غسان سعودلعل الفلسطينيين هم وحدهم الذين خرجوا منتصرين من معارك بيروت وعاليه الأخيرة، إذ قفزوا فوق حفرة استخدامهم في الصراع اللبناني ـــــ اللبناني وأثبتوا صحّة تعهداتهم التزام الحياد إذا تدهور الوضع اللبناني.
بلغ التنسيق بين حركة فتح وتيار المستقبل أوجه خلال الشهور الماضية، وشمل الأمور الإنسانيّة والاجتماعية، كما شمل النواحي الأمنيّة. وعقدت، بحسب مصادر فلسطينية، اجتماعات دوريّة بين أمنيي المستقبل ومسؤولين أمنيين بعضهم من حركة فتح وبعضهم من فصائل فلسطينيّة أخرى، واتسعت دائرة التنسيق من تلك الضيقة التي ترعاها النائبة بهية الحريري في صيدا إلى واحدة أوسع ركزت على مخيمات بيروت، إضافة إلى التحسّب من خرق ما في مخيم البداوي شمالاً حيث المسؤولون الفلسطينيون أقرب إلى المعارضة.
ومع اندلاع المواجهات، علم فوراً أن الأمر في مخيمات الجنوب ولا سيما عين الحلوة، هو لتنظيمات مريدة للمعارضة ولحزب الله، وأن من يدّعون التنسيق باسم الفلسطينيين هم مجرد أقنعة للمسؤولين الميدانيين الحقيقيين الذين ينسقون مع الحزب.
أما في بيروت، فقد حاول بعض المجموعات الفلسطينيّة، ولا سيما في مخيم شاتيلا، التحضير لأمر ما، لكن سرعان ما ضبطتها القوى الأمنيّة في المخيم ومنعتها من التحرك. وفي رأي البعض أن السقوط الأمني السريع لتيار المستقبل في بيروت وتبعثر قيادته منع الفلسطينيين -ــــ حلفاء النائب سعد الحريري -ــــ من نصرة «سجين قريطم».
وقد عقد اجتماع لبعض من كان يفترض فيهم التحرك عند حصول تطور ما بعد ساعات قليلة من خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ودار سجال عنيف بين الحاضرين الذين كانوا ينسقون مع مسؤولين في الحزب التقدمي، لكن الاجتماع انتهى عند عدم توافر الجواب على جدوى القتال إلى جانب فريق مهزوم.
ومع شعور المسؤولين الفلسطينيين في القوى الرئيسيّة بجديّة تحرك بعض الفصائل، هذا لنصرة 8 آذار (خصوصاً في الشوف والشمال)، وذاك لنصرة 14 آذار، عقد مسؤولو الفصائل الفلسطينية في مقر ممثلية منظمة التحرير في بيروت لقاءً اتخذ على إثره قرار تشكيل قيادة طوارئ فلسطينية موحدة من قادة الفصائل لمنظمة التحرير وقوى التحالف، وتولي مسؤولية التعامل اليومي مع التطورات.
وشملت مسؤوليتها جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان (مع التزام الفصائل لقرارات هذه القيادة في التعامل مع الأوضاع الطارئة في لبنان).
وأكد المجتمعون الوقوف على مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع الداخلي في لبنان، معتبرين أن أي خروج على هذا الموقف يشكل مسّاً بالمصالح الفلسطينية العليا. وتمنى الفلسطينيون على جميع الأطراف اللبنانيين عدم الزج سياسيّاً أو إعلاميّاً بالفلسطينيّين في الأحداث الجارية.
وبعد يوم واحد، عقد اجتماع لفصائل الثورة الفلسطينية في مكتب العلاقات الخارجية لمنظمة التحرير بمخيم برج البراجنة، وعيّن مسؤول العلاقات الخارجية للمنظمة في لبنان العميد خالد عارف رئيساً للجنة طوارئ بيروت، كما عيّنت لجان طوارئ فرعية للمخيمات والتجمعات الفلسطينيّة في بيروت.
وفي اجتماع آخر، شدد ممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في لبنان عباس زكي على جديّة الموقف الفلسطيني بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية.
وعلى هامش التطورات الأمنية، يقول أحد المتابعين الفلسطينيّين إن الجسم الفلسطيني لم يكن جاهزاً لنصرة حلفائه في الجهتين، فحركة فتح تعيش وضعاً عسكرياً جديداً عنوانه إبعاد الضباط المحسوبين على سلطان أبو العينين، وهي غير قادرة على حشد عدد مهم من المقاتلين في منطقة الشمال نتيجة شعور أهل مخيمي البارد والبداوي بتخليها عنهم. أما حركة حماس فلم تبنِ بعد تنظيماً عسكرياً، وهي تلتزم الحياد، وفي رأي مسؤوليها أن دخول الفلسطيني إلى جانب أي طرف لبناني سيضر به أكثر مما يفيد.
فيما تريثت الجبهة الشعبيّة ـــــ القيادة العامّة في القيام بأي تحرك يفسر استفزازاً يعطي المبرر للنائب وليد جنبلاط حتى يطالب الجيش بالتحرك ضد تحصينات الناعمة. مع العلم بأن الجيش استنفر على طول امتداد «ثكنة» الناعمة، وفرض ما يشبه الحصار المطبق.
وبحسب المتابع نفسه، فإن المسؤولين الفلسطينيين الذي يعرفون تنظيماتهم جيداً، على عكس مسؤولين لبنانيين في مدى معرفتهم بتنظيماتهم، كانوا متأكدين من أن في وجه كل مقاتل فلسطيني يؤيد المستقبل، مقاتلاً فلسطينياً يؤيد حزب الله، وأن أي تهور سيعني حرباً فلسطينيّة ـــــ فلسطينيّة داخل المخيمات قد تنتهي الاشتباكات خارجها ولا تنتهي هي.
ويقول أحد المسؤولين الفلسطينيين إن متابعة رد فعل حزب الله على تصرف فريق السلطة في أقل من عامين يظهر انتفاضة حركة حماس على السلطة الفلسطينية بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً على نشوئها أقرب إلى العقل.