حزب اللّه يتنازل عن حقيبتين للسنّة والدروز وعون يتمسّك بالوزارات الخمسانتهى اليوم الأول من استشارات تأليف حكومة الوحدة «الوطنية»، بما هو متوقّع أن يستمرّ اليوم من مطالب طائفيّة ومذهبيّة، مع مرونة في استعداد البعض للمقايضة والقبول بحقائب متواضعة، قابلتها مطالبة «أبو الياس» بما يليق!
تزامنت «عودة» الرئيس فؤاد السنيورة إلى مجلس النواب لإجراء الاستشارات النيابية التمهيدية لتأليف الحكومة الجديدة، مع بروز رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، كأول زائر سياسي لبناني لقصر بعبدا في العهد الجديد، من خارج ما يمكن تسميته لقاءات الاستحقاقات، إضافةً إلى ما حمله بعد اللقاء من سابقة في طول الحوار ونوعيته بالنسبة إلى القصر الجمهوري، وهو الحوار الذي وزّعه رسمياً المكتب الإعلامي للرئيس، بما فيه من هجوم ضمني على «جماعة 8 آذار» وبعض الأسماء التي تطرح للتوزير في إطار حصتها، إضافةً إلى اعتباره أن وزراء الرئيس «كأنهم مثل نوّاب الموالاة».
جعجع الذي رافقه في زيارة الرئيس ميشال سليمان، النائبان جورج عدوان وإيلي كيروز، استغل الفرصة للغمز من قناة الرئاسة السابقة، وقال إنه أعطى رئيس الجمهورية تصوّر القوات الأوّلي «للحكومة الجديدة»، مستبعداً تعقيد تأليفها من أي من الطرفين، وأردف إنها «ستكون حكومة متوازنة وممثّلة للجميع وتعطي انطلاقة جديدة للبلد». وردّاً على سؤال عن تداول أسماء للتوزير «ربما تذكّر بالحقبة السورية»، قال: «كل إناء ينضح بما فيه، إذا أحبّت المعارضة أن تكون هذه وجهة نظرها، أي جماعة 8 آذار، فليطرحوها لنرى حينها». وقال إنه ينتظر «مرحلة جديدة، ولن يبقى كل شيء على حاله»، متوقّعاً بعض التغييرات في تحالفات «الجهة الأخرى»، ودعا إلى الانتظار «حتى تروق اللعبة»، وترك الباب مفتوحاً على خلافات قد تحصل في موضوع قانون الانتخاب، بالقول: «لدينا مطالب طبعاً، وأمور كثيرة سنطرحها في الإطار الذي ورد في اتفاق الدوحة». ووصف سليمان بأنه «ديموقراطي بالفعل»، و«النقاط التي طرحناها معه، حصلت مناقشة مباشرة بشأنها، وأخذ رأينا بالاعتبار كما أننا تفهّمنا موقفه تماماً»، مشيراً إلى أن البحث تناول موضوع الاستراتيجية الدفاعية، وبدء الحوار «بعد تأليف الحكومة وقبل البيان الوزاري».
كذلك التقى سليمان وفداً من حزب الطاشناق، قال أمينه العام هوفيك ميخيتاريان، إنه نقل حرص الحزب على مشاركة الأرمن في الحكومة الجديدة بوزيرين. وكان قد استقبل وفداً من قيادة الجيش، ونائب رئيس الوزراء القطري عبد الله العطية، الذي وصف الوضع بعد اتفاق الدوحة بأنه «إيجابي»، رافضاً الحديث عن هدنة، بل «على العكس يجب أن نكون كلنا متفائلين، فاللبنانيون لم يعودوا ذاهبين إلى المجهول». وقال إن الدور السوري «كان إيجابياً جداً ويجب أن نقدّره». وأكد أن جهود بلاده «متواصلة وستكون هناك مواكبة لكل ما يحصل، ومحاولة تسريع تأليف الحكومة، وفق التقسيم الذي اتفق عليه»، معتبراً أن توزيع الوزارات السيادية والخدمية «ظاهرة لبنانية طبيعية منذ القدم». كما تلقى سليمان مزيداً من برقيات واتصالات التهنئة بانتخابه، أبرزها من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أكد الالتزام بمساعدة لبنان في كل المجالات، «ولا سيما في ما تضمّنه خطاب القسم وصولاً إلى تنفيذه».

