strong>«زيّنوا الساحة»، لحناً وكلاماً وتطبيقاً في ساحة ساسين، احتفاءً بانتخاب رئيس للجمهورية. عادت الحياة إلى «عاصمة الشرقية»، في مشهد أعاد أهالي الأشرفية إلى بهجة يوم انتخاب الرئيس بشير الجميّل، إلا أنها جاءت مختلفة بوجود تحفّظات من جهة وسقوط حلم من جهة أخرى
نادر فوز
احتلّت مكبّرات الصوت ساحة ساسين المزيّنة بالشعارات. بُثّت الجلسة النيابية الأولى، بعد انقطاع 18 شهراً، مباشرةً إلى أهالي الأشرفية الذين شاركوا هكذا في الاحتفال، رغم تعدّد متبنّي الدعوة، من التيّار الوطني الحرّ إلى القوات اللبنانية والكتائب وأصدقاء النائب ميشال فرعون وغيرهم، بحسب المحتفلين المنوّعين سياسياً.
بالقرب من التجمّعات المختلفة، جلس ثلاثة رجال في منتصف العمر يعلّقون. ساد المزاح أجواءهم إلى حين ذكر أحدهم انتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميّل عام 1982، وما ساد ذلك اليوم من احتفالات في الشرقية، حين «كان الجميع فرحاً فرحةً كاملة وليس مثل اليوم، فالكلّ يكذب». وفي خضمّ الحديث تذكّروا زجاجات الشمبانيا والرصاص الذي ملأ السماء والمحاور التي هدأت لأيام، وفي النهاية تعليق أخير «حلم وراح».
بالعودة إلى عام 2008، بدأت عملية إطلاق الأسهم النارية مع إعلان رئيس المجلس النيابي العماد سليمان رئيساً، فسرت بهجة غريبة في المحتفلين من قواتيين وعونيين: فرئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية أشار إلى تحفظّات على سليمان قبل ساعات قليلة من انتخابه، فيما الغصة لا تزال في حلق مناصري العماد عون لعدم وصول الأخير إلى الكرسي.
انقضى بعض الوقت ملأت فيه المفرقعات النارية سماء الساحة ابتهاجاً بالرئيس المنتخب. بالقرب من تمثال بشير الجميّل، علت راية مجموعة الصدم، «حيث لا يجرؤ الآخرون»، أي الفرقة الخاصة لميليشيا القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية، بالقرب من الجيش اللبناني. عنصر الغرابة يزداد شيئاً فشيئاً: «الصدم» ترحّب بانتخاب قائد المؤسسة العسكرية رئيساً للجمهورية.
«نحن فرحون لأننا أنهينا الأزمة بوصول رجل مسيحي متوازن ولبق إلى الرئاسة»، يقول أحد الشبان المحتفلين المقرّب من مجموعة «الصدم»، ليضيف أنّ العماد المنتخب «يمثّل ضماناً للمسيحيين وتأكيداً لوجودهم الفاعل في لبنان والشرق». على بعد أمتار، التمّ أنصار التيار الوطني الحرّ، حاملين بعض الأعلام البرتقالية وصور الرئيس المنتخب. يظهرون ابتهاجهم بانتخاب رئيس ولو أنه ليس الشخصية المثلى في نظرهم، إلا أنّ مشاركة الجميع في الاحتفال واجب و«العماد سليمان ابن المؤسسة العسكرية كما هو الجنرال عون، فلا فرق ما دامت الوجهة واحدة». للعونيين اعتزاز واضح بالمؤسسة العسكرية، وقد رفعوا بعض أعلام الجيش وصور قائدها، فيما يؤكد الجميع أنّ الدعوة إلى المشاركة بدأت تُبثّ منذ مساء أمس بواسطة مكبّرات الصوت التي عبرت أحياء الأشرفية مهيّئةً لـ«يوم انتصار لبنان»، كما جاء في الدعوة.
تذيع مكبّرات الصوت أنّ سليمان وصل إلى المجلس النيابي، فتعود المفرقعات إلى تنوير السماء، بينما يلقي المحتفى به خطاب القسم ولا يُسمع شيء من كلمته الأولى أمام ممثلي الأمّة. بعد الانتهاء من دويّ المفرقعات، يعقد المحتفلون، على مختلف انتماءاتهم السياسية، حلقات الدبكة في منتصف الساحة، قاطعين الطريق، فيما أصحاب السيارات يواجهون الأمر بردود فعل متباينة، فمنهم من يجاريهم في الزمامير الحزبية ومنهم من يعبّر عن امتعاضه، غير آبه بما يجري حوله.
أمر لافت آخر يواجه زوّار ساسين، وهو سحب الصورة العملاقة المعنونة باسم «سوا رح من غيّر الصورة» وحلّ مكانها صورة للرئيس المنتخب، ميشال سليمان، كأنّ المسؤولين عن الملصق الأول غيّروا رأيهم بين ليلة وضحاها، ولم يعد أي أمر مستغرباً بعد ما حصل في اتّفاق الدوحة.
«القائد العماد»، «المنقذ»، «الرئيس»، عبارات زيّنت صور الرئيس المنتخب، إضافةً إلى لافتات عديدة مذيّلة بإمضاء «أصدقاء النائب ميشال فرعون» و«إلياس جادو جريس، مختار الأشرفية» و«تجّار الأشرفية» وغيرهم من الشخصيات والمؤسسات التي قرّرت تهنئة الشعب اللبناني بـ«راعي الحوار وحامي الجمهورية»..
ومع مظاهر البهجة، لم تستطع مقاهي ساسين متابعة حياتها طبيعياً. فمن روّادها من تقدّم نحو ساحة الاحتفال لإلقاء نظرة على سير العملية، ومنهم من غادرها هرباً من زحمة السير الخانقة التي عجز رجال الأمن عن ضبطها، إضافةً إلى قلائل قرّروا الاستمرار في جلسات ثنائية تضفي الأسهم النارية عليها طابعاً رومانسياً.
استمرّت الاحتفالات ساعات في ساسين، وسط بثّ الأغاني الوطنية الحماسية المشجِّعة على شبك الأيادي وتراقص الأعلام اللبنانية والحزبية، حتى قرّر الجيش الحدّ من الأجواء الاحتفالية وفتح الطرقات أمام السيارات التي نفد صبر أصحابها.