وسط حصن من أنصار المستقبل في بلدة ببنين، يستقبل مفتي عكار أسامة الرفاعي وفود المتضامنين معه فيحاول تهدئة الأجواء ودعوة الناس إلى التعقّل فيما هو يمدّ اليد إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي لصياغة تسوية تحمي عكار من الفتنة
غسان سعود

■ لماذا انحزت إلى أحد طرفي الصراع في عكار، ولم تتعامل مع المشاكل الأخيرة كما فعل مفتي طرابلس مالك الشعّار، مثلاً؟

كمُفتي عكار، ألتزم واجباتي تجاه جميع أبناء الطائفة السنيّة على صعد الرعاية الاجتماعيّة والدينية ورعاية الحقوق. ولكن في القضايا السياسيّة مواقفي واضحة. لا أنحاز إلى طرف بل إلى مشروع الدولة، مثلي مثل كل أعضاء مجلس المفتين ومثل مفتي الجمهورية. ولكن طبعاً لكل إنسان طريقته في التعبير. وبالتأكيد لن أوفّر غطاءً لمن يريدون ضرب مشروع الدولة. فأنا حاسم في التصدّي لكل شذوذ يمسّ هذا المشروع، من سلاح حزب الله إلى التعطيل إلى غيرهما.

■ لكنك رفعت الصوت أكثر من غيرك، وذهبت بعيداً في استفزاز المشاعر المذهبيّة؟

لم أكن الوحيد الذي رفع الصوت. مفتي البقاع قال أكثر مما قلت بكثير، ومفتي جبل لبنان أيضاً، إضافةً إلى المفتي محمد رشيد قباني. من موقعي، أنا أعبِّر عن مجموعة من الناس. لا يمكن أن أقول غير ما يقولونه. وهؤلاء اليوم يمتلئون غضباً.
لا يجوز في أي حال تحميلي مسؤولية التوتر، فنحن كنا في موقع رد الفعل على أفعال الآخرين، على إذلالهم أهل السنّة، ولهجتهم الاستكباريّة والتخوينيّة، وتهديدهم بقطع اليد. وهي أمور لا يجوز استعمالها إلا مع أعداء الأمّة، ضد إسرائيل. حتى وإن لم يعترفوا، هناك اضطهاد لأهل السنّة ولن نتردّد في رفع الصوت لنقول إن هناك غليانًا سنيّاً وغضباً عارماً.

■ قيل أخيراً إن تيّار المستقبل فقد سيطرته عليك؟

لا يمكن قول هذا، لأن المستقبل لم يكن يسيطر عليَّ أصلاً. أنا أحلّل بنفسي وأستنتج وأتّخذ المواقف المناسبة. ومن الأمور التي تزيد احترامنا لتيار المستقبل، عدم سعي مسؤوليه ليكونوا أوصياء علينا، كما يحاول بعض الآخرين أن يفعلوا. علماً أن المرجع لمجلس المفتين هو رئيس الحكومة، وإنني كمفتي عكار مؤتمن على جميع أبناء عكار، السنّة والمسيحيين والعلويين والشيعة، إن قبلوا طبعاً.

■ ما سر غضبك وتهديدك بالانتقام من «أصحاب الزوابع والصلبان المعقوفة»؟

في الحقيقة، أنا غاضب من قناة «المنار» وصحيفة «الأخبار» اللتين تسوّقان كلاماً مجتزءاً، قيل في ظروف خاصّة. والمشاهد التي عرضتها «المنار» مسيئة وتهدّد السلم الأهلي. وأنا أحمّل حزب الله المسؤولية عن كل ما يمكن أن يحصل مستقبلاً. ولا حاجة إلى نبش الأرشيف، فلكل لبناني حصته.

■ يُشاع في البلدات المسيحيّة أنك اليوم أمير القاعدة في الشمال؟.

إذا كان مفهوم القاعدة هو الأصوليّة التكفيريّة، فأنا بعيد عنها بُعد المشرق عن المغرب. والميّالون إلى القاعدة ـــــ وهم مقربون من المعارضة ـــــ يعرفون أنني من مدرسة صوفيّة معتدلة. ولماذا الشك أصلاً؟ نحن مَن كفّرنا؟ وعلى من حكمنا بالردّة؟
فليطمئن مسيحيو عكار، نحن ننظر إليهم كما ننظر إلى أبناء طائفتنا. ولدي علاقات مع عدد كبير من شخصياتهم. وأقول لهم: إن عكار لم تشهد مسّاً بالمسيحيين حين لم يكن هناك دولة ولا مفتٍ ولا علماء، فكيف الحال الآن وكل هؤلاء يسهرون على أمن المنطقة؟ أكرر: نحن ضد كل من يكفّر الناس. وفي أيام الحرب الأهلية، كان هذا المنزل في بلدة ببنين ملجأً لكل مسيحي يشعر بالقلق.

