المعارضة تتوقّع انتقال الصدام إلى الحكومة وتحذّر من الالتفاف على اتفاق الدوحةبالرغم من الورود التي عاد بها من الرابية، توقّع رئيس الحكومة المكلف أن لا تكون مهمته سهلة، وخصوصاً أن لمعارضة ترى في تسميته تحدياً لها وتعارضاً مع أجواء الوفاق التي سادت مناقشات الدوحة. فهل يتجدد الصدام في بداية العهد الجديد؟
يبدأ رئيس الحكومة المكلف، فؤاد السنيورة، في ساحة النجمة اليوم استشاراته النيابية لتأليف حكومته الثانية، وهو كان قد جال أمس بروتوكولياً على رؤساء الحكومات السابقين، فزار تباعاً الرؤساء: أمين الحافظ، رشيد الصلح، سليم الحص، رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون، الرئيس عمر كرامي والرئيس نجيب ميقاتي.
واستمر اللقاء مع العماد عون 45 دقيقة، في حضور المسؤول عن العلاقات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ودار البحث حول نقاط عدة، وخصوصاً البيان الحكومي والاتجاهات التي ستعتمدها الحكومة المقبلة وكيفية تطبيق منطق الشراكة من دون التطرق إلى التشكيلة الحكومية.
وأثناء اللقاء، أعجب السنيورة بزهرة «فل»، فقدمها له باسيل قائلاً له: «هذا عهد الفل» (بكسر الفاء)، فاعترض السنيورة على هذه الكلمة فصحّح عون قائلاً: هذا عهد الفل (بضم الفاء) وقدم للسنيورة زهرة «غاردينيا».
ولدى مغادرته الرابية مبتسماً، وصف السنيورة اللقاء بـ«الجيد» والأجواء بـ«الإيجابية».
من جهته، قال الرئيس كرامي، بعد لقائه السنيورة: «تكلمنا عن الماضي والحاضر والمستقبل، وشرح لنا ما نعرفه وما لا نعرفه. وتبين من الكلام أن دولة الرئيس يمدّ يده للتعاون مع الجميع وسيتصدى لكل المشكلات بروح وفاقية وبتفهم من أجل إنقاذ هذا البلد وإخراجه من هذا الوضع الذي يتخبط فيه».
بدوره، وزع الرئيس الحص بياناً أشار فيه إلى أنه تمنى للرئيس السنيورة التوفيق في تأليف الحكومة وممارسة مهماتها، معتبراً أن انتخاب العماد ميشال سليمان في سدة رئاسة الجمهورية فاتحة خير وفسحة أمل متجددة لإخراج لبنان من حال التأزم السياسي التي عصفت به خلال السنوات الأخيرة، والتي لامست حدود تهديد وحدة الشعب والوطن إثر الحوادث الأخيرة المؤسفة.
وأهاب بجميع الأطراف «التعاون الجاد لإتاحة المجال أمام العهد الجديد المرتجى منه في ظروف عصيبة، مع الترفع فوق الحسابات الضيّقة وعدم وضع العصيّ في الدواليب رحمة بلبنان وشعبه الطيّب».
من ناحيته، أعلن الرئيس ميقاتي أنه قدم للرئيس السنيورة «كتاب مذكرات المندوب الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، يصف فيه الرئيس السنيورة بالمتصلب في الدفاع عن المقاومة اللبنانية في مرحلة المفاوضات التي سبقت إصدار القرار الدولي الرقم 1701». وقال: «عبرت لدولة الرئيس عن تهنئتي له على مواقفه وتمنيت له كل توفيق ونجاح، وأن نبدأ هذا العهد الجديد برئاسة الرئيس سليمان بحكومة تسعى حقيقة لما فيه خير لبنان». وقال: «كفانا مناكفات ومشاجرات، والمهم اليوم أن يكون الخطاب السياسي بنّاءً لبناء الدولة التي نتمناها جميعاً».
ونقل عن السنيورة أنه «لا يستهين في هذا الظرف بموضوع تأليف الحكومة وبإمكان وجود بعض العقبات».
