نقولا ناصيفتركت تطورات الأيام الأخيرة، غداة انتخاب الرئيس ميشال سليمان، انطباعات إيجابية لدى دمشق حيال نظرتها إلى الوضع اللبناني، وما تنتظره منه على صعيد الخوض جدّياً في إحياء علاقات البلدين. تلك الانطباعات عاد بها من العاصمة السورية زوّار لبنانيون التقوا أكثر من مسؤول سوري رفيع، وخلصوا إلى إدراجها في المعطيات الآتية:
1 ـــ عبّر المسؤولون السوريون عن ارتياحهم إلى انتخاب سليمان، واستندوا إلى معرفتهم الوثيقة والقديمة به مذ عيّن قائداً للجيش عام 1998، وكانوا على صلة مباشرة بهذا التعيين، وإلى مؤشرات ذات دلالة أبرز فيها سليمان نظرته المتميّزة عن نظرة الموالاة والغالبية الحكومية إلى سوريا في الأعوام الثلاثة المنصرمة. استمر متمسكاً بالاتفاقات المعقودة بين الجيشين اللبناني والسوري منذ كان الجيش السوري على الأراضي اللبنانية، ولم ينقضها، ولا تورّط في مواجهة سياسية مع سوريا على غرار قوى 14 آذار، كذلك أحيا قبل شهرين اتفاقاً سابقاً بين الجيشين كان قد جمّد على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانفجار الصراع بين قوى 14 آذار ودمشق، وهو إرسال ضباط لبنانيين إلى مدرسة الأركان العسكرية السورية. وبعدما كان استدعى عام 2005 إلى بيروت ضباطاً لبنانيين كانوا يتابعون دورة أركان في تلك المدرسة، أرسل قبل شهرين ضابطين لبنانيين لإجراء دورة أركان هناك. وكانت هذه إشارة ذات دلالة تلقفتها دمشق إلى رغبته في استمرار التعاون العسكري بين الجيشين في معزل عن حدّة الخلاف السياسي. وكانت قيادة الجيش قد درجت في الأعوام الأخيرة على إرسال ضباطها إلى فرنسا والولايات المتحدة لهذه الغاية. وبحسب المسؤولين السوريين أمام زوارهم اللبنانيين، فإنهم سجّلوا لسليمان إيجابية موقفه والجيش اللبناني من حرب تموز والاعتداءات الإسرائيلية على حزب الله، وتأييده المقاومة وانفتاحه على مناقشة واقع سلاحها لا إلغائه على غرار موقف قوى 14 آذار.
2 ـــ لم تقابل دمشق تكليف السنيورة بسلبية، ولا فاجأها تأييد قوى 14 آذار له في ضوء ما كان تناهى إليها من اجتماعات الدوحة عندما طرحت في كواليس الاجتماعات عودة السنيورة إلى رئاسة الحكومة. وتقول دمشق إنها لم تفاجأ بهذا التكليف، وقد أخذت بسلسلة مؤشرات أنبأت بعودة السنيورة إلى الحكم على أنه خيار سعودي وأميركي يعتبر الرجل هو الأكثر ملاءمة لهما في المرحلة المقبلة. وفي معزل عن تسليم هذا الخيار بهزيمة النائب سعد الحريري في الحوادث الأخيرة، ولا سيما بعد العمليات العسكرية لحزب الله في بيروت، أو رفضها، فقد وجد الحريري أن الظروف المناسبة لم تنضج على نحو يؤهّله لترؤس الحكومة، رغم تأييد الرئيس نبيه بري وحزب الله وعدم ممانعة دمشق. أضف أن الحريري غير مستعد في هذا الوقت للدخول في حوار مع دمشق يتصل بعلاقة الثنائية أو بالعلاقة المتدهورة مع قوى الغالبية.
