وصل الرئيس المنتخب العماد ميشال سليمان إلى ساحة النجمة عند الساعة السادسة إلا خمس دقائق، برفقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأدّت له ثلة من الحرس الجمهوري التحية، فيما عزفت موسيقى الجيش نشيد التعظيم. ثم توجها، على سجادة حمراء، إلى قاعة الجلسات من مدخلها الرئيسي، وسط تصفيق الحضور. وبعدما رحّب الرئيس بري بأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة والوفود الرسمية العربية والأجنبية، أعلن افتتاح الجلسة الثانية، طالباً تلاوة المادة 50 من الدستور المتعلّقة بحلف يمين الإخلاص للأمة والدستور.ثم تلا الرئيس المنتخب أمام البرلمان القسم التالي: «أحلف بالله العظيم أن أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه». ثم كانت كلمات للأمير حمد وسليمان وبري تركزت على متابعة تنفيذ ما بقي من بنود اتفاق الدوحة، واستكمال الحوار الوطني لحل المسائل العالقة، فيما شدد سليمان على ضرورة التوازن بين المسؤوليات والصلاحيات، مشيراً إلى أننا «ننظر إلى أخوّة في العلاقات بين لبنان وسوريا ضمن الاحترام المتبادل لسيادة وحدود كل بلد، وعلاقات دبلوماسية تعود بالخير على كل منهما»

حماية الطائف ■ المحكمة الدولية ■ الإنماء المتوازن ■ عودة المهجّرين ■ الاستراتيجيّة الدفاعيّة

ألقى الرئيس المنتخب العماد ميشال سليمان خطاب القسم في مجلس النواب بعد أدائه اليمين الدستورية، وطلب في مستهله «الوقوف دقيقة صمت عن أرواح الشهداء». ومما جاء في كلمته: «كان أحب إلى قلبنا أن نبدأ هذا الاستحقاق، بدقائق فرح، لكنني واثق بأن صمتنا ستهلّل له أرواح شهدائنا وهم في جوار ربهم، لكونه يؤسس لمرحلة واعدة لأبناء الوطن الذي ينهض من كبوة له بفعل وعي المواطنين، ورفضهم الوقوع في عملية قتل الذات، وعمل المخلصين والأشقاء، للتخفيف من السيئات، ومحو التداعيات». أضاف: «إنني اليوم، وفي أدائي اليمين الدستورية، إنما أدعوكم جميعاً، قوى سياسية، ومواطنين، لنبدأ مرحلة جديدة نلتزم فيها مشروعاً وطنياً نلتقي عليه، لنصل إلى ما يخدم الوطن ومصلحته كأولوية على مصالحنا الفئوية والطائفية، ومصالح الآخرين».
وتطرق إلى الخلاف السياسي الذي نشب في السنوات الأخيرة، فرأى أنه «بما نتج منه من إشكاليات دستورية، ينبغي أن يشكّل حافزًا لنا، ليس فقط لإيجاد المخارج لما يمكن أن نقع فيه مستقبلاً، ولكن أيضاً لتحقيق التوازن المطلوب بين الصلاحيات والمسؤوليات»، داعياً إلى تمكين «المؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية، من تأدية الدور المنوط بها».
ورأى «أن لبنان، وطن الرسالة، الذي يحمل تلاقي الحضارات وتعددية فذة، يدفعنا للانطلاق معاً في ورشة عمل، فنصلح أوضاعنا السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية». وشدد على حماية اتفاق الطائف «والعمل على ترسيخه، لأنه ينبع من الإرادة الوطنية الجامعة»، لافتًا إلى أن «تحصين أي قرار سياسي لا يتم إلا بهذه الإرادة، وبما يربط اللبنانيين من ميثاق وطني».
وقال: «إن الشعب أولانا ثقته لتحقيق طموحاته، لا لإرباكه بخلافاتنا السياسية الضيقة»، مشيراً إلى أن «أخطر ما برز في السنوات الأخيرة، خطاب سياسي يرتكز على لغة التخوين، والاتهامات المتبادلة، ما يمهّد لحالة التباعد والفرقة، وخصوصاً بين الشباب، لذا وجب الإدراك والعمل على تحصين الوطن عبر التلاقي، ضمن ثقافة الحوار، لا بجعله ساحة للصراعات».
ودعا إلى اعتماد قانون انتخاب «يؤمن صحة التمثيل، ويرسّخ العلاقة بين الناخب وممثّله ويكفل إيصال خيارات الشعب وتطلعاته»، مشيراً إلى أن الأهم بعد ذلك هو «قبولنا بنتائج هذه الانتخابات، واحترامنا للإرادة الشعبية»، لأن «سمة الديموقراطية الأساسية، تداول السلطة، عبر انتخابات حرة».
وإذ أكد أهمية «استقلال السلطة القضائية» لأنه «يكرّس العدالة ويشكّل ملاذاً لكل صاحب حق، ويوفّر انتظاماً عاماً لجميع مرافق الدولة»، شدد على «تشجيع الطاقات الشابة للانخراط في مؤسسات القطاع العام، فنمنع ترهّله، ويتيح لنا الوصول إلى إدارة أكثر كفاءة وشباباً»، مشيراً إلى أن «تبديد هواجس الشباب، يكون ببناء وطن يفتخرون بالانتماء إليه... ولندعهم هم، الذين قاوموا الاحتلال والإرهاب، وانتفضوا من أجل الاستقلال، يرشدوننا حيث أخفقنا، فهم المستقبل، ولهم الغد».