وأجرى السنيورة سلسلة اتصالات هاتفية برؤساء الطوائف الروحية للتداول معهم في الأوضاع الراهنة والوقوف على ملاحظاتهم في هذه المرحلة.
كما تلقى اتصالات تهنئة بتكليفه تأليف الحكومة الجديدة من عدد من المسؤولين العرب.
وأجرى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني اتصالاً بالرئيس السنيورة، هنأه فيه بإعادة تكليفه تأليف الحكومة الجديدة، وتمنَّى له «التوفيق في تشكيل حكومة وطنية تعكس ارتياحاً لدى جميع اللبنانيين، والنجاح في المهام الوطنية والسياسية الملقاة على عاتقه وعاتق الحكومة الجديدة».
وتلقى السنيورة اتصالاً هاتفياً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي هنأته على إعادة انتخابه، وتمنت له النجاح في تأليف الحكومة الجديدة، مؤكدة «دعم الحكومة الألمانية في تنمية لبنان، وكذلك في تحقيق التزامات المجتمع الدولي تجاه بلاده».

تمثيل المعارضة البيروتية السنّيةوكان يكن قد رأى في تصريح له «أنّ لسنّة المعارضة في العاصمة بيروت الأولوية والأحقية في التمثيل الوزاري»، موضحاً أن «موقفنا هذا يستند إلى عدد من الأسباب، منها حرمان سنّة المعارضة في بيروت من التمثيل الوزاري، على الرغم من الثقل النوعي والزعامي الحقيقي الذي تحوزه، الخروج من دائرة حصرية التمثيل السنّي عموماً والبيروتي خصوصاً، ما يساعد على تنفيس الاحتقان السياسي، وعلى ترجمة المشاركة الحقيقية في المؤسسات الدستورية لكل القوى السياسية، سحب فتائل التفجير الأمني التي شهدتها العاصمة في أعقاب الحوادث الدموية الأخيرة والتي لا تزال تردداتها قائمة في العديد من أحياء بيروت».

تجديد الدعم الأميركي لسليمان

في غضون ذلك، تبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تهانئ وتمنيات رؤساء كبريات الدول له بالتوفيق في مهمته من سفرائها المعتمدين. وتلقى كذلك اتصالات وبرقيات عربية ومحلية.
وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس سليمان عميد السلك الدبلوماسي في لبنان، السفير البابوي المونسنيور لويجي غاتي، الذي نقل إليه تمنيات البابا بنيدكتوس السادس عشر له «بالتوفيق في مهمته الوطنية ولا سيما لجهة المحافظة على دور لبنان المميز في محيطه والعالم كوطن الرسالة والتعايش بين مختلف الطوائف والحضارات».
كما نقلت القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون إلى سليمان تهانئ الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، مؤكدة دعم الولايات المتحدة «للمواقف التي عبر عنها في خطاب القسم والتي تعكس آمال اللبنانيين في تجاوز وطنهم الظروف الصعبة التي مر بها».
وقد حمّل الرئيس سليمان سيسون تحياته إلى الرئيس بوش الذي كان قد أجرى اتصالاً هاتفياً به قبل أيام، متطلعاً إلى أهمية استمرار التعاون بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية في مختلف المجالات.
وبعد اللقاء، ذكّرت سيسون بدعوة الرئيس بوش للرئيس سليمان لزيارة واشنطن، وأشارت إلى «أن الولايات المتحدة تعمل بجهد من أجل تقوية الجيش اللبناني».
