فداء عيتانييمتنع مسؤولون في حزب الله عن الإدلاء بدلوهم في مسائل عدة حالياً، متجنّبين الخوض في كل ما من شأنه فتح «الملفات السنيّة». لا مزيد من الكلام المباح عن المستقبل ولا عن الجهاديين السنّة، وخاصة لا مراجعات معلنة بخصوص العلاقة المتعثرة مع الجماعة الإسلامية.
إلا أن حزب الله لا يمتلك وحده ملفات هذه العلاقة الطويلة مع الجماعة، فتفاصيلها لا تنحصر بين الجدران التي احتضنت لقاءات الطرفين.
أحد أهم المسؤولين في حركة الإخوان المسلمين بعد اتصاله بإخوته في بيروت يكتفي بالتعليق: «لقد وجدتهم يعيشون على كوكب آخر». كان ذلك خلال المعارك الأخيرة. تتّكئ الجماعة الإسلامية على تاريخ طويل من الفكر السياسي، وهي في النهاية وبحسب التعبيرات القانونية جمعية دينية، إلا أنها في العديد من المناسبات والمراحل الحساسة تحوّلت إلى أكثر من جمعية، وخاضت نضالاً مشهوداً في صيدا ضد الاحتلال عبر «قوات الفجر»، كما ينتمي الفكر الإخواني ــ وبغضّ النظر عن الرأي والاختلاف حوله ــ إلى الفكر الأيديولوجي المبدئي الذي طبع جزءاً من التاريخ الحديث، وهي تملك من التاريخ في لبنان ومن الانتشار فيه، ما يمكّنها من أداء دور في قيادة الشارع السني، وتوجيه الإسلام الحركي في هذه البلاد، إلا أن أخصام الجماعة يكيلون لها التهم نتيجة عدم أداء دور جاد في التوازن اللبناني، فالجماعة، وبحسب المعارضة، اكتفت بتهميش نفسها بانتظار أن يفرّج الله كربها وكرب المسلمين، لا بل أفشلت مفاوضات طويلة خاضتها مع حزب الله في لقاءات متعددة جرت.
تكتفي المعارضة بالعودة إلى لقاءات جمعت الأمين العام للجماعة المستشار فيصل المولوي إلى وفد من حزب الله. وفي اللقاء كان الشيخ المولوي يبدي خشيته من سياسة المقاومة وحزب الله، التي يمكنها أن تغرق لبنان وتُنهي أيّ إمكانات للمقاومة ولدعم القضية الفلسطينية، وكان وفد الحزب يفنّد المعطيات واحداً إثر آخر، فالشرعية الدوليّة التي اجتاحت لبنان بعد حرب تموز لم تكن مرة منصفة، كما أن قراراتها يمكن أن تبقى حبراً على ورق، وبالتالي فإن القرارين 1559 و1701 يمكن أن ينفّذا فقط إذا كانا يخدمان لبنان، وإلا فمصيرهما كغيرهما من القرارات، ثم إن قوات الطوارئ الدولية ليست بأي حال في موقع قوة أو قدرة على التصرف الميداني، وذهب الوفد أبعد من ذلك مؤكداً للشيخ المولوي أن المقاومة استكملت جهوزيتها في الجنوب، وأن قوات الطوارئ الدولية لن تكون إلا في مخابئها عند أي اشتباك أو تقع أسيرة لدى قوى المقاومة.
المولوي قال حينها إنه لم يكن مطّلعاً على هذه الجوانب، وأصر الوفد على القول إن هذه المعطيات أبلغت في لقاءات رسمية مع الجماعة. ولكن بعدها وبحسب المصادر المعارضة، فإن شيئاً لم يتغير في خطاب الجماعة.
وقبيل المعارك في السابع من أيار كانت العلاقات بين المعارضة والجماعة في حالة تراجع كبير، ووقفت الجماعة بعيداً عن الأطراف، وعن الشارع. كان هناك من يتمنّى وقوف الجماعة موقفاً وسطاً، والعمل على حفظ المناطق السنيّة من الأعمال الحربية وأداء الدور المفقود بين قادة المعارضة السنيّة، إلا أن الجماعة فضّلت عدم الاضطلاع دور ميداني. (راجع موقف الجماعة في عدد «الأخبار» الرقم 526 ليوم السبت 17 أيار الحالي).
وبُعيد المعارك ظهرت الملصقات البيضاء الكبيرة في الشوراع، التي تحمل توقيع الجماعة، وترفع شعارات لم تتمكن من استيعاب الغضب السني، إلا أنها أشعلت غضب حزب الله وقوى المعارضة. ويتحدث المعارضون عن إساءات فعلية تحملها هذه الملصقات للمقاومة، ورغم أن الشارع السني يحمل اليوم خطاباً أكثر حدة وعنفاً، إلا أنها وبحملها توقيع جهة فاعلة كالجماعة الإسلامية قد أصابت المقاومة في الصميم. وتنتقد جهات في المعارضة الجماعة على سلسلة المواقف، فهي تستمع لمن يعدها بالمناصب من نيابية وغيرها، ثم لا تحصد شيئاً، تماماً كما حصل مع تيار المستقبل في انتخابات 2005، وتعود لتكرار تجربتها، ناسية مبدئيتها في التعامل مع القضايا الرئيسية، وهي ترى أن ما يحصل في فلسطين مقاومة، ثم تتجاهل واقع الأمور في لبنان، حيث ثمة فصيل لا يقاوم إسرائيل وحدها، بل التدخل الأميركي غير المباشر في سياسة البلاد، وتقف إلى جانب حلفاء أميركا في لبنان، وتحاول حصد التأييد في الشارع السني على أنقاض تيار المستقبل، وفي ظل تشنج سني ــ شيعي يكاد يتحوّل إلى قطيعة اقتصادية من السنة للشيعة، وتزن الأمور بما يتناسب مع مصالح مباشرة. وحين يعترض حزب الله عبر الأقنية الرسمية على الملصقات يأتيه الجواب بأن الوضع السني يتطلب مراعاة خاصة، وأن الجماعة لا يمكنها الانفصال عن جمهورها.
كما أن المعارضة تشير إلى استخدام بعض أركان الجماعة فزّاعة الحركة السلفية الناشطة في المناطق، التي يمكنها أن تستهدف الشيعة خاصة، مضيفة إن تلويح بعض أركان الجماعة بهذه الفزاعة أثار غضباً مضاعفاً، فالمعارضة وحزب الله يعلمان ما يجري على الساحة السلفيّة من ناحية، وأن القوى السلفية، إن كانت مقرّبة من تنظيم القاعدة فإنها لن تميّز بين سنيّ وشيعي، وبين قيادات إخوانية وقيادات الحزب أو جمهوره.
وتشير المصادر المعارضة إلى أنها توقعت من الجماعة، مراراً التراجع إلى موقعها المبدئي في الصراع وانعكاساته الداخلية، ثم إنها توقعت أن تستفيد من الفرصة في الإمساك ببقايا تيار المستقبل بخطاب إسلامي، بدل العمل على تجميع الشعارات من الشارع ولصقها على جدران المدينة المصابة مرتين، مرة من المعارك وأخرى من فقدان القيادة السنية القوية.