strong>في ظل الغياب شبه التام للبرامج الإصلاحية عن السجون اللبنانية، واقتصار ما يُنفّذ على ما تقوم به الجمعيات العاملة في السجون، تقدّم الفنانة زينة دكاش تجربة مسرحية يشارك محكومون في التحضير لكل تفاصيلها وتأديتها
رشا حطيط
بدأت الفنانة اللبنانية زينة دكاش العمل مع مجموعة من المحكومين من نزلاء سجن رومية لتنفيذ مشروع مسرحي داخل السجن، يهدف إلى المساعدة على إعادة تأهيل السجناء المشاركين. وبعد انتظار دام أكثر من عام، حصلت الفنانة دكاش على إذن للبدء بتنفيذ المشروع الذي سيمتد على مدى سنة كاملة، بمشاركة 40 محكوماً.
يعمل السجناء المشاركون على بناء مسرح داخل السجن، ثم تصميم الديكور والملابس والصوتيات والإضاءة والموسيقى، قبل التدرّب على الأداء، لتخرج إلى النور مسرحية قدّمت دكاش الإشراف عليها، إضافة إلى النص الذي يمكن للمشاركين تعديله.
زينة دكاش، التي يعرفها المشاهدون من خلال عملها المسرحي والتلفزيوني، وخاصة تأديتها شخصية «إيزو» في برنامج «بسمات وطن» على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، وبعد خبرة 6 سنوات في تأهيل المدمنين على المخدرات عبر العلاج بالدراما في مؤسسة «أم النور»، قررت هذه المرة الانتقال إلى السجن، لأنها، كما قالت لـ«الأخبار»، اختارت العمل مع أشخاص «لديهم قضية للتعبير عنها».
هذا العمل ليس الأول لدكاش ــ مديرة «كاثارسيس» (المركز اللبناني للعلاج بالدراما) ــ مع السجناء. فقد كانت لها تجربة مسرحية سابقة في سجن فولتيرا في إيطاليا عام 2002.
ويهدف العمل المسرحي التأهيلي في رومية، بحسب دكاش، إلى «تقوية الحس الجماعي بين المحكومين من خلال عمل المجموعة، وإعطائهم فرصة للتعبير عن أنفسهم وفهم أوضاعهم النفسية، إضافة إلى محاولة الحد من الحكم المسبق الذي يطلقه الجمهور على السجناء بشكل عام، والمحكومين بشكل خاص».
يُمَوّل المشروع من الاتحاد الأوروبي بإدارة مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ضمن برنامج «أفكار 2»، عبر جمعية «عدل» العاملة في سجن رومية. وتلقّت دكاش دعماً من سرية السجون والكونسرفاتوار الوطني والجمعيات الأهلية العاملة في السجن. وبدأ تنفيذ العمل على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى التي أنجزت مع نهاية شهر شباط 2008، هي استقطاب السجناء الراغبين بالمشاركة عبر ملء الاستمارات والنظر إلى اهتمامات المشاركين، فمنهم من قد يفضل العمل في الكواليس، ومنهم من يفضل خشبة المسرح أو الموسيقى أو غيرها. المرحلة الثانية، وهي ورشة عمل مع جميع المشاركين على تمارين جماعية هدفها التشديد على وحدة المجموعة والتعبير الشخصي. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي إخراج العمل الجماعي أو العرض المسرحي.
ما تريده دكاش من المشاركين في العمل هو «فقط أن يقولوا هم ما يريدونه». ورأت الفنانة اللبنانية أن النظام أساسي لنجاح العمل، ولكنه يبقى خيار المشاركين، الذين يجب عليهم، لإنجاح عملهم، اتّباع قوانين الجماعة (احترام الوقت، الاحترام المتبادل، التعاون، أن يقوم كل منهم بواجبه...). ومن يخالف تلك القوانين يخرِج نفسه تلقائياً من المجموعة. ورأت دكاش أن تجربتها الأولية مع نزلاء رومية أظهرت أنهم جديون وملتزمون العمل، حيث يأتي التزامهم عن إدراك ووعي كاملين بأن العمل الذي يشاركون في إنجازه هو لهم، وعن غياب ما يجبرهم على المشاركة.
الأعمال الفنية للتأهيل
تجدر الإشارة إلى أن الأعمال الفنية التي يشارك فيها نزلاء السجون باتت تدخل ضمن البرامج التأهيلية في عدد كبير من الدول التي تنظر إلى السجن كمؤسسة إصلاحية بدل أن يكون دورها مقتصراً على الناحية العقابية. ويُنظَر إلى الأنشطة الفنية التي يشارك السجناء في التحضير لها، وإعدادها وتأديتها، على أنها تساهم في توعيتهم على أهمية الوقت وكيفية تنظيمه، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بالأعمال المسرحية، حيث هناك عادة مخطط طويل الأمد. وإضافة إلى ذلك، يؤدي العمل الجماعي المنظم إلى فهم أفضل لـ«القانون الاجتماعي» الذي يظهر الالتزام به أنه ليس موجهاً ضد الفرد، بل إن هدفه تنظيم عمل الجماعة ودعم الفرد للإنتاج ضمن مجموعة. كما أن «التعبير البديل»، أي تمكين الفرد من التحدّث بلسان الشخصية التي يؤديها على المسرح، يسمح له بالتعبير عن حالته النفسية، وعن قضيته، وعن تجاربه الشخصية، وعن آرائه التي تحكمها عادة نظرة المجتمع السلبية إلى السجين. وعلى المسرح، قد يؤدي المُحتَجَز تجربة شخص آخر تساعده على تقبل ما يقوم به غيره، إضافة إلى فهم ما فعله هو بطريقة تعينه على تقبله وتخطيه. كما يمكّن العمل الفني السجين من تمضية الوقت في إنجاز شيء يشارك في «صنعه» بدلاً من انتظار مرور الوقت. وتكمن هنا أهمية استقطاب السجناء التي تمنح كلاً منهم حق اختيار ما يريد القيام به، مما يؤدي إلى أن يشعر كل مشارك بأهمية دوره ضمن المجموعة، بغض النظر عن هذا الدور. وفي ظل غياب الأنشطة الرياضية اليومية عن عدد كبير من السجون، قد يسمح العمل المسرحي، والتحضير له، للسجناء بتأدية أعمال جسدية قد تساهم في اعتياد السيطرة على الغضب، أو على أقل تقدير محاولة «إدارة» الشعور بالغضب، عبر البدء في قلب معادلة «الفعل ثم التوقف ثم التفكير» إلى «التوقف ثم التفكير قبل الفعل».