وفي المواقف من الموضوع الحكومي، تمنى رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري «أن تكون المعارضة تسعى إلى تشكيل حكومة في أسرع وقت». وقال في مقابلة مع إذاعة «بي.بي.سي» العربية: «نحن نريد أن نبدأ مصالحة في العهد الجديد، واختيار الرئيس السنيورة يمكن أن يكون بداية هذه المصالحة، ويفترض أن تظهر النيات الحقيقية لكل الأطراف بالنسبة إلى تشكيل الحكومة، وهذا ما نسعى إليه». ولفت إلى «أن الاتصالات الجارية مع المعارضة تشير إلى أنهم مستعدون لتسهيل الأمور»، نافياً «أن تكون هناك اتصالات مباشرة مع «حزب الله»، وأوضح «هناك اتصالات غير مباشرة مع الحزب، ولكنّ هناك تواصلاً مع الرئيس نبيه بري، وهذا سيبلور مصالحة في مكان ما في النهاية» و«أجواؤنا وأجواؤهم إيجابية»، متمنياً لو كان خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الأخير «أهدأ».
وأشار إلى «أن إظهار النيات ليس من جهتهم فقط، وإنما من جهتنا أيضاً، لأن الحكومة سنشكلها معاً، ويجب أن يكون إظهار النيات من الطرفين معاً». ولفت إلى أنه اجتمع إلى موفد الرئيس نبيه بري، النائب علي حسن خليل، وكان كل كلامه أنهم «مستعدون لتسهيل الأمور لتشكيل الحكومة».
وكان الحريري قد عرض التطورات السياسية مع السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة.
من جهته، تمنى رئيس حزب الكتائب أمين الجميل بعد لقائه سيسون أن يكون هناك تعاون من كل الأطراف في تأليف الحكومة، معتبراً أنه «لا يفترض أن يكون ثمة إشكال حول توزيع الحقائب ما دامت ستوزع بإنصاف».
وفي حديث إلى «التلفزيون السوري»، رأى الجميل أن انتخاب العماد سليمان «فتح أفقاً جديداً بالنسبة إلى السياسة الداخلية اللبنانية والسياسة العربية»، وقال: «نحن في الوقت الحاضر نطوي صفحة الماضي الأليم لفتح صفحة نأمل أن تكون مشرقة، فيستقر لبنان ويستعيد عافيته، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالتواصل بين مختلف القيادات اللبنانية، وبين مختلف الأشقاء العرب ولا سيما سوريا»، وهذه هي رسالة لبنان (...) فكل ما نريده هو تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا وتنقيتها وطيّ صفحة الماضي الأليم، وإرساء علاقات بين البلدين تتميز بالودّ والندية».
وعن قراءته لحضور وزير الخارجية السوري وليد المعلم جلسة الانتخاب، أكد الجميل «أننا نطمح إلى طيّ صفحة الماضي (...) ووجود الصديق الوزير المعلم كان تعبيراً عن هذه الرغبة المشتركة من أجل فتح صفحة جديدة».
في المقابل، رأى النائب نبيل نقولا أن الوضع داخل الحكومة سيكون تصادمياً ولن يستفيد الشعب اللبناني من جراء ذلك بأي شيء، لافتاً إلى أن شخصاً كالرئيس السنيورة يجب أن نطلب منه كشف حساب، وقال إن تعيينه «تحدّ وإعلان حرب من قبل فريق الموالاة».
ورأى أن هناك عملية انقلاب على اتفاق الدوحة، كاشفاً أنه طلب من أمير قطر إعادة تصحيح الأمور والتدخل لكي لا يكون السنيورة رئيساً للحكومة من جديد. فيما دعا النائب إبراهيم كنعان رئيس الجمهورية إلى ممارسة دوره كاملاً كحكَم بين اللبنانيين من خلال الاستشارات النيابية، مؤكداً أن الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية ملزمة بإجرائها لا بنتائجها المجردة.
ورأت لجنة المتابعة للقاء الأحزاب والقوى والشخصيات اللبنانية ــــ قوى المعارضة أن تسمية الرئيس السنيورة لتأليف الحكومة الجديدة «مؤشر سلبي لا يعكس روحية الاتفاق الذي تم في الدوحة، ويتعارض مع أجواء الوفاق التي سادت النقاشات هناك»، وشددت «بالرغم من إصرار الموالاة على تسمية الرئيس السنيورة استجابة للتدخل الأميركي السعودي الواضح»، على ضرورة الالتزام بتنفيذ اتفاق الدوحة لناحية تشكيل الحكومة على أساس إعطاء المعارضة الثلث الضامن، ومن ثم إقرار قانون الانتخاب، وتحذر «من أي محاولة للالتفاف على ما تم الاتفاق عليه في الدوحة».
