أعدت وزارة التربية والتعليم العالي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دراسة عن «التربية والمواطنة» على عيِّنة من تلامذة الصف التاسع أساسي (البريفيه). وتشمل الدراسة 3111 تلميذاً في 113 مدرسة تمثل المجتمع اللبناني بكل مناطقه وفئاته وشرائحه الاجتماعية، من ضمن برنامج يشمل 28 دولة في العالم
فاتن الحاج

وافق 75 في المئة من طلاب التاسع أساسي الذين شملتهم دراسة وزارة التربية والتعليم العالي عن «التربية والمواطنة» على توزيع الوزارات والوظائف العامة على الزعماء بالتساوي، يعني المحاصصة السياسية. كما أبدى الطلاب ثقة محدودة بمؤسسات الدولة اللبنانية، مقابل الثقة المرتفعة بالمؤسسات الدينية والمدارس الخاصة. وفيما بدت النزعة الوطنية لدى مجموعة البحث عالية، والنزعة الحمائية والسيادية قوية، لم تظهر الدراسة أي إجماع على خيارات سياسية يمكن وصفها بأنها وطنية أو جامعة (الزعيم السياسي المفضل، الدولة الصديقة، والدولة العدوة). أما الأكثر إثارة فهو عدم الوضوح في ماهية القائد التاريخي المفضل.
لكن النزعة نحو التماسك الاجتماعي كانت متواضعة، إذ وافق ثلث الطلاب على ضرورة أن يحظى الترشيح والاقتراع بتأييد رجال الدين، وأقر ربعهم بأهمية أن يجري الانتخاب على أساس عائلي، كما رأى 64 في المئة أن تهتم كل طائفة بتعليم أبنائها وتوفير المنح الدراسية لهم، ما يشير إلى قوة الجماعة في كونها مرجعية في توفير الخدمات واتخاذ المواقف السياسية. ثمّ إنّ النزعة نحو الاختلاط الاجتماعي في المدارس تخف نسبياً عندما يتعلق الأمر بالزواج المختلط.
وبينما أظهرت الدراسة أن النزعة المساواتية غير واضحة وغير راسخة في أذهان الطلاب اللبنانيين، لم تكن الإجابات معبِّرة في موضوع ثقافة القانون، وبدت الثقة متواضعة بالنظام السياسي في لبنان.
هذه بعض النتائج المتعلقة بالمواقف للدراسة التي أعدّها رئيس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية الدكتور عدنان الأمين والباحث التربوي الدكتور كمال أبو شديد.

نقص في المعارف المدنية

الأمين عرض نتائج الدراسة التي أشرفت عليها الهيئة الدولية لتقويم الإنجاز التربوي في لقاء مشترك عقدته أمس وزارة التربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وسعت الدراسة إلى تقويم المعارف المدنية للطلاب في عمر 14 سنة في 28 بلداً، وشملت ثلاث استمارات واحدة للطلاب وثانية للمعلمين وثالثة لمديري المدارس. كذلك تضمنت الدراسة 5 أجزاء هي محتوى المعارف والمهارات المعرفية والمفاهيم والمواقف والأعمال والمعطيات الاجتماعية ـــــ الديموغرافية والتربوية.
فبالنسبة إلى المهارات والمعارف المدنية، تبين أنّ معارف طلاب الصف التاسع الأساسي في لبنان متواضعة نسبياً مقارنة بزملائهم في الدول الـ 28 التي نُفذ فيها الاستقصاء نفسه. كذلك فإنّ إنجازهم في المحتوى المعرفي كان أفضل من إنجازهم في المهارات المعرفية. كما أنّ إنجاز الطلاب في المحتوى المعرفي اللبناني ليس أحسن حالاً من أدائهم في المحتوى المعرفي العالمي، بل إن المتوسط الحسابي لأجوبتهم الصحيحة كان أدنى مما في أسئلة المحتوى العالمي، ما يعني أن إنجازهم المدني متدنٍّ حتى من منظور المناهج اللبنانية.
وفي المفاهيم، هناك إدراك عالٍ لدى الطلاب اللبنانيين لمفاهيم المواطنة، مقارنة ببلدان أخرى بما فيها البلدان المتقدمة، مقابل تباين بين إدراك مفاهيم المواطنة الثلاثة التي كانت قيد الدراسة وهي الديموقراطية والمواطن الصالح ومسؤوليات الدولة، وتجري الأمور كأنّ الطالب يقول ما يجب أن يقال. والبارز أنّ ثمة ميلاً لدى الطلاب إلى الاعتداد بالدور الأمني للدولة، ولعل ذلك يعود إلى الظروف المحيطة بالبلاد. لكن إدراك الدور الاجتماعي للدولة يبدو ضعيفاً، وخصوصاً تقليص الفروق الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، إضافة إلى الانقسام في موضوع فصل الدين عن الدولة.
وبشأن الأعمال، يسجّل الأمين محدودية مشاركة الطلاب في الأنشطة التطوعية من نوادٍ وجمعيات محدودة، بخلاف ما صرّحوا به في موضوعي الديموقراطية والمواطن الصالح، عن أهمية المشاركة. وأظهرت الدراسة اهتمام الطلاب بالسياسة، إن من حيث تصريحهم بذلك وتأييدهم لتيارات سياسية معينة، أو لجهة مناقشة الأمور السياسية المحلية مع أقرانهم وأهلهم والبالغين. وهم في ذلك في طليعة الدول التي جرت مقارنتهم مع طلابها، ما عدا طلاب قبرص. لكن الطلاب يتراجعون في مناقشة الأمور السياسية مع معلميهم، حيث تهبط منزلة لبنان بين الدول التي جرت مقارنتها به نحو الأدنى. ثم إنّ توقعات المشاركة السياسية في سن الرشد وفي الشباب عالية أيضاً، وإن بدرجة أقل من تصريحهم بالاهتمام بالسياسة.
وعن اتجاهات تأثير العوامل الاجتماعية، بيّنت الدراسة أنّ الإناث أفضل أداءً في المهارات المعرفية وأكثر إدراكاً وحساسية لمفاهيم المواطنة من الذكور، وأكثر تصريحاً بالتعلق بالوطن وأقوى نزعة نحو المساواة وأكثر إقبالاً على المشاركة المدرسية. أما الذكور فبدوا أفضل أداءً في المحتوى المعرفي على الأسئلة اللبنانية وأكثر اهتماماً بالسياسة وأكثر إقبالاً على المشاركة السياسية، بما في ذلك كتابة الشعارات على الجدران وقطع الطرق واحتلال المباني، وأكثر إقبالاً على المشاركة في الهيئات والمنظمات الطلابية والكشفية والرياضية والدينية.

