نقولا ناصيفحتى الساعات الأولى من فجر الأربعاء (21 أيار) لم يكن نجاح مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة خبراً يقيناً. الرئيس نبيه برّي قال في ما بعد إن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أخذ عليه وعلى المعارضة عرقلتها جهود الاتفاق، وعاتبه شخصياً. قال رئيس المجلس أيضاً إنه قدّم وحده 12 صيغة حل للتسوية الشاملة رفضتها الموالاة كلها، من غير أن تعلن موقفها هذا صراحة. قال أيضاً وأيضاً إنه استعان الثلاثاء برئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، المعتصم بالصمت، طالباً منه في مكالمة هاتفية الانضمام إلى مساعيه للاتفاق على حلّ لقانون الانتخاب. كل ما تتقدّم به الموالاة كانت ترفضه المعارضة، والعكس صحيح. وخلافاً للنائب ميشال المرّ الذي تفرّد بتفاؤله، لم يكظم الرئيس ميشال عون غضبه وكاد يغادر الدوحة. بل بدا الخلاف والانقسام بين الطرفين مفتعلاً إلى حدّ لا يطاق. تجاهلا سلاح حزب الله، واتفقا على حكومة وحدة وطنية بثلث معطل للمعارضة، وإذا بهما يتوقفان عند الدائرتين الأولى والثانية لبيروت، على أن الاتفاق حلّ في الساعات القليلة التي غاب فيها المسؤولون القطريون عن الدوحة، إبان مشاركتهم في اجتماع مجلس التعاون الخليجي في الدمام. حتى ذلك الوقت كانت قد اتضحت مظاهر الاشتباك السياسي بين الموالاة والمعارضة التي أفضت فجأة إلى اتفاق عام تبعاً لمعطيات منها:
1 ــــ لم يطرح سلاح حزب الله رسمياً وجدياً إلا مرة واحدة في الجلسة العامة الأولى والوحيدة للمتحاورين اللبنانيين صباح السبت. بعد ذاك لم يعودوا إلى الاجتماع، ولم يُثر الموضوع إلا في وسائل الإعلام عبر الحملات المتبادلة بين الطرفين. بات التفاوض يقتصر على بندي حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب اللذين أصبحا المكان الوحيد للحصول على مكاسب سياسية أو التخلي عنها. تبنّى اتفاق الدوحة في موضوع سلاح الحزب الفقرة نفسها التي نصّ عليها «إعلان فينيسيا» الخميس الفائت (15 أيار). كانت وجهة النظر القطرية مطابقة إلى حدّ بعيد لوجهة نظر المعارضة، وهي أن إطلاق الحوار حول سلاح حزب الله لا يقرنه بأي نتيجة فورية لكون الرئيس الجديد سيستكمله لاحقاً. بذلك عُدّت مداخلات الجلسة الأولى والوحيدة كافية لاعتبار هذا البند في «إعلان فينيسيا» استوفى المقصود به وهو إطلاقه في مرحلة أولى. لم يُسمّ حزب الله ولا سلاحه، وأدرجه في سياق التنظيمات على الأرض اللبنانية. كان الأركان الرئيسيون في الموالاة على بينّة من الحدود المتاحة لملامسة هذا البند. تجنّب جنبلاط التطرّق إليه، متحدثاً باستمرار عن ضرورة حصول تسوية، وأثار رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع من حوله الغبار دونما جدوى.
مع ذلك لم يُتح لمسؤولين وأقطاب في الموالاة الحصول على أجوبة شافية عن سؤالين ظلّت الإجابة عنهما غامضة: أولهما أن لجوء حزب الله إلى السلاح في بيروت أحاله استخداماً سياسياً لمجرد أنه قَلَبَ التوازن الداخلي، وثانيهما دوره في المرحلة المقبلة وقد استنفده حتى الآن في هدفين هما: حرب تموز 2006 والأحداث الأخيرة لبيروت. تالياً بعد التزام حزب الله القرار 1701 وانقلاب التوازنات الداخلية رأساً على عقب، سألت الموالاة في الدوحة عن الوظيفة الجديدة لسلاح حزب الله، وقالت إنه لم يستخدم في بيروت كما استخدم في تموز 2006 لحماية قادته.