ونبّه رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد من محاولات تقويض اتفاق الدوحة، مؤكداً أن أي تخريب سيتحمل فريق 14 آذار مسؤوليته على الأرض، مشدّداً على ضرورة حماية الملفات الوطنية الكبرى من سلوك قوى 14 آذار.
بدوره، أكد رئيس الحزب الديموقراطي طلال أرسلان بعد لقائه ممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، عباس زكي، أن طرح المعارضة واحد وسنطرحه «هذه المرة على طاولة مجلس الوزراء وهذا أمر لا يقبل المساومة ولا التفاوض ولا الأخذ والعطاء». ورأى أنه «كان أفضل بكثير ولمصلحة الأكثرية النيابية أن يطلّوا بوجه جديد، لكن ما العمل إذا كان العمى قد أعمى قلوبهم».
وعزا رئيس تيار التوحيد اللبناني، وئام وهاب، بعد زيارته رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، إعادة تكليف السنيورة إلى قرار سعودي باستمرار الاشتباك في لبنان، لافتاً إلى أن «الحكومة الجديدة ستشهد الكثير من الصراعات».
ورأى مجلس العمد في الحزب السوري القومي الاجتماعي أن حالة الارتياح العام التي تركها انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية «قد جرى إضعافها من قبل فريق 14 شباط بتسمية فؤاد السنيورة لرئاسة الحكومة».
من جهة أخرى، أوضح الرئيس إميل لحود أنه تعمّد عدم حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأنه يعتبر «أن الحكومة التي كانت موجودة غير شرعية». وأشار إلى أنه فوجئ بحديث الرئيس السنيورة عن النقاط السبع بعد تكليفه، مؤكداً أنه لم يحصل توافق على كل البنود.
وعلى صعيد آخر، أكد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، في مقابلة تلفزيونية، «أننا حاضرون للتفاوض على موضوع دور المقاومة وسلاح المقاومة وكل ما يرتبط بها في إطار حكومة وحدة وطنية، وفي إطار حوار وطني، من أجل أن نرى ما هو الأصلح للبنان». وقال: «نحن موافقون على أن يكون هناك استراتيجية دفاعية تجعل جيشنا الوطني قادراً على حماية لبنان، وتمنع إسرائيل من أن تعتدي عليه، عندها يكون حل السلاح كجزء من هذه الاستراتيجية الدفاعية»، مؤكداً أن «حزب الله مقاومة دفاعية ولم يكن يوماً هجومياً». ووصف اتفاق الدوحة بأنه إنجاز كبير جداً لمصلحة لبنان.

ترحيب سوري بتوافق اللبنانيّين

إلى ذلك، رأى وزير الدفاع السوري العماد حسن توركماني في حفل لتخريج دورَتي قيادة وأركان في الجيش السوري أمس، أن اتفاق الدوحة بين اللبنانيين «أسقط رهانات أصحاب المشروع الأميركي الإسرائيلي».
وشدد على أن «الأزمة اللبنانية منذ البداية كانت أزمة لبنانية لا يحلّها إلا اللبنانيون أنفسهم، وأي دور في هذه الأزمة يجب أن يكون عربياً أولاً وتوفيقياً ثانياً لمساعدة اللبنانيين على الخروج من المأزق».
وأضاف «ما فعلته قطر الشقيقة بالتنسيق مع القيادة في سوريا أسقط رهانات أصحاب المشروع الأميركي الإسرائيلي الذي يعاني من أزمة عميقة تنبئ باقتراب فشله الكامل في المنطقة».
وعبّر توركماني عن «ترحيب سوريا وسعادتها بالتوافق بين الأشقّاء اللبنانيين لأن استقرار لبنان ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة».