أنطوان سعدوسط الجمود وانتظار ما ستكون عليه الأمور في لبنان، بعد انتهاء أعمال قمة دمشق التي قيل إن عاصفة ما سوف تعقبها، يجري التداول في أوساط الطرف المسيحي من المعارضة، وبخاصة في محيط رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، في إمكان تحقيق اتفاق مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على قانون الانتخاب العتيد، وذلك على رغم قلق جميع الأطراف السياسية من المرحلة القريبة المقبلة وخشيتهم أن يؤدي الانقسام الحالي إلى تفكك ما بقي من المؤسسات الدستورية والوطنية وعدم التمكن من إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها في ربيع عام 2009.
وتبني هذه الأوساط اعتقادها بإمكان الاتفاق مع الزعيم الدرزي في مجال تقسيم الدوائر الانتخابية على المصلحة المشتركة بينهما في التخلص من قانون عام ألفين، المسلط فوق رؤوس الجميع، إذا لم يتم الاتفاق بين الأطراف اللبنانية على قانون جديد يرضي أكبر عدد ممكن من اللبنانيين. إذ بعدما اتهمت المعارضة التناقض الظاهر بين فرقاء الأكثرية بأنه يهدف إلى الإلهاء والإبقاء على قانون عام ألفين، تبيّن لها أن جنبلاط هو في مقدمة من يعارضون هذا القانون لأنه يجعله يخسر جزءاً كبيراً من أعضاء كتلته النيابية. فيتحول من زعيم على المستوى الوطني يقود إحدى أكبر الكتل النيابية وصاحب تأثير كبير على مجريات الحياة السياسية اللبنانية، لا بل كلمة الفصل في كثير من الأحيان، إلى زعيم على مستوى الطائفة الدرزية فقط، وهذا بالطبع أكثر ما يمقته سيد المختارة.
لذلك يرى بعض المحيطين بالعماد عون أنه لا مفر من الاتفاق مع رئيس الاشتراكي لأن ثمن الاتفاق معه، وهو مقاعد عاليه والشوف، أقل بكثير من الثمن الذي يجب دفعه لرئيس تيار المستقبل سعد الدين الحريري الذي سوف يكون عليه التضحية بعدد كبير من النواب إذا تمّ اعتماد قانون 1960. ويشير مصدر مطلع في المعارضة إلى أن محيط الوزير السابق سليمان فرنجية أيضاً ليس بعيداً عن هذا التصور. كما إن بعض أركان المعارضة من المعتبرين أصدقاء مقربين لسوريا ينشطون في اتجاه التصدي لكل خيار تقسيم انتخابي مساحته أقل من القضاء الحالي. ولعل هذا الموقف هو أكثر ما يثير استغراب المراقبين، لأن التصغير الذي ينادي به البطريرك الماروني نصر الله صفير ويعارضه أركان المعارضة يعطي فرصاً أكبر لعدد لا يستهان به من حلفائهم وأصدقائهم في عاليه والشوف وطرابلس وعكار، والبقاع الغربي. من الذين لا أمل لهم في الوصول إلى الندوة البرلمانية في التقسيمات الكبيرة.
من هذه الزاوية يجب فهم إصرار عون وفرنجية في لقاءاتهما مع رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر على الحصول على موقف من الكنيسة المارونية مؤيد لقانون 1960 وأقل تمسكاً بالتعديلات المطلوبة لكي يصبح ملائماً للبنان ما بعد الحرب الطويلة الذي شهد بنتيجة منعطفاتها تبدلات ديموغرافية جذرية. فعون وفرنجية يعلمان، وقد أقرّا بذلك علناً، أن تصغير الأقضية الكبرى ضرورة ملحّة للمسيحيين على المدى المتوسط لكنهما يكتفيان بالمطالبة بقانون 1960 لأنهما يعتبران بالدرجة الأولى أنه يكفي طموحاتهما الشخصية، وبالدرجة الثانية يعتقدان أن تحقيقه أسهل. فرئيس تكتل التغيير والإصلاح يظن أنه سوف يحصل مع حلفائه على الأكثرية التي تقرّب إليه المسافة إلى القصر الجمهوري، فيما الوزير فرنجية متأكد، بناءً على نتائج الانتخابات الأخيرة، بأن هذا التقسيم للدوائر سوف يعيد إليه المقعد النيابي المفقود الذي شغله مدة أربعة عشر عاماً متواصلة.
في المقابل، تبدي شخصيات نيابية موالية تتمتع بتمثيل شعبي بارز استعدادها للبحث في كل تقسيم انتخابي يؤمن صحة التمثيل لأنها بذلك تزيد من هامش حريتها. وقد أعربت عن رغبتها في الاجتماع بخبراء في الشأن الانتخابي والوقوف على رأيهم في التقسيمات المقترحة لتحديد موقفها لجهة اختيار التقسيم الأكثر دقة من حيث العدالة وصحة التمثيل وفي مقدمه القضاء المعدل. في حين أن شخصيات معارضة تزمع البدء بمسعى لدى أركان المعارضة، ولا سيما لدى القوى المؤثرة بينها، لشرح أهمية التقسيم الانتخابي الذي يطرحه البطريرك صفير والفائدة الكبيرة التي يمكن أن تجنيها المعارضة منه.
ومن المقرر، أن تبدأ هذه الشخصيات تحركها في القريب العاجل ومحاولة تأمين الجو الملائم لطرح القضاء المعدل قبل عودة المطران مطر إلى لبنان المتوقعة في نهاية الأسبوع. فهذا الأمر من شأنه أولاً أن يسهل مساعي مطران بيروت الرامية إلى إعادة المياه إلى مجاريها بين البطريركية المارونية والزعيمين المعارضين، وثانياً أن يقوي جبهة المطالبين باعتماد دائرة انتخابية تؤمن بالفعل صحة التمثيل.