راجانا حاميةحفاظاً على ما أنقذه نوح في سفينته من تنوّعٍ*، انطلق مركز «إبصار» في الجامعة الأميركيّة في بيروت «AUB»، في مسيرة «بيولوجيّة» حملت عنوان «إبداع»، وطرحت قضايا كثيرة منها بيئية وأخرى تعليميّة وثالثة توعويّة. لكنْ ثمة دافعان أساسيان وراء هذا النشاط، أولهما إشراك الطلّاب في مسيرة الحفاظ على التنوّع، وفق اختصاصات واهتمامات كلّ منهم. أمّا الثاني، فهو توفير التمويل والترويج لمشاريع الطلاب من خلال التواصل مع بعض المؤسسات الصناعية أو التمويليّة. وفي هذا الإطار، يوضح منسق النشاط، سامر توتونجي «أنّ 4 مُنتجات استطاعت الحصول على التمويل حتى الآن».
فقد حاول طلّاب عشرة فروع في الجامعة الأميركية، (علوم الحياة، الكيمياء، الصحّة البيئيّة، إدارة الأعمال، التسويق، الفنون الجميلة، التصميم والتجارة)، إرشاد الشباب والمعنيين بالبيئة والصناعيين إلى فوائد النباتات وأهمّية المحافظة عليها من أجل بقاء التنوّع، فقاموا بمحاولات جادة، بحيث «أبدع» الطلّاب، إضافةً إلى تبيان فوائد التنوع، في ابتكار منتجات غير تقليدية انطلاقاً من نباتات محلية من شأنها المساهمة في تطوير وتشجيع الإنتاج المحلّي.
كان الخرّوب «بطل إبداع» لهذا العام، حيث استعان الطلّاب بالكثير من موادّ هذه النبتة في مشروعاتهم، إذ استخدم أحمد دمج ومازن يونس عصير الخرّوب في صناعة الجبن، لما يحويه من «التانين» ـ «tannins»، أو «المغص» في اللغة العربيّة، وهي مادّة قلويّة تُستخدم في تخثّر الحليب لإنتاج الأجبان. ومن «tannins» أيضاً، كريم للحلاقة يُستخدم لحماية الوجه من الأمراض الناجمة عن الأشعة ما فوق البنفسجية والإشعاعات المنبعثة من الشمس.
ومن بين تلك الاستخدامات أيضاً، ما قام به الطالبان في كلية الكيمياء، عارف داعوق ومحمّد صيداني، بالتعاون مع الدكتورة نجاة صليبا، ضمن مشروع «حلويات كيمياء 206»، بحيث اقترحوا استبدال «مادّة السكّر التقليديّة المستخرجة من القصب بسكّر الخرّوب الطبيعي واستعمالها في الحلويات العربيّة». فسكّر الخرّوب يتميز، كما يشرح الطالبان، «بأنه يخفّف من أخطار التعرض لمرض السكّري، كما يخفّف مستوى عامل LDL في أجساد من يعانون الكوليستيرول بمعدّلات عاليّة، والمهيَّئين للإصابة بهذا المرض، إضافةً إلى ذلك، فهو يتضمّن مركّبات تسمّى «Cyclitols» التي تمنع البكتيريا والكائنات الدقيقة من النمو، وتستبدلها بمواد حافظة طبيعية في الجسم.
وللشعر أيضاً ابتكارات، سعى من خلالها مارك فرّان إلى البحث في أميركا اللاتينيّة عن شجرة يستعان بزيوتها من أجل صنع مُستحضَر يمنع تساقطه. لكن من لا يملك زيت تلك الشجرة اللاتينيّة، بإمكانه الاستعانة بالصبّار البرّي للحصول على النتيجة عينها، أو للحصول على مثبّت للشعر من صمغ الصبّار والماء وبعض الأملاح المعدنيّة.
ومن صمغ الصبّار أيضاً، حضّرت ريم الأسعد وستيفاني حكيميان مثلّجات «مضادّة لمرض السكّري والكولسترول، بحيث تخفض من مستويات السكّر في الدم، إضافة إلى دورها في خفض الوزن».
ولأنّنا «من التراب وإلى التراب نعود»، فقد كان للتراب أيضاً دور رئيسي في الحفاظ على البيئة، بحيث ابتكر طلّاب صف «السيراميك» أواني وبخوراً من التراب. غير أنّ اللافت ليس في تصنيع هذه المواد، بقدر اهتمامهم بمقولة إنّ «هذه المواد وإن تُلفت، فلن تستغرق وقتاً كبيراً لتتحلّل...ستعود إلى التراب».
وبعيداً عن الابتكارات، عمد طلّاب آخرون إلى التركيز على فوائد بعض المنتجات والنباتات التي نصادفها في حياتنا اليوميّة، من مثل ذلك الرمّان. فمن منّا يعرف أنّ قشور الرمّان وبذورها تسهم في مكافحة الأورام الخبيثة؟ هذا ما توصّل إليه الطالبان محمد ناصر وحسين أبو غدّار، استناداً إلى دراسات عمليّة، من أنّ «مادة البوليفينول «polyphenols» الموجودة في القشرة الداخليّة للرمّان وفي البذور أيضاً، وهي مجموعة من المواد الكيميائية الموجودة في النباتات، تسهم في مكافحة الخلايا السرطانية. كما أنّ المادة نفسها الموجودة في عصائر الرمّان المخمرة تسهم في مواجهة عوارض سرطان الثدي. ولا تنحصر استخدامات الرمّان هنا، إذ انتشرت في الطبّ القديم مقولة «كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة»، فقلفه الأبيض الذي هو الطبقة البيضاء بين البذور يحتوي على مادة قابضة ومضادة للحموضة، وثبت علمياً أنه يساعد على شفاء قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر.
أمّا الزيتون، وبعيداً عمّا نعرف عن غناه بالفيتامينات الأساسيّة المساعدة على تليين الشرايين من جهة، وإنتاج الصابون والعطور من جهةٍ أخرى، فقد أصبح لبقاياه الدور الأبرز في الوقت الحالي، فإضافة إلى استخدامها علفاً للحيوانات، تتحضّر بعض الدول العربية كالأردن مثلاً لإنتاج مادّة الفيول منها التي تستخدم وقوداً لتدفئة المنازل وتشغيل الأفران...وربّما السيارات في وقتٍ لاحق.
* راجع الأخبار، عدد الجمعة 23/5/2008