فداء عيتانيمر ربع قرن وتجمّع العلماء المسلمين لا يزال ينتهز مناسبة ذكرى 17 أيار كي يقدم مراجعة للماضي وتحذيرات من تكراره، ورغم اختفاء الأصوات التي كانت تنبّه إلى اقتراب بعض الأطراف اللبنانيين من اتفاق 17 أيار جديد، حيث انشغل الجميع في متابعة أول يوم من المفاوضات بين أفرقاء الدوحة، لم ينس تجمع العلماء، وهو الهيئة المختلطة الوحيدة عملياً، ذكرى تحمل في طياتها تاريخ التأسيس الفعلي للتجمع.
في مركز التجمع بحارة حريك، يستذكر رئيس الهيئة الإدارية للتجمع، الشيخ حسان عبد الله، ما كان من أمر الشبان المتحمسين في يوم توقيع اتفاق 17 أيار بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، بعد مفاوضات طويلة أعقبت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ويتذكر خاصة كلمات الشيخ عبد الناصر جبري يومها عندما قال: «أمام المهانة فإن باطن الأرض خير لنا من ظاهرها»، قبل أن يقرر الجمعُ في مسجد صغير في مسجد الإمام الرضا في بئر العبد الانطلاق في تظاهرة لم تسر أكثر من بضع خطوات.
الشاب الذي كانه حسان عبد الله، والآخر الجبري، الذي أصبح اليوم نائب رئيس جبهة العمل الإسلامي، لم يطمحا في خضم الخطوات الأولى للتجمع أن يصلا إلى ما وصلا إليه، من توسّع وفعالية وتأثير في الوسط السياسي، ناهيك بشبكة العلاقات بين علماء الدين سنّة وشيعة، ودورهما ودور التجمع في تخفيف حدة الاحتقان المذهبي، وإن كان البعض يضع التجمع ككل في خانة المعارضة والتبعية لإيران، إلا أن أعضاء التجمع، إضافة إلى أصدقائه المتعددين، يعتمدون خطاباً متوازناً في المساجد وبين الناس.
ويضم التجمّع فضلاً عن الشبان المتحمسين، والثوريين على طريقتهم، أحمد الزين، الذي على هدوئه وانتقاده «للعنف الذي تحمله بعض المقالات» في «الأخبار»، لا يحيد عن توجهاته السياسية وخياراته الدينية الوحدوية، رغم ما قدم له من مغريات وما لُوّح له به من وعيد.
إلا أن يوم 17 أيار من عام 1983 مختلف إلى حدّ بعيد عنه بعد ربع قرن، حين وصل العلماء إلى المسجد بسهولة نسبية رغم إغلاق الجيش حينها مداخل الأحياء ومخارجها منعاً لسير التظاهرة التي كانت يتيمة في التنديد بالاتفاق مع العدو، بينما وصل بعض الشبان، وبينهم عبد الله، عبر مسالك متعرجة في أزقّة البرج دون المرور على نقاط الجيش، وحين تحدث الشيخ جبري وبعض العلماء الآخرين، استقر الرأي على الانطلاق بالتظاهرة، التي ما إن تحرّكت حتى طلب الجيش وقفها، ولما لم ينصع المتجمعون، أطلقت عليهم النار، وسقط قتيل وبعض الجرحى من المتظاهرين.
الأيام التاليات حملت أكثر من عملية اعتقال، إذ دهمت استخبارات الجيش منازل شبان بينهم نائب الأمين العام لحزب الله (حاليا) الشيخ نعيم قاسم، والشاب (حينها) حسان عبد الله، الذي ما إن قرع باب منزله فجر ذلك اليوم حتى ألقى برزمة من المنشورات المنددة بالاتفاق مع العدو، دون أن يعلم أنه يلقيها على رأس جندي ممن يطوّقون المنزل، وأنه سلّم دليل الإدانة إلى الداهمين، وتعرّض للضرب وحاول المحقق مساومته، ثم أطلق بعد تهديدات وبعض العمليات التي تشير إلى جدية التهديدات.