68 سمّوه و59 امتنعوا أو اختاروا الصفدي وطبارة وليلى الصلح والحريريباستثناء وجود رئيس للجمهورية، وربما لاحقاً الثلث المعطل، فالوضع بدا أمس كأنه عود على بدء: المعارضة معارضة، والأكثرية أثبتت أكثريتها، وفؤاد السنيورة سيعود رئيساً للحكومة، وما على المعارضة إلا الاعتصام... بحبل الله

بعد طول غياب قسراً وطواعية، استقبل قصر بعبدا أمس، على مرحلتين، 127 نائباً قصدوه أفراداً وكتلاً، والبعض بصفتين، في عودة إلى طقس الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة المقبلة... فعاد رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي سمته المعارضة طويلاً «رئيس الحكومة غير الشرعية وغير الدستورية وغير الميثاقية» فؤاد السنيورة، رئيساً مكلفاً بتأليف الحكومة الجديدة، بعدما سماه 68 نائباً، فيما طرح 59 نائباً أسماءً أخرى أو امتنعوا عن التسمية.
الاستشارات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في وقت قياسي، بدأت بلقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي سئل عند دخوله عما إذا كان سيرشح السنيورة، فسأل: «هل هو مرشح؟». ولدى خروجه أجاب عن سؤال: «من سميت؟» بـ«سميت باسم الله الرحمن الرحيم». ثم تتالت اللقاءات مع النواب من الرؤساء السابقين، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، فالكتل النيابية ثم النواب.

اختاروا السنيورة «لنتلاقى ونبلسم الجراح»

وبعد تسمية كتلة المستقبل للسنيورة، رأى النائب سعد الحريري أن هذه التسمية ليست «لتحدي أي شخص»، معتبراً أن «هناك فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة»، و«لنتلاقى ونبلسم الجراح». وقال: «نحن في مرحلة تأسيسية، فيها مصالحة، ولا بد أن تبدأ بالرئيس السنيورة». وأكد النية على تنفيذ اتفاق الدوحة، والتعاون مع رئيس الجمهورية «بكل ما للكلمة من معنى، وفي كل طلب أو خطوة». وأضاف: «وسنكون متعاونين أكبر التعاون في تشكيل الحكومة». وعلق على عدم تسمية كتلة بري لأحد، بالقول: «لكنهم سيتعاونون، إن شاء الله، وهذا ما سمعته».
كما سمّته كتلة اللقاء الديموقراطي الذي أبدى رئيسها النائب وليد جنبلاط، الاستعداد «لتقديم المساعدة في أي مجال لإنجاح عهد الرئيس سليمان». ورغم تمنيه «أن نستطيع تسمية الشيخ سعد الحريري»، قال الوزير محمد الصفدي، إن نواب التكتل الطرابلسي التزموا مرشح قوى 14 آذار، ونفى أن يكون قد طرح نفسه مرشحاً لرئاسة الحكومة خلال اجتماع هذه القوى. أما مكاري فبارك زيارته لبعبدا التي لم يزرها «منذ خمسة أعوام»، مشيداً بالسنيورة الذي «أثبت بجدارة، لبنانيته ومقدرته على مجابهة الصعوبات وبالنفس الطويل»، معتبراً أن الحريري «قادر جداً» على ترؤس الحكومة، «ولكن لديه انشغالاته».
أيضاً أعربت النائبة ستريدا جعجع، بعد تسمية كتلة القوات اللبنانية للسنيورة، عن سعادتها «لأننا اليوم في القصر الجمهوري، وأخيراً أصبح لدينا رئيس على سدة المسؤولية». كما سماه النواب سمير فرنجية وصولانج الجميل ومصباح الأحدب وروبير غانم، الذي أبدى فرحته «لأنه أصبح عندنا رئيس للجمهورية، وقصر بعبدا عاد يؤدي دوره»، وجواد بولس الذي وصف السنيورة بأنه «من حماة الجمهورية».
و«طبعاً» سمّت الوزيرة نايلة معوض السنيورة، لأنه «برهن أنه رجل الدولة والمؤسسات»، معتبرة أنه «سينجح في رسالته، وكلنا سندعمه». كما سماه النائب بطرس حرب، مطالباً بحكومة منسجمة و«متفقة على برنامج عمل يحقق للبنانيين طموحاتهم وأحلامهم». وأمل النائب إلياس عطا الله «أن يكون رئيساً توافقياً وليس تحدياً لأحد». كما تمنى النائب غسان تويني أن يأتي السنيورة «كرئيس جديد وليس كاستمرار للأزمة السياسية». وانضم النائب ميشال المر إلى الأكثرية، بتسمية مرشحها.

امتنعوا عن التسمية لتفضيلهم التوافق

وفيما رفض الرئيس حسين الحسيني كشف اسم مرشحه، امتنعت عن التسمية كتلة التنمية والتحرير التي قال النائب أنور الخليل إنها «لم تسمِّ تكليفاً، لكنها ستشارك تأليفاً»، وكتلة الوفاء للمقاومة التي تحدث باسمها النائب محمد رعد، معتبراً «أن المرشح لحكومة الوحدة الوطنية يجب أن يتمتع بمواصفات تعكس هذا العنوان، أي الالتزام بالعهود والصدق في الأداء، بعيداً عن النكد والكيدية والحرص على سلاح المقاومة والاستقلال الحقيقي للبنان ورفض الوصاية الأجنبية، وهذه عناوين لازمة لحكومة الوحدة الوطنية». وقال إن اللبنانيين «تواقون إلى شخصية تحدث صدمة إيجابية تريحهم مع إطلالة هذا العهد الجديد».
كما امتنعت عن التسمية كتلة نواب الأرمن، وذلك، كما قال النائب آغوب بقرادونيان «احتراماً لقرار الأكثرية الذي لا نوافق عليه، لأننا كنا نفضِّل أن يكون هناك توافق على رئيس الحكومة»، وأشار إلى المطالبة «بتنفيذ بنود اتفاق الطائف بحكومة ثلاثينية وبتمثيل الطائفة الأرمنية بوزيرين». وامتنعت أيضاً كتلة الحزب القومي، التي قال باسمها النائب أسعد حردان إنها أصيبت بخيبة أمل لأنها كانت تأمل «تكليف رئيس حكومة توافقي حتى تلتقي المؤسسات في إطار توافقي وينهض البلدومن النواب الذين لم يسموا أحداً، نادر سكر الذي تمنى «لو سمّت الأكثرية أحداً من صفوفها مقبولاً من المعارضة لتكريس جو الإجماع وإرساء مناخ جديد للخروج من الوضع المأزوم الذي نعيشه». وبرر مصطفى علي حسين امتناعه عن التسمية، بتغييب الطائفة العلوية عن مؤتمر الدوحة وعن المشاركة في الحكومة. ورأى أسامة سعد أن ترشيح السنيورة «يعني ترحيل الأزمة إلى العهد الجديد، والغالبية تتحمل المسؤولية في ذلك، ولسان حالها يقول: يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة، ولسان حالنا يقول: من ابتغاء الخير اتقاء الشر».

