الحريري متفائل جدّاً بعد انتخاب الرئيس: لنفتح صفحة جديدة بالسياسة والمصالحةثلاثة عناوين تصدّرت اليوم الثاني من ملء الفراغ الرئاسي: الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة المقبلة، موضوع السلاح، والإشكال الذي وقع على كورنيش المزرعة، والذي نبّه إلى ضرورة المسارعة في تنفيذ كل بنود اتفاق الدوحة
تنطلق غداً، مرحلة بدء تنفيذ البند الثاني من اتفاق الدوحة، وهو الموعد الذي حدده رئيس الجمهورية الجديد العماد ميشال سليمان للاستشارات النيابية لتسمية الرئيس الذي سيكلف تأليف الحكومة الجديدة. فيما لم يتضح حتى مساء أمس اسم مرشح الأكثرية لهذا المنصب، وكشف الرئيس أمين الجميل، بعد تجديد ترشيحه للنائب سعد الحريري، أن القرار النهائي لم يصدر بعد لأن الحريري «لا يزال متردداً، وسيحسم الأمر قريباً».
في هذا الوقت، أطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في الاحتفال المركزي بعيد المقاومة والتحرير في الضاحية الجنوبية، جملة من الرسائل إلى الداخل والخارج، في حضور حشد من الشخصيات، يتقدمهم ممثل لرئيس الجمهورية.
فـ«بدون مقدّمات لأن لدينا الكثير لنتحدث عنه»، بدأ نصر الله كلمته التي امتدت قرابة الساعة ونصف الساعة، بالإشارة إلى استراتيجيتين للمقاومة: التحرير، والدفاع عن الوطن والشعب في مواجهة العدوان والاجتياح والتهديد. وشدد على أن المقاومة «لا تنتظر إجماعاً وطنياً ولا شعبياً، وإنما يجب أن تحمل السلاح وتمضي لتؤدي واجب التحرير»، لافتاً إلى أن استراتيجية المفاوضات «لم تُعد للبنان شبراً واحداً من الأرض».
ورأى تراجع احتمال حرب أميركية على إيران أو حرب إسرائيلية على سوريا، بعد درس لبنان، أما حرب الاثنين على لبنان «فنحن في لبنان أشرف الناس الذين قاتلنا في حرب تموز، سنقاتل في أي حرب مقبلة». وبشّر باقتراب حل مسألة الأسرى، واعداً «بأن يكون سمير (القنطار) وإخوانه قريباً جداً بينكم»، دون أن يخوض في التفاصيل. وتطرق إلى الوضع في العراق، معلناً أن «حزب الله من الطبيعي أن ينحاز إلى تيار المقاومة في العراق»، داعياً العراقيين إلى الاقتداء بنموذجي لبنان وفلسطين.
وعن الاستراتيجية الدفاعية، دعا الشعوب والحكومات العربية «وليس الحكومة اللبنانية فقط، إلى دراسة جدية لاستراتيجية التحرير واستراتيجية الدفاع في ظل موازين القوى القائمة في المنطقة»، لافتاً إلى أننا في لبنان «بحاجة إلى استراتيجية تحرير لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا». وإذ أشار إلى أن «الأرض التي تحررت بدماء شهداء كل المقاومين هي للدولة اللبنانية»، دعا الأخيرة إلى تحمل «مسؤوليتها الكاملة أمنياً وقضائياً واجتماعياً واقتصادياً». وكرر القول: «لا نريد السيطرة على لبنان ولا أن نحكمه أو نفرض فكرنا ومشروعنا على الشعب اللبناني لأننا نؤمن بأن لبنان بلد خاص ومتنوع ومتعدد». وعن شعار «حزب ولاية الفقيه»، رفض القول إن في ذلك إهانة للحزب «أبداً، أنا اليوم أعلن أنني أفتخر بأن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه»، مردفاً أن هذه الولاية «تقول لنا نحن حزبها: لبنان بلد متنوع متعدد يجب أن تحافظوا عليه». ووافق على مطالبة مجلس الوزراء السعودي بإجراء تعديلات دستورية «تضمن الهوية العربية للبنان وتمنع أي أحد من أن يتدخل بشأن لبنان».

