أي مصير ينتظر عهد الرئيس الرقم 12 فـي الجمهورية الثالثة؟أنطون الخوري حرب

كان بشارة الخوري رئيس الجمهورية الاستقلالي الأول بعد تعديل الدستور وإنهاء الانتداب الفرنسي، ورغم وجوده على رأس الكتلة الدستورية، فإن انتصاره على الفرنسيين في وجه إميل إده أَلْحَقَ الإحراج بالأخير وأمّن شبه الإجماع اللبناني للأول.
إلا أن انتخابات 1947 بقانونها حينذاك أنهكت الخوري وعهده، وكانت وراء اقتناع معظم الأطراف السياسيين بضرورة رحيله رغم تجديد ولايته الرئاسية عبر كتلة نيابية غالبة وملتزمة، لم تلبث أن انضمت إلى عملية الضغط عليه ليستقيل.
أمّنت حكومة اللواء فؤاد شهاب الانتقالية انتقال الرئاسة إلى كميل شمعون، وهو «فتى العروبة الأغرّ» وفتى التألّق السياسي لدى مسيحيي لبنان وحليف الطوائف الأخرى.
لكن حلف بغداد والمدّ الناصري كانت لهما تداعياتهما على العهد الشمعوني، فانحشر صاحبه بين ثلاثة هموم: همّ طمأنة المسيحيين حيال الاستنهاض الناصري للشارع اللبناني المسلم الذي هدّد لبنان بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بالدخول إلى حلبة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي المباشر، والذي أدّى إلى تعاظم الدور والنفوذ الإسلاميين في لبنان، والثاني صعوبة إدخال لبنان في فلك حلف بغداد، والثالث همّ تجديد الولاية لفترة ثانية.
لكن تضعضع شمعون على هذه المحاور الثلاثة، فضلاً عن أصابع الاستخبارات الناصرية ـــــ السورية، أنتج «ثورة» عام 1958. ورغم التزام الأطراف المسيحيين الكبار الدفاع عن الرئيس، كحزب الكتائب، إلا أن الموارنة ما لبثوا أن وافقوا على رحيله لمصلحة فؤاد شهاب بشبه إجماع على رحيل الأول ووصول الثاني، وأصبحت الكتائب حزب العهد الشهابي الأول.
وتحوّل شمعون من فتى العروبة الأغرّ إلى البطرك الماروني الأمرّ واستمر العهد الشهابي طوال ولايتين متتاليتين كان على رأس الثانية شارل حلو، إلا أن سلوك المكتب الثاني في التعامل مع الطبقة السياسية متلازماً مع تفاقم النفوذ الفلسطيني، شكّلا مواد صالحة للانقضاض على العهد الشهابي الذي أجمع الحلف الثلاثي على إنهائه لمصلحة سليمان فرنجية، لكنّ الرؤساء الشهابيين شكّلوا الاستثناءات الفريدة بكسر معادلة الإجماع على رحيلهم كأشخاص وإن لم يتمكن النهج الشهابي من كسر هذه المعادلة.
أما عهد فرنجية الذي بدأ بشبه إجماع لبناني على وصوله، فقد أدت التحضيرات العسكرية لمختلف الأطراف اللبنانيين فيه إلى تفجير الحرب الأهلية قبل انقضاء مدة ولايته التي ختمها بالانحياز الكامل إلى الجبهة اللبنانية، وأنهاها قبل أوانها ميدانياً بخروجه من القصر الجمهوري ودستورياً بانتخاب إلياس سركيس قبل ستة أشهر من انتهاء مدته.
لكن الفترة الفاصلة بين عهدي سركيس والجميل شهدت الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي نتج منه وصول بشير الجميل إلى الرئاسة وسط انقسام لبناني حوله، لكنه اغتيل قبل تسلّم مهامه فبقي الجوّ الانقسامي ذاته، ثم تبدّل قليلاً مع وصول شقيقه أمين، قبل أن يعود ليصبح أكثر حدّة مع أحداث 17 أيار وما تلاها من حروب في الجبل وانتفاضات دموية داخل «المنطقة الشرقية».