الصفدي وطبارة والصلح: 3 أسماء توافقية

وتميز تكتل التغيير والإصلاح والكتلة الشعبية بطرح ثلاثة أسماء توافقية: الصفدي أو الوزيرة السابقة ليلى الصلح أو النائب بهيج طبارة. وقال النائب ميشال عون: «نحن في بداية عهد توافق، وانطلاقاً منه اعتبرنا أن رئيس الحكومة يجب أن يكون توافقياً، وبما أن هذا الأمر لم يتمّ حتى الآن، ولم يتمّ التفاهم على اسم رئيس الحكومة التوافقي، طرحنا ثلاثة أسماء توافقية»، عازياً طرح 3 أسماء إلى الليونة وترك «إمكان الخيار للفريق الآخر». وقال إن ترشيح السنيورة «استمرار للماضي وعنوان للخلاف، وليس عنواناً للوفاق الذي يجب على العهد الجديد أن يبدأ به»، مستنتجاً من بعض التصريحات «أن الموالاة تبدأ معركة حرب، لا معركة لبناء لبنان الجديد مع الرئيس الجديد». ومع تأكيد إصراره على المشاركة في الحكم، وقبوله بقرار الأكثرية ترشيح السنيورة، قال: «نعلن أنفسنا معارضة ضمن الحكم وداخل الحكومة». ومن مبدئه «الوفاقي الدائم»، سمى النائب بيار دكاش، طبارة، مشيراً إلى تأييده أيضاً لليلى الصلح.
أما طبارة فتميز أيضاً بتسمية الحريري، لأنه «رئيس أكبر كتلة نيابية، من المفروض أن يتولى رئاسة الحكومة»، مشيراً إلى بدء عهد جديد «وكما حصل فخامة الرئيس على تأييد واسع، كان من المفروض أن يتمتع رئيس الحكومة بالتأييد الواسع نفسه». وإذ شكر الذين سموه، قال إنه مرتاح في المكان الذي هو فيه «ومن الآن فصاعداً سأقوم بهذا الدور».
وفور انتهاء الاستشارات، عاد بري إلى بعبدا للتشاور مع سليمان الذي استدعى لاحقاً السنيورة وكلّفه رسمياً تأليف الحكومة الجديدة. ثم تلا الأخير بياناً أعرب فيه عن رضاه عن فترة حكمه السابقة «لأني قد أديت واجبي». وقال إنه يتطلع إلى المستقبل بأمل في تحقيق الانتقال من المصاعب والشدائد إلى الاستقرار والعمل البناء والتنافس الديموقراطي والحر، داعياً الجميع «إلى مراجعة الماضي لاستخلاص دروسه، لا للعودة إليه»، وإلى «المساهمة في بلسمة الجراح وتجاوز ما عرفناه من انقسامات وحملات ولجوء إلى العنف ومعالجة مشكلاتنا كلّها بروح تُعلي من شأن مصلحة الوطن والمواطنين وأمنهم واستقرارهم».
وشكر كل الذين منحوه ثقتهم «ووضعوا على كاهلي مسؤولية كبيرة»، كما شكر الذين لم يسموه «لأنهم شاركوا في هذه العملية الدستورية والديموقراطية»، مؤكداً العمل والتعاون لتأليف «حكومة كل لبنان، كما اتفق عليه في الدوحة، حكومة الوحدة الوطنية، وتثبيت العيش المشترك وترسيخ السلم الأهلي، الذي اهتز وكاد اهتزازه أن يهدد بقاء وطننا وتماسك مجتمعه». ودعا إلى التمسك باتفاق الدوحة والعمل «لتطبيقه والدفاع عنه بكامله».
ولم ينسَ الدعوة إلى تطوير العلاقات «مع الشقيقة سوريا لكي تصبح هذه العلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والندية»، وصولاً إلى «تطبيق القرارات الدولية التي صدرت لحماية حقوقنا واسترداد أرضنا المحتلة في مزارع شبعا»، داعياً إلى تطبيق النقاط السبع والقرار 1701 بكامله، ومقررات باريس 3، وقال إن توجهات رئيس الجمهورية «التي أعلن تمسكه بها في خطاب القسم، هي مثل مبادئي وتوجهاتي». وتحدث عن إعمار الضاحية والجنوب وإقفال ملف عودة المهجرين، وإعادة إعمار مخيم نهر البارد، وتعزيز بناء الجيش والقوى الأمنية. وختم متوجهاً إلى اللبنانيين «من كل الأطراف والاتجاهات، بروح طيبة ومنفتحة»، معلناً مد يده «للتعاون والتناصر كي يحقق بلدنا تقدماً يستحقه»، وداعياً إلى تنظيم الاختلاف من ضمن المؤسسات الدستورية والتقاليد الديموقراطية.
ومن قصر بعبدا، توجه السنيورة إلى ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة، وهو الأمر الذي فعله نهاراً الحريري وأعضاء كتلة المستقبل. ومساء أمس أعلنت الأمانة العامة لمجلس النواب أن السنيورة سيجري يومي الجمعة والسبت في المجلس استشاراته النيابية لتأليف الحكومة العتيدة.
وبعد التكليف، دعت كتلة الوفاء للمقاومة، السنيورة، إلى الالتزام بتأليف حكومة وحدة وطنية «تحظى فيها المعارضة بأحد عشر مقعداً وزارياً»، وأكدت تصميم كل قوى المعارضة على المشاركة بفعالية في هذه الحكومة «لمتابعة كل القضايا والملفات التي تهم المواطنين وتحمي سيادة الوطن واستقلاله»، وذلك «أياً يكن الرئيس المكلّف، وبالغاً ما بلغت السلبية لدى فريق الموالاة الذي لم يعكس في ترشيحه للسيد السنيورة استعداداً جدّياً لفتح صفحة جديدة والتزام العمل الوطني المشترك».
وبالتزامن مع الاستشارات في بعبدا، تنقلت القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون، بين قريطم وكليمنصو وبكركي ومعراب، ونقل عنها المكتب الإعلامي لرئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، سرورها بـ«عودة الحياة إلى قصر بعبدا»، وأن بلادها «ترى أن ثمة فرصة جديدة للبنان».