تأجيل النقاش لمصلحة لمّ الشمل

وبالنسبة إلى الحوادث الأخيرة، رأى أن من حق كوادر المعارضة وقواعدها المطالبة برفع السقف السياسي بعد ما جرى «ولكننا لم نغير شرطاً ولا حرفاً ولم نرفع سقفاً... لأننا نريد إنقاذ لبنان مما هو أخطر، من قتال الجيش والمقاومة ومن الفتنة الطائفية ومن الصيف الساخن الذي وعد» به الأميركيون. وأكد أن المعارضة لم توظف ما حصل في السياسة ولم تطلب أي مكسب «رغم ما لحق بنا من اتهامات ظالمة وتشويه كبير ومن اعتداء آثم من قبل الكثيرين». وقال إنه يجد نفسه «أمام خيارين: إما أن أشرح ما جرى ما قبل اتخاذ القرارين، إلى اتخاذهما ومخاطرهما ومعناهما... وهذا سيؤدي إلى عودة الاحتقان والتوتر إلى الساحة اللبنانية، وأنا لا أريد أن أعكّر فرحة اللبنانيين في عيدهم واتفاقهم ووفاقهم وانتخابهم لرئيس جديد للبنان... أو أن أؤجل كل هذا النقاش، وبالتالي سوف تبقى هناك أمور عالقة في أذهان البعض ومبهمة لدى البعض الآخر وظالمة لنا، لكنني أفضل أن أؤجل النقاش وأتحمل ما يلحق بمقاومتنا ومسيرتنا من اتهامات ظالمة، لمصلحة لمّ الشمل».
وعن بند استخدام السلاح، جدد الالتزام ببند اتفاق الدوحة «القاضي بعدم استخدام السلاح لتحقيق أي مكاسب سياسية من كل الأطراف». وإذ أكد أن «سلاح المقاومة لمواجهة العدو وتحرير الأرض والأسرى والمساهمة في الدفاع عن لبنان»، تساءل: «فلمن كان السلاح الآخر؟ ولمن كان يكدّس؟ ولمن كان يعدّ؟». وحذّر من «استخدام سلاح الدولة لتصفية الحساب مع فريق سياسي معارض، ولا لحساب مشاريع خارجية تضعف قوة لبنان ومنعته في مواجهة إسرائيل ولا لاستهداف المقاومة وسلاحها».
وعن قانون الانتخاب قال: «عندما يفصّل البعض منا قانون الانتخاب على قياس شخصه وزعامته أو حزبه أو طائفته، فهو لا يريد أن يبني دولة. ولا يكفي أن تتهم الآخرين بأنهم لا يريدون دولة. من لا يعطي اللبنانيين قانون انتخاب عادلاً وعصرياً يمكّنهم من أن يتمثّلوا بحق في مؤسسات الدولة هو يريد المزرعة ولا يريد الدولة»، معتبراً أن ما تم التوصل إليه هو «التسوية الممكنة ونأمل في المستقبل أن يتمكن اللبنانيون من إنجاز قانون انتخاب أفضل». ورأى أن انتخاب سليمان «يجدد الأمل لدى اللبنانيين بعهد جديد وبداية جديدة»، وأن خطابه «يعبر عن الروح الوفاقية التي وعد فخامته بأن يتصرف من خلالها في المرحلة المقبلة». وقال إن النصر الحقيقي هو تأليف «حكومة الوحدة من خلال مشاركة حقيقية للمعارضة مع الموالاة».
ثم خصّ «تيار ومحبّي الرئيس الشهيد رفيق الحريري» بالدعوة «إلى الاستفادة من التجربة الكبيرة لهذا الرجل الكبير ومن آفاق تفكيره الاستراتيجي حول لبنان، وهو الذي استطاع أن يوائم بين مشروع الإعمار وبناء الدولة ومشروع المقاومة بعقل كبير». وأعلن سقوط 14 شهيداً للحزب في الحوادث الأخيرة، و2 من السرايا اللبنانية، مشيراً إلى أن شهداء المعارضة ككل «كانوا من المسلمين والمسيحيين ومن السنّة والشيعة والدروز». وختم شاكراً كل القيادات السنية والدرزية والمسيحية التي عطلت مواقفها المشروع الأميركي الذي يحاول دائماً أن يصوّر أي صراع سياسي في أي مكان على أنه صراع طائفي أو مذهبي.