وتطرق الى موضوع المغتربين، فشدد على الاعتراف بحقوقهم لناحية أنهم «الأحق بالجنسية اللبنانية من الذين حصلوا عليها من دون وجه حق».
ورأى «أن الخروج من حالة الركود، وتفعيل الدورة الاقتصادية، بحاجة إلى استقرار أمني وسياسي وإلى رعاية الدولة». مؤكداً «حتمية الاهتمام باقتصادنا المنتج صناعياً وزراعياً وخدماتياً».
ولفت إلى «أن الإنماء المتوازن، ركن أساسي من أركان وحدة الدولة، واستقرار النظام، ونرى في تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة، عنصراً مهماً لهذا الإنماء، لرفع الغبن عنه، وإصلاح التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين المناطق». موضحاً أنه «لا بد لنا من إيلاء موضوع استكمال عودة المهجرين كل اهتمام لطي هذا الملف بصورة نهائية».
وعن علاقة لبنان بالمجتمع الدولي، أوضح أن التزام لبنان مواثيق الأمم المتحدة واحترامه قراراتها «يعود لقناعتنا الراسخة بالشرعية الدولية المستمدة من مبادئ الحق والعدالة»، مؤكداً «مساهمتنا في قيام المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وما تلاها من اغتيالات».
وبخصوص المقاومة، ذكّر بأن «نشوءها كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها»، مشيداً بـ«بسالة رجالها وعظمة شهدائها» الذين يعود إليهم الفضل في «إخراج المحتل». واستدرك قائلاً: «إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتّم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازمة مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الاستراتيجية»، داعياً إلى عدم استهلاك «إنجازاتها في صراعات داخلية وبالتالي حفظ قيمها وموقعها الوطني».
وعن ذكرى التحرير قال: «فلتكن حافزاً لنا لمزيد من الوعي لما يتربّص بنا، ولتجديد تمسكنا بالحرية والديموقراطية اللتين ضحّينا من أجلهما لنصون الوطن، وكذلك للعمل الدؤوب لإطلاق الأسرى والمعتقلين، وكشف مصير المفقودين، واستعادة أبنائنا الذين لجأوا إلى إسرائيل، فحضن الوطن يتسع للجميع».
وتطرق إلى العلاقات اللبنانية ــــ العربية قائلاً: «لقد حرص لبنان، ويحرص دائماً، على تقوية الأواصر التي تربطه بأشقائه العرب. من هنا، فإننا ننظر بشدة إلى أخوة في العلاقات بين لبنان وسوريا، ضمن الاحترام المتبادل لسيادة وحدود كل بلد، وعلاقات دبلوماسية تعود بالخير على كل منهما. العبرة هي في حسن المتابعة لعلاقات ندية خالية من أي شوائب اعترتها سابقاً».
وتحدث عن الوضع الفلسطيني فقال: «إن الدولة لا يمكنها التغاضي عن أي عبث بالأمن والسلم، ولن تسمح بأي حال من الأحوال أن يستعمل البعض وقوداً للإرهاب، وأن يتخذ من قدسية القضية الفلسطينية ذريعة للتسلّح، لتصبح هذه المسألة مصدراً للإخلال بالأمن، كما حصل منذ عام، عندما اعتدي على الجيش اللبناني. فلنتضافر لمعالجة تداعيات ما حصل، فنعيد وصل ما انقطع، لبلسمة الجراح وإعادة الإعمار»، مشدداً على «أن البندقية تكون فقط باتجاه العدو، ولن نسمح بأن تكون لها وجهة أخرى». كذلك أكد «أن رفضنا القاطع للتوطين لا يعني رفضاً لاستضافة الإخوة الفلسطينيين والاهتمام بحقوقهم الإنسانية، بل تأسيس لحق العودة حتى قيام الدولة القابلة للحياة. ولهذا، فإن لبنان يشدد على ما ورد في المبادرة العربية عام 2002.
وعرض لواقع القوى المسلّحة التي «اكتسبت، وفي طليعتها الجيش، ثقة الشعب اللبناني طيلة السنوات الأخيرة لتحقيقها إنجازات مهمة وتاريخية، من الحفاظ على الديموقراطية والسلم الأهلي وانتشارها في الجنوب والتصدي للعدو والإرهاب، وقدّمت خيرة أبنائها». أضاف: «إلا أن الحوادث الأمنية الأخيرة خلّفت شعوراً بأن القوى المسلّحة لم تقم بالأداء الكامل المأمول منها. لذلك، فالحفاظ على الحد الأدنى من الوفاق، وبالتالي توفير الغطاء السياسي المطلوب، يسهمان في تدارك الأمر مستقبلاً، بالإضافة إلى تجهيزها وتشجيع الشباب المثقف الواعد على الانضواء تحت راياتها».