مواقف من الترشيح وخطاب نصر الله

كما في الاستشارات، تباينت المواقف من ترشيح السنيورة، فاعتبر الرئيس أمين الجميل أن تعيينه «موقف ينسجم مع ما اتفق عليه في قطر، على أساس أن الأكثرية هي التي تسمي المرشح»، وقال إنه لا فرق بين السنيورة والحريري «لأنهما من الفريق السياسي نفسه». ورأى إيجابيات في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، «لكن لدينا ملاحظات على النبرة والمواقف».
وكشف الرئيس عمر كرامي، بعد لقائه الوزير السابق كرم كرم والأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، ووفداً من المؤتمر الشعبي برئاسة كمال شاتيلا زار أيضاً الرئيس سليم الحص، أن ترشيح السنيورة «كان صدمة كبيرة» للمعارضة، لكنه رأى أن السنيورة بوجود الثلث الضامن «لن يكون مطلق اليدين»، آملاً، في ظل حالة التشنج، أن «تكون هناك مرونة وتفهم للبحث في كل القضايا، وخصوصاً الأساسية والشائكة، بروح التعاون، من أجل اتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العامة وتؤمن الاستقرار». وقال حدادة إن السنيورة «عائد ليتوج دورة إعادة الأزمة في البلد إلى حالتها المستمرة»، معلناً أن الحزب ينتظر تأليف الحكومة لإثارة الملف الاقتصادي الاجتماعي، وبدء التصدي لإمرار مشروع قانون 1960. ورأى شاتيلا أن ترشيح السنيورة «يدل على أن قوى 14 آذار لا تريد الحل ولا التوافق، وتتعاطى بطريقة كيدية».
وفي اللقاءات أمس، زار وفد من حزب الله، النائب السابق عدنان عرقجي وأحمد طبارة، وجرى التركيز «على ضرورة الاهتمام ببيروت بعد الحوادث الأخيرة، وعودة الأمور إلى سابق عهدها لتكون عاصمة العروبة والمقاومة». كما التقى أمين سر شبيبة جورج حاوي رافي مادايان، وفداً من الحزب الديموقراطي اللبناني، واتفقا على دعوة الرئيس الجديد إلى «رعاية حوار وطني في بعبدا يكرس الشراكة في الحكم، وتبني البنود الإصلاحية الواردة في الدستور، ويحصن المقاومة كاستراتيجية دفاعية وكمكوِّن أساسي للهوية اللبنانية».