ومع اغتيال الرئيس رشيد كرامي وتعثر مشروع الجميل في التمديد لنفسه وتأمين انتقال الرئاسة إلى خلف له، خرج من الرئاسة بشبه إجماع ضده ووسط انقسام لبناني حول خلفه العماد ميشال عون الذي تشابه عهده مع الطلّة البشيرية لناحية وصوله وخروجه من بعبدا على وقع الانقسام السياسي الكبير رغم التأييد المسيحي الأكبر له.
وجاء عهد إلياس الهراوي، بعد انتخاب الرئيس رينيه معوض واغتياله، بشبه إجماع سياسي رسمي حول وصوله، وأمّنت له الوصاية السورية التمديد لولايته التي ترافق انتهاؤها مع تغيّر الظروف في الساحتين اللبنانية والسورية فرحل بشبه إجماع سياسي وشعبي ضده لمصلحة العماد إميل لحود الذي حصد عهده في بدايته كل ما افتقده عهد الهراوي من تأييد سياسي وشعبي في نهايته. لكن تبدّل الظروف الإقليمية والدولية الذي تجسّد في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 والتمديد للولاية اللحودية، نسف قوّة العهد وخلق نوعاً من التوافق على رحيل رئيسه من بعبدا، الذي غادرها وسط انقسام سياسي لم يصل إلى حد الإجماع على رحيله.
يضع انتخاب الرئيس ميشال سليمان اللبنانيين أمام الاحتمالات الآتية: إمّا أن يكسر القاعدة ويبدأ عهده وينهيه وسط الارتياح الشعبي الذي لاقى وصوله إلى الرئاسة بعد فترة مضنية من الصراع الداخلي والخارجي، وإمّا أن يقلّد مَن سبقوه بحصد الإجماع على رحيله، وإمّا أن يكون شهابياً أتى به الارتياح العام لتسوية مع مؤسسة الجيش بغية لعب الدور التحكيمي أو الدور الثالث، فلا ينتهي عهده بإجماع ضده أو معه، بل وسط الانقسام السياسي الذي رافق نهاية عهد سلفه.
وهو، بحكم آلية وصوله إلى الرئاسة، إمّا أن يحافظ على سلوكه التوافقي في العمل المستمرّ والمعقّد على التوفيق بين الأطراف المختلفين انسجاماً مع حجم النفوذ الضئيل الذي يملكه إن لناحية صلاحياته الدستورية أو نسبة إلى العدد القليل من الوزراء الذي يعود له في الحكومة، وإمّا أن يخوض غمار التنافس السياسي في الميدان المسيحي موحّداً أركانه ضده أو متحالفاً مع طرف ضد الطرف الآخر.
أمام هذا الواقع تكون خيارات الرئيس الجديد محددة بين الدور الرئاسي الرمزي والصراع مع السياسيين المسيحيين الذين سيستفيد منه خصومه في الطوائف الأخرى، فيكون سليمان قد رسم ملامح نهاية عهده منذ بدايته، فيتشابه خروجه من الرئاسة الأولى مع خروج سلفه منها، ويتحوّل حلفاء الرئيس اليوم إلى خصومه الأشداء في الغد.


العسكر والرئاسة

ـــ اللواء فؤاد شهاب (30/9/1952) رئيساً لحكومة انتقالية لمدة 12 يوماً دون تعديل دستوري انتخب في نهايتها كميل شمعون لرئاسة الجمهورية.
ـــ 23 أيار 1975: عيّن الرئيس سليمان فرنجية العميد أول المتقاعد نور الدين الرفاعي رئيساً للحكومة بعضوية قائد الجيش العماد إسكندر غانم لحقيبتي الدفاع والموارد المائية والكهربائية، واستمرت حتى 1/7/1975.
ـــ 11 آذار 1976 أعلن اللواء عزيز الأحدب قائد منطقة بيروت انقلاباً «تلفزيونياً» استمر ساعة واحدة.
ـــ في 23 أيلول 1988: عيّن الرئيس أمين الجميل قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية استمرت حتى 13/10/1990 ولكنها بقيت فارغة من التمثيل الإسلامي كما أن نفوذها لم يتعد المناطق الشرقية.