strong>يحتاج الرئيس الجديد العماد ميشال سليمان إلى أكثر من ملف تعريف تشرف على إعداده مديرية التوجيه في الجيش ليخترق الضبابيّة التي تحيط بمواقف القائد السابق للجيش في ما يتعلق بـ«التفاصيل» الصغير منها والكبيرة
غسان سعود
يكاد يكون الرئيس المنصّب الوحيد الذي لم يدخل في زواريب السياسة، ولم يوزع المواقف اليوميّة يساراً ويميناً. ويصح القول إن غالبية اللبنانيين لم يسمعوا صوته قبل خطاب القسم، ولم يعرفوا رؤيته أو أفكاره الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتى السياسيّة. لكن الرئيس الخارج من هذا الغموض ينوي، بحسب المقربين منه، تسجيل خرق إيجابي في الأيام القليلة المقبلة. ويقول أحد أصدقائه إنه سيلتزم، بدايةً، عدم الوقوع في أخطاء أسلافه في ما يتعلق بثلاث نقاط رئيسيّة على صعيد فريق العمل، فلن يكون هناك في هذا الفريق عسكريون ولا أصدقاء ولا أفراد من العائلة. وسيمثّل هذا، وفق الصديق، مدخلاً أمام سليمان لتعزيز الثقة الشعبيّة به. وسط معلومات غير مؤكدة عن حمل الرئيس مشروع حل لسلاح حزب الله سيحاول من خلاله تعويم المصالحة التي وضعها عنواناً لعهده.
ويقول أحد المتابعين إن سليمان يختلف عن الرؤساء السابقين الآتين من المؤسسة العسكرية، إذ كان هامش التحرك السياسي في قيادة الجيش كبيراً في عهود فؤاد شهاب وميشال عون وإميل لحود حيث كان لقائد الجيش دور أكبر وشراكة مباشرة في صناعة القرار السياسي. أما عهد سليمان في قيادة الجيش، فقد طغى عليه ظل الرئيس إميل لحود الذي كان، حتى مدد له، الرجل الأقوى في المؤسسة. لقد بدأ العماد سليمان يرسم لنفسه شخصية مستقلة وتؤثر في المجريات السياسيّة منذ اغتيال الرئيس الحريري فقط.
وكان وصول سليمان إلى قيادة الجيش بعد انتقال لحود مئات الأمتار من اليرزة إلى بعبدا، غريباً بعض الشيء. إذ تخطت تسميته، التي تفرّد بها لحود وأبلغها هاتفياً إلى الحريري، عشرات الضباط المرشحين لهذا المنصب، وحل في موقع اليرزة الأول رغم الفارق في الرتب والخبرة بينه وبين الضباط الموارنة الآخرين (33 ضابطاً). علماً أن العلاقة ظلّت مستقرّة بين لحود، الرئيس القوي بمؤسسة الجيش، وسليمان، القائد الملتزم احترام التراتبيّة وتقدير الضباط الأوسع خبرة. وهي علاقة بدأت تتكامل منذ عيّن لحود قائداً للجيش وجعل من سليمان، ذي الخبرتين الاستخبارية والميدانيّة الكبيرتين في جبل لبنان، ذراعه العسكرية لتوحيد الجيش، في ظل اللواء جميل السيّد كذراع أمنية ــــ سياسية.
ويكرر أصدقاء سليمان قولهم إن ابن عمشيت، التي ذاقت مرَّ المواجهة بين الجيش والميليشيات، وتشهد ثكنتها على إحدى أبشع المجازر بحق الجيش، هو «قائد جيش حقبة استرداد السيادة»، والبطل «الذي فتح الطرق أمام الحرية التي جرفت في 28 شباط 2005 حكومة الرئيس عمر كرامي». إضافةً إلى اعتباره سند المقاومة وحامي ظهرها. من هنا يتوقع أحد أصدقائه أن ينجح سليمان في أداء دور الحكَمَ بين الطرفين، علماً أنه كان يؤدّي هذا الدور في السرِّ منذ ثلاثة أعوام. وكان المحدّد الفعلي للمدى الذي يمكن أن يتخذه أي تحرك، سواء عند المعارضة أو عند الموالاة. وكان يلتزم ما يراه مناسباً دون محاباة، فرفض قرار حكومة كرامي بحظر التجوال وترك «انتفاضة الاستقلال» تأخذ بعدها الشعبي. ومع حملة الأكثرية يومها لإقصاء قادة الأجهزة الأمنية حيِّد عن الاتهامات. ثم عارض الأكثريين في نقاط عدة تتعلق بالعلاقات اللبنانيّة ــــ السورية، وبترسيم الحدود، وبحسم لبنانيّة مزارع شبعا. قبل أن يتدخل عند المعارضة ليبلغها جازماً أن اقتحام السرايا الحكومية ممنوع واعترض على تحركات المعارضة الصغيرة التي تستنزف طاقة الجيش. ومع اندفاعة المعارضة الأخيرة صوب الشارع، كان جواب سليمان على سيل الاتصالات المحليّة والخارجيّة المعترضة أن الجيش لن يطلق الرصاص على الناس، والطرفان كانا يعدّان للحسم، وليتحملا المسؤوليّة.
من جهة أخرى، وعلى صعيد العلاقات السياسيّة للعماد سليمان، يقول المطلعون إن ميزته الأساسيّة تكمن في الدور الذي أدّاه على صعيد مصالحة مؤسسة الجيش مع معظم الفعّاليات السياسيّة، فمنذ إمساكه بقيادة المؤسسة، أعاد إلى معظم الضباط الذين يرى البعض أنّهم مقرّبون من العماد عون، حقهم في الترقي وتولي المسؤوليات وبات هؤلاء من أبرز مسؤولي المؤسسة، فرمّم بذلك الشرخ بين العونيين ومؤسستهم الأم. وخطا في اتجاه النائب وليد جنبلاط ذي التاريخ الحافل بمعاداة الجيش فصالح التقدميين مع المؤسسة العسكرية، (توجت المصالحة بزيارة النائب جنبلاط لليرزة عام 2002). وأسس لبناء ثقة الطائفة السنيّة بالمؤسسة من خلال تنسيقه مع زعماء هذه الطائفة، وتقوية حضور بعض الضباط من الطائفة السنيّة. أما مع حزب الله، فكانت العلاقة استمراراً لنهج الرئيس لحود في احتضان المقاومة ووضع كل مقدّرات الجيش في خدمتها.
هكذا، يبدي أصدقاء سليمان تفاؤلاً كبيراً بقدرات الرئيس الجديد، مراهنين على تكراره في الرئاسة تجربته في قيادة الجيش القائمة أساساً على الاستفادة من أخطاء الرئيس لحود.