طلاب النبطية وقطع الطرق

إذا كانت هذه هي النتائج التي توصلت إليها الدراسة لجهة الجنس، فالبحث على مستوى المحافظة أظهر أنّ طلاب بيروت كانوا الأفضل أداءً في المحتوى المعرفي، وأكثر من عبّر عن ميله للعيش في بلد آخر، ومن اعتبر سوريا دولة عدوة ومن قبل بالزواج المختلط.
أما طلاب الشمال فعبروا عن ثقتهم بمجلس الوزراء والمحاكم والبوليس والأمم المتحدة والمدارس الرسمية والمؤسسات الدينية، وكانوا أكثر اهتماماً بالصناعة اللبنانية وتأييداً لسعد الحريري واعتبار سوريا دولة صديقة ومن قال إنّ النساء يجب أن يبقين بعيداً عن السياسة.
وفي النبطية، سجلت أفضل النتائج في محتوى المعرفة ـــــ الأسئلة اللبنانية، وكان أبناؤها الأكثر ثقة بالأحزاب السياسية والبرلمان، ومن فضّل السيد حسن نصر الله، ومن اعتبر إيران دولة صديقة، والولايات المتحدة دولة عدوة ومن قال إنه «يجب أن يحصل الطلاب المحتاجون على منح دراسية من الدولة، وأحب أن أتعلم في مدرسة يكون فيها الطلاب جميعاً من دين واحد»، ومن توقع المشاركة السياسية في البلوغ من خلال الانضمام إلى حزب سياسي أو كتابة رسائل صحافية، أو المشاركة كشباب عن طريق كتابة الشعارات على الجدران وقطع الطرق واحتلال المباني.
وبينما كان طلاب البقاع أكثر من عدّ سوريا دولة صديقة، كان طلاب جبل لبنان أكثر من وافق على المساواة السياسية بين الرجل والمرأة، وحق المرأة في منح الجنسية لأبنائها. وتوصلت الدراسة إلى أنّه مع ارتفاع مؤشر الانتخابات في المدرسة يتحسن أداء الطلاب في المعارف المدنية، وتزيد نسبة الثقة بالأمم المتحدة وبالمدارس الخاصة وتأييد الزواج المختلط. أما انخفاضه فيتصاحب مع ارتفاع الثقة بمؤسسات الدولة والمدارس الرسمية والاعتزاز بالوطن ومع النزعة الحمائية، وضرورة أن توفر الدولة منحاً للمحتاجين، ومع النزعة التمييزية ضد المرأة.
يذكر أنّ مشروع التربية والمواطنة هو أحد نشاطات التقرير الوطني للتنمية البشرية بعنوان «نحو دولة المواطن» ويأتي توقيته مؤاتياً في هذه المرحلة التي يزخر فيها لبنان بالكثير من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية البارزة. فهل يجابه الشباب اللبناني مسائل الهوية والتضامن الاجتماعي والمشاركة الديموقراطية في خضم الاضطراب السياسي الحاد؟