وبحسب ما أسرّ به المسؤولون السوريون لزوارهم اللبنانيين، فإنهم يرون في السنيورة شخصية سياسية تتقن استخدام لغة مزدوجة في وقت واحد، وذكّروا بتجربة سابقة مماثلة خبروها مع الرئيس أمين الجميل إبان ولايته الرئاسية. قالوا أيضاً إنهم سمعوا منه عندما زار دمشق لمرة أولى وأخيرة حتى هذا الوقت، في كانون الأول 2005، كلاماً مختلفاً عمّا قاله قبل مقابلته الرئيس بشار الأسد حول نظرته إلى العلاقات االلبنانية ـــــ السورية، ثم قال كلاماً آخر كذلك في وقت لاحق لتلك الزيارة. ويضيفون أن التعامل مع سياسي كالرئيس المكلف لا يبعث على القلق ولكنهم لا يراهنون عليه، ولا يمانعون في فتح حوار معه إذا شاء البحث مجدّداً في تطبيع العلاقات اللبنانية ـــــ السورية.
3 ـــ لا تمانع دمشق في البحث الجدّي في العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، لكنها ترى ضرورة اقتران مقاربتها بخطة متدرّجة تبدأ بإجراءات وتنتهي بتبادل دبلوماسي وفتح سفارة سورية في بيروت تكون تتويجاً لتطبيع علاقات البلدين وقد عادت إلى طبيعتها.
يحمل ذلك المسؤولين السوريين على التشديد أولاً على الحاجة إلى مراجعة العلاقات الثنائية وفق خطوات تأخذ في الاعتبار:
ـ التهدئة الإعلامية ووقف الحملات المتبادلة، والترجمة الدقيقة لعدم تدخّل أحد البلدين في شؤون البلد الآخر.
ـــ تحديد الاتفاقات المعقودة بين البلدين إبان المرحلة السابقة والتي لم تزل نافذة قانوناً، وإن هي مجمّدة التنفيذ، بما في ذلك مصير المجلس الأعلى اللبناني ـــــ السوري. وتقول دمشق إنها منفتحة على مناقشة الملفات كلها المتصلة بعلاقات البلدين، السارية مذ كان الجيش السوري في لبنان، سواء أفضى ذلك إلى إلغائها أو تصحيحها من الشوائب أو حتى إعادة التوازن إلى بعضها، المجحف منها في حق لبنان والمجحف منها في حق سوريا، يقول المسؤولون السوريون.
ـــ التوصّل إلى تفسير مشترك للاحترام المتبادل بين البلدين والندّية التي يكثر من طرحها أركان الموالاة، ولا يسلّمون إلا بتفسير وجهة نظرهم منها.
ـــ إحياء اللجنة العسكرية اللبنانية ـــــ السورية المجمّدة الدور كي تعود إلى مناقشة الأوضاع الحدودية بين البلدين. ولا يتردّد المسؤولون السوريون في القول إن ما يبعث على استغرابهم هو أن الحكومة اللبنانية تؤيد عمل لجنة عسكرية لبنانية ـــــ إسرائيلية برعاية الأمم المتحدة لمعالجة المشكلات الحدودية اللبنانية ـــــ الإسرائيلية، وتعطّل في الوقت نفسه أعمال اللجنة العسكرية اللبنانية ـــــ السورية القائمة أساساً لمناقشة ما اشتكت منه لدى المجتمع الدولي الحكومة اللبنانية المستقيلة، وهو تهريب السلاح والبضائع وتسلل أصوليين ومتشددين إلى الأراضي اللبنانية. ويقول المسؤولون أنفسهم إنهم حفظوا لسليمان أنه سعى، عبثاً لدى حكومة السنيورة أكثر من مرة، إلى إحياء اللجنة العسكرية اللبنانية ـــــ السورية، إلا أن الغالبية خذلته.
4 ـــ كانت دمشق تفضّل إقرار التقسيمات التي نصّ عليها اتفاق الدوحة في قانون الانتخاب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أو في جلسة تالية، بغية وضع الاتفاق موضع التنفيذ دفعة واحدة، ولا يصير إلى تجزئة بنود السلة المتكاملة. يقودها ذلك إلى الظنّ بأن قانون الانتخاب لغم جدّي في طريق الحكومة المقبلة، بين الموالاة والمعارضة، أكثر من أي بند آخر. وقد يمسي عقبة كأداء متى فتح باب سجال على نقل مقاعد من دائرة إلى أخرى. لم يرَ المسؤولون السوريون في الثلث الزائد واحداً في حكومة الوحدة الوطنية مشكلة كقانون الانتخاب لأن المعارضة انتزعته من الموالاة بالقوة على الأرض قبل ذهابها إلى الدوحة.