2 ــــــ استناداً إلى مطّلعين عن قرب على الوساطة القطرية، نجحت هذه في إمرار اتفاق الدوحة تحت سقفين لم يكن في وسع أي حلّ أن يتجاوز أحدهما أو الاثنين معاً: سقف سعودي طلب حلاً يتمسّك باتفاق الطائف ويحافظ على الصلاحيات الدستورية المنصوص عليها فيه، في إشارة صريحة إلى رفض الاعتراف بأي نتائج سياسية مباشرة لما نشأ عن أحداث بيروت تطاول الدستور واتفاق الطائف أو تفتح باب سجال في المثالثة. وسقف سوري أصرّ على عدم التعرّض لسلاح حزب الله. وهو ما انتهى إليه اتفاق الدوحة بالتزامه المطلبين معاً. كانت وساطة قطر بديلاً من حوار سعودي ــــ سوري، وأميركي ــــ سوري لم يحن أوانه بعد، وفي الوقت نفسه أرست توازن الحدّ الأدنى بين نفوذي الرياض ودمشق في لبنان بعدما أضحتا طرفين منحازين في النزاع الداخلي. وباتت الدوحة حيالهما مرجعية نزيهة لإدارة حوار الأفرقاء اللبنانيين وحملهم على التوصّل إلى الاتفاق. على نحو كهذا، برّرت دمشق والرياض ترحيبهما الحار باتفاق هو الأول عن لبنان لم يشتركا فيه مباشرة، خلافاً لدوريهما المتلازم في حواري جنيف ولوزان عامي 1983 و1984 وفي تسوية الطائف عام 1989. وما لم تشهده مدينة الطائف عندما لم تقترن الضمانات العربية التي قدمتها للبنانيين لتنفيذ اتفاقهم بتوقيع راعيته اللجنة الثلاثية العربية العليا، فإن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني مهر بتوقيعه اتفاق الدوحة ضامناً.
3 ـــــ رغم الدعوة الفورية إلى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لم يتصدّر هذا المطلب اهتمام المشاورات الجانبية التي بدت أكثر اهتماماً بتركيز السلطة على حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، الأمر الذي أنبأ بمغزى المواجهة الحادة بين الموالاة والمعارضة على هذين البندين اللذين شكلا الضامنين الفعليين لمعادلة الحكم في المرحلة الفاصلة عن انتخابات 2009، وإن تحت رعاية الرئيس.
في واقع الأمر لم يعدُ تقليص حصة سليمان في وزرائه إلا تأكيداً على أن كلاً من الطرفين يريد النصاب بين يديه. حصلت المعارضة على الثلث المعطل، والغالبية على الأكثرية المطلقة القليلة الفاعلية في جلسات مجلس الوزراء. ومن غير أن يكون وزراء الرئيس صمام أمان لمنع تعطيل السلطة الإجرائية، أراد كل منهما الحصول على الضمان الذي يمكّنه من امتلاك حق النقض في مجلس الوزراء. تبعاً لذلك أضحى وزراء رئيس الجمهورية فريقاً ثالثاً لا يعدّل في توازن قوى السلطة التنفيذية أو يرجّح فريقاً على آخر في انتظام اللعبة الديموقراطية. وخلافاً لجهود الجامعة العربية عندما عملت على تعزيز حصة رئيس الجمهورية في الحكومة وجعلتها 7 وزراء، قيّد اتفاق الدوحة فاعلية وزرائه الثلاثة: لا انضمامهم إلى الموالاة يكسبها غالبية الثلثين، ولا وقوفهم مع المعارضة يجديها بعدما حازت ثلثها المعطل.