أنطوان سعدأما وقد تم التوصل في الدوحة إلى اتفاق بين القيادات اللبنانية، قبل أن تُطوى نهائياً صفحة حوادث بيروت الأخيرة، ترى شخصية لبنانية دبلوماسية مخضرمة أنه آن أوان لتكشف ما لديها من معطيات مثيرة تتعلق بهذه الأحداث. وفي اعتقاد هذه الشخصية، أنه لم يكن مفيداً لمصلحة كل الأطراف في البلاد أن يُتداول في هذه المعلومات الآتية من العاصمة الأميركية قبل هدوء العاصفة، لأنه كان من شأنها أن تزيد الأزمة تعقيداً والغرائز حساسية.
وبحسب المعطيات، تتداول الدوائر الأميركية «بالحسابات الخاطئة جداً لحلفائنا في بيروت في تعاطيهم مع حزب الله»، وتجد صعوبة في فهم كيف أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي عادة ما تميز بالحذر، أقدم على «مواجهة الميليشيا الشيعية القوية». وتنقل عن مصدر مسؤول تساؤله: «بعد أخذ الحكومة اللبنانية نحو 4800 قرار مع مراعاة التوافق، قررت الوزارة فجأة تحدي حزب الله. بصراحة أعتقد أن الحزب لم يكن لديه خيار إلا المواجهة». وفي ضوء هذه المعلومات، يمكن فهم الموقف الأميركي خلال أحداث بيروت وبعدها، الذي لم يتعدّ إطار تكرار دعم الحكومة اللبنانية من غير اتخاذ أي تدابير إضافية. كما فهم رد الرئيس السنيورة على مواقف الرئيس الأميركي جورج بوش والإدارة الأميركية على وجه عام، حين قال لدى وصوله إلى الدوحة للمشاركة في المؤتمر الوطني: «من يرد دعم لبنان والحكومة اللبنانية فالطريق إليهما معروف، وهو عبر إنهاء احتلال إسرائيل وتقبّل ما ارتضاه اللبنانيون في النقاط السبع، أي إنهاء الاحتلال لمزارع شبعا».
في أية حال، ما يعكسه تصريح رئيس الحكومة ليس فقط انزعاجاً من تصرف الإدارة الأميركية معه خلال الأزمة الحالية، بل أيضاً وجود تباين حقيقي في وجهات النظر إلى قضايا الشرق الأوسط عموماً ولبنان خصوصاً، عبّر عنه أيضاً موقف الرئيس السنيورة إثر الإعلان الأميركي عن توجه المدمرة كول إلى قبالة السواحل اللبنانية. وقد أكدت المعلومات من واشنطن وجود تمييز واضح لدى الإدارة هناك بين التأييد المطلق لحكومة السنيورة باعتبارها تحظى بتأييد الأكثرية النيابية التي يرأسها رئيس كتلة نواب المستقبل النائب سعد الدين الحريري، وبين شخص الرئيس السنيورة الذي يراه بعض الدوائر الأميركية «معادياً نوعاً ما» لبعض نواحي سياسة الولايات المتحدة.
وتكشف المعلومات الآتية من العاصمة الأميركية أن قراري الحكومة اللبنانية المتعلقين بشبكة الاتصال التابعة لحزب الله وإعادة العميد وفيق شقير إلى ملاك الجيش، أتيا في سياق بروز توجّه لدى الأكثرية لحسم الوضع الذي كان قائماً قبل أحداث بيروت سياسياً. وقد قوبل هذا التوجّه بتأييد كامل وتشجيع من إدارة الرئيس بوش التي رأت أن الوقت مناسب لهذا الأمر، إثر مؤتمر القمة العربية في دمشق التي وضعت المسألة اللبنانية في صلب اهتمام الدول العربية. فمنذ عودة النائب الحريري إلى بيروت في نهاية نيسان الماضي، والإدارة الأميركية في جو «إصراره» على بت الموضوع. ولعل هذا ما ظهر في الموقف الذي أدلى به في ختام زيارة سريعة إلى الكويت استمرت يوماً واحداً، عندما لفت إلى أن الوضع في لبنان «غير طبيعي»، وأمل انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة المحددة في الثالث عشر من أيار الجاري، وقال «هذا ما سيحصل بإذن الله».
في تلك الفترة، طلب النائب الحريري، على عادته، زيادة الدعم الدولي للحكومة اللبنانية، لكن ما طالب به هذه المرة هو نوعان من الدعم العسكري: الأول ممارسة ضغط على دمشق من خلال حشد قوات أميركية على الحدود السورية ـــ العراقية، والثاني، تزويد الجيش اللبناني بأسلحة، وبالتحديد طوافات هجومية من طراز كوبرا AH-1. كان رد الإدارة الأميركية بإعلانها أنها تدرس إيجابياً موضوع تزويد الجيش بالطوافات المطلوبة، ولكنها لم تسر أبداً للطرف اللبناني بأنها على استعداد لمواجهة عسكرية مع سوريا. وتكشف المصادر الأميركية المطلعة عن خلفيات هذا الموقف بالقول: «لقد أوضحنا بما لا يقبل الشك أننا إذا كنا غير مستعدين لضرب دمشق لأن السوريين يساعدون ويسهّلون قتل جنودنا في العراق، فإننا لسنا بوارد القيام بذلك من أجل دعم الحكومة اللبنانية».
مهما يكن من أمر المتغيرات الناتجة من الأحداث الأخيرة في بيروت، وعلى رغم أنها عكست تقدماً واقعياً للمعارضة الذي تراه الإدارة الأميركية تقدماً لحلفائها في سوريا وإيران، فإن الثمن الذي دفعه حزب الله وحده كان باهظاً بحسب واشنطن. فهذه العاصمة ترى أن حلفاء الحزب المسيحيين سوف يزدادون إحراجاً «لأن الدولة ضمن الدولة أصبحت دولة فوق الدولة، وأن العالم السنّي الذي شاهد الميليشيا الشيعية تجتاح بيروت الغربية والمؤسسات السنية لن ينسى ما جرى بسهولة».