسطة آلة عدّ (Scaning machine) تربط بحاسوب مبرمج وشاشة كبيرة لعرض النتائج، بالاضافة إلى أية تجهيزات أخرى تؤمّن مكننة العملية الانتخابية في شكل سليم. ويجري الفرز الأولي للأصوات أمام لجنة القيد المختصّة التي تتلقى جميع صناديق الأقلام الداخلة ضمن نطاقها ومحاضرها، لا في أقلام الاقتراع كما كان يجري.
ويُقدّم المشروع تسهيلات خاصّة للمعوّقين لممارسة حقهم بالاقتراع دون عقبات، ويقترح أن تجرى الانتخابات إلزامياً في يوم واحد لكل الدوائر الانتخابية.



الكوتا النسائية

خصّص مشروع اللجنة كوتا للنساء على مستوى الترشيح اعتبرها تمييزاً إيجابياً (بمعنى Discrimination positive) يهدف إلى تصحيح الخلل وإعادة التوازن المفقود في المجتمع.
فقد قررت الهيئة اعتماد هذا النظام بصورة مرحلية لثلاث دورات انتخابية متتالية، بنسبة 30% على مستوى الترشيح في اللوائح الانتخابية (أي تلك القائمة على النسبيّة) كون ذلك يراعي حرية الناخب أكثر من الكوتا على مستوى المقاعد، وعلّلت الأمر بأنه رغم مرور أكثر من نصف قرن على منح المرأة حق التصويت والترشيح، فهي لم تأخذ بعد فرصتها الحقيقية في المشاركة السياسية.
ويبقى هذا الموضوع أيضاً برسم إرادة نوّاب الأمة، إذا كانوا سيحافظون عليه أم لا.




خفض سن الاقتراع إلى 18

يُعطي مشروع بطرس الشباب مطلبهم القديم بخفض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة، سن الرشد القانونية في لبنان، وقالت اللجنة إن هذا الأمر يحتاج إلى تعديل دستوري. لكن النائب بهيج طبّارة كان قد كتب في عام 1970 في جريدة «لوريان ـــــ لوجور» مقالاً أشار فيه إلى أن مسألة خفض سن الاقتراع ذات طابع سياسي لا دستوري، معلّلاً وجهة نظره بأن نص المادة 21 (لكل مواطن بلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً سنة كاملة حقٌ أن يكون ناخباً، على أن تتوافر فيه الشروط المطلوبة بمقتضى القانون) «ترمي إلى إنشاء ضمان لمواجهة أية محاولة من المشترع العادي للتعرّض لهذا الحق الأساسي بحيث يؤخّر سن الأهليّة للانتخاب إلى ما بعد الـ21 سنة».