المرّ: حقيبة الدفاع أو الخارجيّة تليق بإلياس

في ساحة النجمة، بدأ الرئيس المكلّف تأليف الحكومة الجديدة، الجولة الأولى من استشاراته النيابية، بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم الرئيس حسين الحسيني، فنائب رئيس المجلس فريد مكاري، الذي طالب بحكومة تنقل لبنان إلى الحوار وتعمل على ترجمة خطاب القسم وتفعيل المؤسسات الدستورية وتهيّئ ظروف إجراء انتخابات نيابية بعيداً عن «ضغط السلاح». وفيما لم يصرّح النائب غسان تويني، أعلن النائب ميشال المر ترشيح نجله، تاركاً لرئيس الجمهورية والحكومة تقرير «أي موقع»، لكنه أردف إن كلاً من حقيبتَي الخارجية والدفاع «تليق به»، وإنه، أي نجله، لا يفكر في العودة وزيراً للداخلية لا «اليوم ولا منذ شهر ولا شهرين»، مضيفاً: «هناك بعض النواب أحتقرهم عندما يبدأون القول إننا لن نقبل بإلياس المر، لا أحد يطلب رأيك أنت يا فلان يا من والد إلياس المر أتى بك نائباً حتى تقول تقبل أو لا تقبل».
وصادف خروج النائب وليد جنبلاط وكتلة اللقاء الديموقراطي، من الاستشارات، مع عودة بري من تناول طعام الغداء خارج المجلس، فتبادل معهم التحيات. واستغل الصحافيون الفرصة ليسألوا بري عن الأجواء، فاكتفى بالقول: «استبشروا خيراً». وبعد استراحة لحوالى ساعة ونصف ساعة، استأنف السنيورة الاستشارات مع كتلة الوفاء للمقاومة، التي قال النائب محمد رعد إنها تركت في عهدة السنيورة الحقائب «التي نريدها، حتى يقرر، بعد التشاور طبعاً»، مردفاً إنها حقائب «متواضعة». كما أعلن المطالبة بوزير سنيّ وآخر درزيّ لم يسمّيا بعد «على حساب حصة حزب الله في الحكومة»، وقال: «تطرّقنا إلى ما نريد أن يتضمّنه البيان الوزاري عموماً، ولم نجد ما هو مختلف عليه»، مجيباً بـ«طبعاً» عن سؤال عمّا إذا كان المطلوب «العبارة نفسها التي وردت في البيان الوزاري السابق».
وخرج النائب سعد الحريري، من اجتماع كتلة المستقبل مع السنيورة، إلى مكتب بري، حيث عقدا خلوة لأربعين دقيقة، كرّر بعدها الأول تأكيده على وجود «فرصة لفتح صفحة جديدة»، داعياً إلى تكريس الجهود لإنجاح تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن «لأن البلد يحتاج، وخصوصاً في هذه الأجواء الإيجابية التي يظهرها الجميع، إلى أن نتوصّل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن». وذكر أنه أكد للسنيورة ضرورة «المحافظة على اتفاق الطائف، وأن نبدأ فعلياً بتنفيذه كما يجب أن يكون». واستبعد وجود مشاكل بالنسبة إلى البيان الوزاري، مردفاً: «أؤكد أننا نعمل مع الجميع بكل إيجابية، وعلى الجميع أن يحذوا حذونا، وأن يكونوا على أعلى قدر من الإيجابية للانفتاح بين كل الأفرقاء، لأن في النهاية، فإن الشعب هو الذي سيدفع الثمن، إن لم تعالج الأمور».
وعن لقائه مع بري، قال إن معظم اللقاء تمحور «حول طريقة المصالحة التي يجب أن تحصل. واليوم، الجرح عميق وكبير، ويجب أن يداوى، وأن تكون هناك خطوات لمعالجة ما تعرّض له الناس من انتهاكات، فالجراح لا تنتهي بالسلام والمصافحة الظاهرية، بل تلزمها خطوات جذرية لتُداوى»، معلناًَ أن من هذه الخطوات لقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. كما ذكر أن البحث تناول حكومة الوحدة «وكان الرئيس بري إيجابياً، بأن هذه الحكومة ليست لتقطيع الوقت لعشرة أشهر أو أكثر أو أقل لأن هناك انتخابات. إنها حكومة تأسيس، وهي الأولى لهذا العهد، وعليها أن تقوم بالعمل الكبير، تنتظرها ملفات عدة لتعمل عليها، وتقلع بكل قوة بإذن الله».