متكي جال على قيادات المعارضة والموالاة

إلى ذلك، برز تحرك لوزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، الذي جال أمس برفقة السفير محمد رضا شيباني، على الرئيس نبيه بري والسنيورة والرئيس عمر كرامي وكتلة الوفاء للمقاومة والنائبين ميشال عون والحريري، بعدما زار مساء الأحد الرئيس إميل لحود، مختتماً جولته بمؤتمر صحافي، كرر فيه رفض بلاده للتدخل الأجنبي في شؤون لبنان، وتأييدها لأي جهد خارجي من شأنه المساعدة في حل الأزمة. وقال إن إيران شجعت الحوار في الدوحة وأسهمت في التشجيع على مواصلته. ورأى أن اللبنانيين «برهنوا أن القرار، عندما يكون على الإجماع، يكون قابلاً للتنفيذ»، داعياً دول المنطقة إلى «مساندة ودعم هذا المسار». وإذ اتهم أميركا بالتدخل في لبنان، دعاها إلى عدم تحميل المسؤولية للآخرين وإلى تصحيح أخطائها في المنطقة، مردفاً: «الأميركيون كانوا يطلقون الإملاءات على الشعوب، وعلينا أن نعلّمهم كيفية الإصغاء والاستماع». وشدد على وجوب إعادة الجولان إلى سوريا، ومزارع شبعا إلى لبنان، معتبراً «أن الكيان الصهيوني ليس في مكانة (تسمح له) بأن يضع شروطاً مسبقة للخروج من الأراضي المحتلة». ونقل كرامي عن متكي أن وجود اتفاق دولي وإقليمي سهل التوصل إلى الاتفاق. وتمنى كرامي الإسراع في تأليف الحكومة الجديدة وإقرار قانون الانتخاب، معتبراً أن الانتخابات النيابية «ستؤمن الاستقرار عبر إعادة بناء تشكيل السلطة». وأعلن أن المعارضة بدأت المشاورات في شأن التمثيل في الحكومة المقبلة.
كما زار المبعوث الرئاسي السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، السنيورة والجميل والحريري، ونقل للأخيرين دعوة من الرئيس السوداني لزيارة الخرطوم. وأكد الحرص على الاستقرار «لأن ما يحصل في لبنان مؤشر إلى ما سيحدث في المنطقة العربية». وبدوره، أمل الحريري فتح «صفحة جديدة بالسياسة والمصالحة كما قال فخامة الرئيس» سليمان. وقال إن محادثاته مع متكي «تركزت على العلاقات بين البلدين وسبل تحسينها وتطويرها»، معلناً أنه متفائل جداً بعد حصول الانتخاب الرئاسي.
وفي مواقف الكتل النيابية، هنّأ تكتل التغيير والإصلاح، بعد اجتماعه أمس برئاسة عون، بإنجاز الانتخاب الرئاسي، آملاً استكمال بنود اتفاق الدوحة. وتساءل عن هدف الاعتراض على إقرار تعديلات قانون الانتخاب بعد الانتخاب الرئاسي وخطاب القسم، متمنياً أن يكون السبب شكلياً ولا «يضمر نيّات للعرقلة أو توجّهات انقلابية على ما تم التوافق عليه»، ومؤكداً إصراره «على إقرار هذا القانون والسلة المتكاملة التي جاء في إطارها». كما هنّأ بذكرى التحرير. ودعا إلى ترسيخ الوفاق الداخلي «مع بداية العهد الجديد الذي سيتوقف نجاحه على تضامن اللبنانيين وصدق النيات لدى مختلف الأفرقاء السياسيين في دعمه، تعجيلاً لإنجاز ما بقي من اتفاق الدوحة الذي يشكل المحك الأساسي».
كذلك أشادت كتلة التنمية والتحرير، في اجتماع عقدته أمس برئاسة بري، بـ«الأجواء الوطنية» التي سادت الانتخاب الرئاسي «والاحتضان الوطني والعربي والدولي لهذا الوفاق». وتمنت لسليمان «النجاح في حمل الأمانة والمسؤولية في هذا المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان». وأعلنت إرجاء اتخاذ موقفها من الاستشارات النيابية حول رئيس الحكومة المقبلة، وأبقت اجتماعاتها مفتوحة لهذا الغرض.
وزار وفد من كتلة الوفاء للمقاومة، العلّامة السيد محمد حسين فضل الله، الذي حضّ المسؤولين على أن يستغلّوا الظروف الحالية «التي تبدو ملائمة للانتقال بالبلد إلى مرحلة جديدة ظهر فيها الكثير من علامات الاستقرار»، مؤكداً أن لبنان المستقر يمثل رسالة استقرار للمنطقة كلها». وتحدث النائب محمد رعد عن أمل كبير «أن يشهد لبنان هذه المرحلة، وفي ظل العهد الجديد استقراراً وتطلعاً نحو المصلحة الوطنية من قبل كل القوى السياسية في البلد».