وتوجه بالشكر «إلى جامعة الدول العربية ومعالي أمينها العام، لاحتضانها الأزمة التي عصفت بالوطن، ولجهودها المثمرة في بلورة الحل المناسب. وأتقدم، باسم اللبنانيين، وباسمي، بالعرفان لدولة قطر، وسمو أميرها ودولة رئيس وزرائها، واللجنة الوزارية العربية، لما بذلوه من جهد صادق». كذلك شكر «الدول الشقيقة والصديقة التي تشارك في عداد القوات الدولية».
وختم سليمان بالقول: «لقد دفعنا غالياً ثمن وحدتنا، وينتظرنا الكثير الكثير، وقسمي هذا التزام عليّ، كما إرادتكم هي التزام أيضاً. لا نغرق في الوعود، بل نقارب الواقع وميادينه المختلفة بإمكاناتنا واستثمار دعم الأشقاء والأصدقاء لنجتاز الصعاب. فلنعمل لبناء الدولة المدنية القادرة المرتكزة على احترام الحريات العامة والمعتقد والتعبير».


مواقف
إشادة عربية ودولية بانتخاب الرئيس
لاقى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ترحيباً دولياً وعربياً. فقد أمل الرئيس الأميركي جورج بوش أن يفتح انتخابه «حقبة من المصالحة السياسية في لبنان»، وقال: «إنني على ثقة بأن لبنان اختار رئيساً ملتزماً حماية سيادته وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية والاضطلاع بواجبات لبنان الدولية كما نصّت عليها قرارات مجلس الأمن الدولي». ولفت إلى أنه يتطلّع إلى «العمل مع الرئيس سليمان استمراراً لتحقيق قيم الحرية والاستقلال المشتركة بيننا»، مشيداً باتفاق الدوحة «الذي مهّد لهذه الانتخابات».
كذلك أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالانتخاب «التاريخي لميشال سليمان رئيساً جديداً للبنان»، متمنياً أن يؤدي ذلك إلى «إعادة إحياء كل المؤسسات في البلاد». وحثّ كي مون «جميع الأطراف اللبنانية على المضي قدماً ومعاً من أجل تعزيز السيادة والاستقرار والاستقلال السياسي لدولة لبنان حسب اتفاق الطائف وقوانين مجلس الأمن ذات الصلة».
ورأى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «انتقالاً إلى مرحلة مركزية» في حل الأزمة اللبنانية. وفي بيان صادر عن قصر الإليزيه أعرب عن «سروره الكبير بهذه الانتخابات التي تضع حداً للمرحلة الصعبة التي عرفها لبنان، وستسمح له بمواجهة التحديات التي تنتظره وتعزيز وحدته واستقلاله واستقراره»، مؤكداً أنه «سيكون في وسع لبنان الاعتماد أكثر من أي وقت مضى على دعم فرنسا التام».
من جهة أخرى، رأى وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند أن «انتخاب العماد سليمان يمثّل تقدماً مهماً للبنان». أضاف: «سنواصل دعم استقرار لبنان ووحدته واستقلاله».
وأشاد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بالتزام سليمان في خطاب القسم المحكمة الدولية المكلّفة محاكمة الضالعين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واصفاً إياه بـ«الشجاعة الكبيرة»، مشيراً إلى أنه «قال أموراً لم نكن نتوقعها».
ووصف الرئيس الألماني هورست كولر انتخاب سليمان بأنه «خطوة مشجّعة لتجاوز الأزمة السياسية» في هذا البلد.
أما عربياً، فقد هنّأ الرئيس السوري بشار الأسد العماد سليمان بانتخابه رئيساً للبنان. وأوضحت «سانا» أن الأسد أجرى اتصالاً هاتفياً بسليمان أكد له خلاله «وقوف سوريا إلى جانب لبنان ومساندتها المستمرة لما يتوافق عليه اللبنانيون».
وأشارت الوكالة إلى أنه جرى خلال الاتصال الخوض في «العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين وسبل الارتقاء بها في المرحلة القادمة، والأمل أن يشهد عهد الرئيس الجديد التوافق بين اللبنانيين لتنفيذ ما اتفقوا عليه فى الدوحة بما يعزز أمن لبنان واستقراره وازدهاره».
ووجه الملك المغربي الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى العماد سليمان رأى فيها أن من شأن انتخابه رئيساً جديداً للبنان «تعزيز التوافق الوطني». فيما أعرب الملك الأردني عبد الله الثاني عن أمله أن يكون انتخاب سليمان «فاتحة خير للشعب اللبناني»، وأن يسهم في «تعزيز وحدته الوطنية».
كذلك بعث الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة برقية تهنئة إلى العماد سليمان أكد فيها وقوف بلاده «إلى جانب لبنان حتى تحرير كل أراضيه»، وتمنّى له كل التوفيق والنجاح في أداء مهماته.
وتلقّى سليمان دعوات رسمية لزيارة كل من مصر وإيران وإيطاليا، نقلها إليه وزراء خارجية هذه الدول خلال لقاءات عقدها معهم على هامش مشاركتهم في جلسة الانتخاب في المجلس النيابي.