حياديّة الداخليّة وتقاسم الوزارات السياديّة
لا غاردينيا جديدة لأنّ القديمة لم تذبل بعد

ولأن «الغاردينيا» التي أعطاه إياه الخميس «لم تذبل بعد»، قال النائب ميشال عون، الذي ترأس لقاء كتلة التغيير والإصلاح والكتلة الشعبية، مع السنيورة، إنه لم يحمل إليه واحدة جديدة، مشيراً إلى أن البحث تناول «النقاط الأساسية في البيان الوزاري المتعلّقة بخطاب القسم مع بعض الإضافات، وحدّدنا عدد الوزارات التي نريدها وهي خمس، كما حددنا الحقائب المطلوبة»، ورفض تسميتها «الآن». وقال إنه لم يعرض المقايضة فـ«لدينا تمثيل كل الطوائف المسيحية، وسنوزّعهم على خمس وزارات، وأكثر شيء لدينا موارنة ولم يحصلوا إلا على حقيبتين». ورداً على سؤال عن مطالبة المر بحقيبة تليق بنجله، قال عون: «كل المرشحين للوزارة يريدون الحقائب التي تليق بهم، وكل الوزارات تليق بكل العالم».
وتمنّى النائب آغوب بقرادونيان، باسم كتلة الأرمن، أن يكون السنيورة «رئيس حكومة كل لبنان، لا حكومة طرف»، وأن ينطلق من روحية خطاب القسم بالنسبة إلى البيان الوزاري، معلناً المطالبة بوزيرين أرمن أرثوذكس، مرشّحاً الوزير السابق آلان طابوريان لتولّي «حقيبة متواضعة بالنسبة إلينا»، ومتمنّياً «على إخواننا الزملاء في تيار المستقبل أن يطالبوا بوزير ثانٍ».
أما النائب جورج عدوان، فترك باسم كتلة القوات اللبنانية، للسنيورة «وضع الأمور في نصابها الحقيقي، ودورنا سيكون مسهّلاً وجامعاً»، وقال إن للقوات «دوراً فاعلاً إن على صعيد كتلتها النيابية أو قدرتها التمثيلية ... وعلينا تفعيل هذه القدرة، ليس لأجل القوات فحسب، بل لإيصال الأفكار التي نتحدث عنها وهموم الناس وتأمين ديمومة الوطن وكيانه واستقلاله الذي نناضل من أجله».
وأعلن الوزير محمد الصفدي أن التكتّل الطرابلسي ركّز على أهمية أن «تؤدّي الحكومة الدور الأساسي في تعزيز السلم الأهليّ وإعادة الحوار الوطني إلى الطريق الصحيح برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، والسعي إلى الخروج من حالة الركود الاقتصادي الراهنة»، متمنّياً الاحتفاظ بحقيبة وزارة الأشغال العامّة والنقل، وقال: «التنافس على خدمة المواطن أمر مرحّب به».
وفي ختام اليوم الأوّل من الاستشارات، التقى السنيورة نائبَي الحزب القومي مروان فارس وأسعد حردان، وقال الأخير إنهما سجّلا مجموعة نقاط برسم الحكومة المقبلة: أولوية إقامة بيئة تصالحية وتوافقية خارج روحية الاستفزاز والخطاب الطائفي، التشبث بثوابت اتفاق الطائف، وخصوصاً ما يتعلّق منه بقانون الانتخاب وهوية لبنان العربية والعلاقات مع سوريا، والمقاومة التي هي ثابت أساسي في الطائف، معالجة الشأن الاجتماعي. ورأى «حاجة إلى المساهمة في الحكومة، كحزب غير طائفي، في وضع تقاسمي طائفي مشرذم».
ويستأنف السنيورة استشاراته في العاشرة من قبل ظهر اليوم، ويتحدث عند نهايتها ظهراً عن خلاصتها. وكان قد تلقّى أمس اتصالين من وزيري خارجية مصر أحمد أبو الغيط والولايات المتحدة كوندوليزا رايس.