إعتراضان على بروتوكول عشاء البيال

وإذ وصف الجميل في الاجتماع الكتائبي الموسع، الخطاب الرئاسي بـ«المتوازن والمتّزن»، انتقد «التركيز على ما يسميه البعض مكاسب مسيحية وهمية... لصرف النظر عن أهمية البحث في ملف السلاح وسلطة الدولة على أراضيها». وقال: «كان لنا دور أساسي في تحسين قانون الانتخاب، ولو كان هناك تعاون أكبر لأجرينا الكثير من التحسينات». وكرر قوله إن اتفاق الدوحة «ليس حلاً نهائياً»، ناقلاً عن «مراجع مهمة» في قطر «أنهم أمضوا ثلاث ساعات ونصف الساعة في اتصالات مباشرة مع طهران ودمشق لإقناع المعارضة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه».
ورأى الوزير محمد الصفدي، الذي تسلّم من موفد لرئيس الوزراء القطري، نسخة موقّعة من اتفاق الدوحة، أن انتخاب سليمان «يمهّد لعودة المؤسسات الدستورية إلى العمل بتوازن في ما بينها، ويحمل اللبنانيين مسؤولية التفاهم والتوافق لتسيير الأمور نحو الأفضل». ودعا الوزير ميشال فرعون، إلى استثمار الدعم الداخلي والخارجي غير المسبوق «في ترسيخ مسيرة الدولة»، ومتابعة تنفيذ كل بنود اتفاق الدوحة، ثم الانصراف إلى استكمال تنفيذ بنود طاولة الحوار الوطني، وتطبيق الطائف «بما فيه معالجة مسألة العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، وعلاقة الدولة بالمنظمات المسلحة، وبالمحكمة ذات الطابع الدولي، وذلك برعاية ومشاركة عربية، وصولاً إلى تطبيق النقاط السبع بمظلة دولية».
كذلك أعرب النائب بطرس حرب، بعد لقائه سفيرة بريطانيا فرنسيس ماري غاي، التي زارت أيضاً الرئيس نجيب ميقاتي، عن اطمئنانه إلى مضمون الخطاب، وأمله أن يتمكن الرئيس المنتخب من تأليف حكومة تكون فريق عمل متجانساً، داعياً الجميع إلى التنازل «وإعطاء الرئيس فترة سماح وبعض الحرية في التصرف لكي يتمكن من النهوض بالبلاد والانطلاق بعهده».
على صعيد آخر، نفى الرئيس حسين الحسيني أن يكون أحد الذين اقترعوا بورقة بيضاء، مؤكداً تأييده لسليمان «قبل المبادرة العربية وبعدها». كذلك نفى النائب أنطوان زهرا، أن تكون الأوراق البيضاء الخمس عائدة لنواب القوات اللبنانية، متهماً «إحدى الكتل التي درجت على تضليل الناس» بوضع هذه الأوراق لمحاولة «زرع شقاق بين الرئيس المنتخب والقوات». وعزا انسحاب سمير جعجع من عشاء البيال إلى اعتراضه على مكان جلوسه. كذلك أعلنت الوزيرة نائلة معوض أنها انسحبت من العشاء بسبب «تجاوز موقعها البروتوكولي المحدد رسمياً كزوجة للرئيس الشهيد رينيه معوض»، معتبرة أن ما حصل في البيال «عاد ليؤكد أن الرئيس نبيه بري لا يزال يعتبر المجلس النيابي مزرعة، متجاوزاً كل الأعراف والأصول».
ومساء أمس، عاد البطريرك الماروني نصر الله صفير، من جولة طويلة شملت دولاً عدة، وقال في حوار مع الصحافيين في المطار: «نحمد الله على أنه أصبح لنا رئيس»، متمنياً له التوفيق «في مهمته العسيرة» و«في جمع اللبنانيين حوله، وأن يعود لبنان إلى سابق عهده من الاستقرار والسلامة والازدهار». وشكر «كل الذين ساهموا في إعادة لبنان إلى وضع طبيعي، دولاً كانوا أو أفراداً». وأمل أن «يسير البلد على خط مستقيم»، وأن يعود اللبنانيون بعضهم إلى بعض و«يعملوا جميعاً يداً واحدة وقلباً واحداً في سبيل إعلاء شأن لبنان وإعادته إلى سابق عهده من الاستقرار».