■ أنت متهم بالوقوف وراء مجزرة حلبا ما ردّك؟

أولاً، ما حصل في حلبا كان مشكلة لا مجزرة. والرواية الحقيقيّة ستؤكد أنني بريء كل البراءة من اتهام كهذا. فقد دعونا باسم دار الفتوى، بيت الجميع، إلى اعتصام سلمي ونسّقنا مع الجيش حتى لا تحصل إساءة ولو بكلمة. وكان الاعتصام يبعد 400 متر عن مركز الحزب القومي. ولكن ما إن أطل المتظاهرون، حتى أطلق القوميون عليهم الرصاص فقتل اثنان وجرح 5. الأمر الذي دفع المتظاهرين وأهل الشهداء للعودة إلى منازلهم وجلب السلاح والانتقام. علماً أنني كنت أتصل بمسؤول القوميين في عكار وبضباط الجيش لأطلب منهم إخلاء المركز حقناً للدماء. وقد أرسلت وفداً إلى مسؤول القومي ليطلب منه إخلاء المركز، لكنه رفض. وهنا أقول إن هناك سرّاً يكتنف الإصرار على ترك القوميين يُقتلون في مركزهم. والهدف من اتهامي بالوقوف وراء القضية هو تضليل الرأي العام لأن من أطلق الرصاص بدايةً هو المذنب.

■ هل أنت قلق من ردّ فعل القوميين، فهم عادةً حين يهدّدون يفعلون؟

هناك مشكلة حصلت في حلبا، اعتدي علينا فأجبنا، وقد فاوضت القوميين ثم ناشدت الجيش أن يتدخل. ويفترض اليوم عدم صب الزيت على النار. نحن الآن نطلب الأمان، وأنا أحافظ على نمط حياتي الطبيعي، وأعتقد أن الحزب سيناقش ما حصل وسيتخذ القرار الحكيم. ولا تجوز المقارنة لا ببشير الجميل ولا برياض الصلح، فمن يهددونه لم يعتدِ، ولم يخن بلده ولم يحكم على أحد بالإعدام. وأنا أسأل: ما الدافع لقتل أسامة الرفاعي؟ هل لأنه دعا إلى اعتصام سلمي أم لأنه سعى لتلافي ما حصل ودعا الجيش ليؤدّي دوره؟ أما إذا حاولوا تنفيذ وعيدهم لإحداث فتنة من أجل الفتنة، فهذا أمر آخر لن تحمد عقباه. من هنا أدعوهم إلى الهدوء حتى لا يحدثوا الفتنة التي ستهلك عكار.
وأنا أقول إن الكل مهدد لا الرفاعي وحده. وقد أنجزت لائحة بكل القوميين في المنطقة، وأي مسّ بي أو بأحد العلماء سيهدد هؤلاء، لأن هناك من يزورنا في منزلنا ويقول إنه سينتقم من أخيه إن كان قومياً، إذا مسَّ بنا أو بأحد العلماء. لذا، فأنا أدعو إلى التوصل إلى تفاهم بين أهل المنطقة يطوي الصفحة، فلا يجوز أن تضع الحرب أوزارها في كل لبنان ويبقى التوتر هنا.

■ يتساءل البعض عن هذه النقلة: من الرفاعي المقاوم إلى الرفاعي المعادي لحزب الله؟

عتبنا على حزب الله كبير نحن لم نتقاعس يوماً. أنا أعتز بالمقاومة، وخطاباتي تشهد، فلا أكافأ هكذا. لا يحاصَر مفتي الجمهوية ويطلق الرصاص على دار الإفتاء. لقد خلّف الحزب أخيراً جرحاً عميقاً يحتاج إلى كثير من التعاون ليلتئم. يفترض في الحزب أن يُشعرنا بالأمان لنتفرّغ لتربية الأجيال بدل الانشغال بالدفاع عن أنفسنا. هناك خوف كبير اليوم، الناس ينامون خارج المنازل. بعضهم لا يجد غير بنادق الصيد ليدافع بها عن نفسه. حتى العقلاء يبحثون اليوم عن بندقيّة.