مزرعة حلتا ــ عساف أبو رحالويرى الأهالي أن الهم واحد، والعدو واحد هو إسرائيل، والمأساة واحدة لدى عوائل الشهداء والجرحى، لكنها تختلف في بعض مضامينها، نسبة لعمق النزف ومكمن الخلل الذي حل بهذه العائلة أو تلك، محدثاً فراغاً يصعب ملؤه، وخصوصاً مع غياب الرعاية والدعم الرسميين. وعند أقدام مرتفعات العرقوب، كانت مزرعة حلتا منذ ستينيات القرن الماضي، مسرحاً للعمليات العسكرية، بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال التي سوّت منازل المزرعة بالأرض في عام 1969، بعد توغّل برّي وعملية إنزال جوي، أراد الاحتلال من خلالها طرد المقاومين وتدمير بناهم التحتية، هذه المعارك استشهد فيها المواطن حسين قاسم شبلي الذي كان منخرطاً في العمل الفدائي الفلسطيني، حيث استطاع قتل عدد من الجنود الإسرائيليين قبل استشهاده.

ابن الشهيد ... والد شهيد

حكاية آل شبلي مع الاحتلال قديمة، بدأت باستشهاد الوالد. علي شبلي هو ابن الشهيد حسين شبلي، متزوّج له ستة أولاد، هم نتاج زواجه من يسرى عبد العال التي تخالها في الستين من العمر بينما هي لا تتجاوز الأربعين عاماً. تجددت قصة العائلة مع الاحتلال منذ نحو سنة تقريباً، حيث سقط أحد أبنائها (رامي 13 عاماً) شهيداً إثر انفجار لغم أرضي خلال رعيه قطيعاً من الماعز في خراج البلدة، كما أصيب شقيقه خضر (15 عاماً) إصابات بليغة. وتقول يسرى ربة العائلة: «مصابنا كبير، منذ أكثر من سنة، ونحن نعيش معاناة أليمة، فقدت ولدي رامي، وجرح شقيقه خضر، بانفجار لغم أرضي من مخلّفات الاحتلال، وأثناء مراسم الدفن تلقينا خبراً بضرورة نقل خضر من مستشفى مرجعيون إلى مستشفى آخر لخطورة إصابته. أجريت له ست عمليات جراحية، يعاني مفاعيلها حتى الآن رغم شفائه، يتابع تعليمه في مدرسة حلتا الرسمية، لكنه يخشى مقابلة الصحافيين ويتهرب منهم، ويزعجه الوقوف أمام الكاميرا، حلمه امتلاك جهاز كمبيوتر، ولكن يا حسرة، العين بصيرة واليد قصيرة. وقالت: مأساتنا لم تتوقف عند هذا الحد بل تخطّته مصوّبة سهامها إلى رب العائلة علي شبلي الذي وقع في شرك الألغام قرب البلدة وبترت رجله اليمنى ليصبح مقعداً عاجزاً عن العمل، تاركاً أفراد العائلة يصارعون من أجل البقاء وتأمين لقمة العيش».
يسرى التي أرهقها التعب وأضنى جسدها النحيل، وجعلها تعيش واقعاً مريراً، بعد فقدان ابنها وجرح الآخر، وجدت نفسها الأم والأب، تصارع من أجل البقاء مضطرّة لأن تخرج من المنزل خلف القطيع برفقة ولدها الثالث حسين، تسير أمامه خوفاً من وجود ألغام لتكون هي الضحية بدلاً منه، وتنتقل للعمل ليلاً «خبازة» في المنازل من السادسة مساءً حتى منتصف الليل لتأمين ثمن كيس من الطحين يسد حاجات العائلة التي لم تعرف المساعدات حتى الساعة.
قدر هذه العائلة، ليس الأول ولا الأخير في المناطق الجنوبية، فآلة القتل الإسرائيلية المدفونة تحت التراب، تمثّل احتلالاً غير مباشر لمساحات من الأراضي، والطريف في الأمر أن البطالة والعوز دفعا بأحد أبناء المزرعة للعمل في إزالة القنابل العنقودية من الحقول والبساتين مقابل ألف ليرة لكل قنبلة، لكن الأجهزة الأمنية منعته من ذلك حفاظاً على سلامته، وعمّمت على الأهالي عدم استدعائه والاستعانة بخبراته العسكرية المتواضعة.