strong>راوحت الأزمة مكانها وسط تجاذب إقليمي وعربي يتبلور بوضوح على الساحة الداخلية في مواقف الأطراف المتنازعة، مع تقدم الهاجس الأمني على ما عداه من الاهتمامات بالتوازي مع زيارة وفد عسكري أميركي إلى لبناناستمرت ردود المعارضة على الموقف السعودي الذي حمّل الأولى مسؤولية تعطيل الحلول في لبنان، معتبرة أنه يضع السعودية في «موقع المنحاز وغير القادر على لعب دور إيجابي في الحل»، فيما تابعت الموالاة «تبشيرها» بمرحلة من التصعيد الأمني والسياسي بعد رفضها مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحوارية.
وتركز الاهتمام الحكومي، أمس، على تقييم نتائج القمّة العربية. ولهذه الغاية، ترأس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، مساء امس، اجتماعاً وزارياً بحث «التوجه للمطالبة بعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب للبحث في العلاقات اللبنانية السورية».
وكان السنيورة قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، كما أجرى اتصالات بكل من وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ووزير خارجية الكويت الدكتور محمد صباح السالم الصباح.
من جهة أخرى، علّق السنيورة على نية إسرائيل المضي في عملية الاستيطان والقرار ببناء 1400 وحدة سكنية في محيط القدس الشرقية وفي الضفة الغربية، ورأى أن هذا الأمر «يدل على أن الأحاديث عن خطوات سلمية ليست إلا أحاديث خادعة».

ردود على تصريحات الفيصل

في غضون ذلك، رفض مصدر في «حزب الله» تحميل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل «المعارضة مسؤولية التعطيل للحلول، متجاوزاً ومتناسياً كل ما فعله فريق السلطة من تعطيل للمبادرات العربية في مراحلها المتعاقبة، وخاصة المحاولات السعوديّة المتكررة»، وشدد على أن «هذا الاتهام للمعارضة بالتعطيل يسيء إلى دور السعودية ويضع علامات استفهام كبيرة على موقعها ودورها في الأزمة السياسية اللبنانية، ويجعلها في موقع المنحاز وغير القادر على لعب دور إيجابي في الحل».
من جهة أخرى، أشاد الحزب بمقررات القمة العربية، مؤكداً أنها «نجحت رغم كل التهويل والضغوط والرسائل، موجهة صفعة قوية لكل من راهن على فشلها، ولكل من عمل، وبكل الوسائل، على إفشالها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية». وأوضح «أن هذا النجاح يحتسب بشكل رئيسي للقيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد».
واستغرب «اللقاء الوطني اللبناني»، بعد اجتماعه في منزل الرئيس عمر كرامي، تصريح الفيصل «المنحازة»، سائلاً «الإخوة في المملكة العربية السعودية التي رعت اتفاق الطائف، وساهمت في إرساء الوفاق الوطني، عن ملامح هذا التحول الذي طرأ على موقفها، وأثار القلق في نفوس فئة كبيرة من المواطنين اللبنانيين، خلافاً لما اعتدناه من مواقف للمملكة، وفاقية جامعة، جعلت منها طرفاً في النزاع الداخلي اللبناني»، مؤكداً أن «موضوع المشاركة غير قابل للمساومة».
من جهته، أعلن كرامي أنه لا يستبشر خيراً بالمرحلة المقبلة، ودعا «الكل إلى رفع يده عنّا حتى نستطيع حل قضايانا بأنفسنا».
في موازاة ذلك، ينتظر أن يكثّف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل موعد الجلسة المقررة لانتخاب رئيس الجمهورية في 22 الجاري، اتصالاته لإطلاق مبادرته التشاورية التي ستكون متكاملة مع الجهد العربي لحل الأزمة وداعمة له، على ما أكد النائب علي حسن خليل. وأوضح «أن اللقاءات الخارجية للرئيس بري في إطار دعوته للحوار لم تبدأ بعد»، فيما استبعدت مصادر الأكثرية نجاح المبادرة، ودعت إلى الاحتكام لثوابت اتفاق «الطائف» وقرارات الإجماع على طاولة الحوار الوطني، كما أكدت أهمية تنفيذ المبادرة العربية.
في المقابل، اتسعت رقعة المؤيدين للمبادرة التي وصفها النائب ميشال المر بأنها مجدية، وأكد «أن موسى لن يعود إلا إذا تهيأت الأجواء السياسية الداخلية لذلك، وهذا لا يتم إلا عبر الحوار»، كما أعلن الحزب «الديموقراطي اللبناني»، بعد زيارة وفد منه المكتب السياسي لحركة «أمل»، تأييده دعوة بري إلى الحوار.
من ناحيته، رأى الرئيس نجيب ميقاتي، بعد زيارته مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، أنه «لا شيء يفيد أكثر من إعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف اللبنانية، وهذا يشكل المدخل الطبيعي للحل»، محذراً من أنه «ما دامت الثقة مفقودة بين اللبنانيين، فسيبقى لبنان عرضة للأمواج والتيارات الإقليمية والدولية وساحةً لتصفية الخلافات الخارجية».
ورأى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أن الساحة اللبنانية لن ترتاح ما دامت الخلافات العربية ـ العربية مستمرة، وأشار خلال استقباله في بنشعي وفداً من هيئة التيار الوطني الحر في الأشرفية إلى أن «ما يحصل في لبنان، هو خلاف سوري ـ سوري، خلاف بين سوريا عبد الحليم خدام وسوريا الأسد، أصدقاء الرئيس بشار الأسد الذين أفخر بأني واحد منهم، لا يؤمنون إلا بسيادة هذا البلد واستقلاله، ولكن إذا كنا براغماتيين، فليس معنى ذلك على حساب لبنان». ودعا لجنة التحقيق الدولية إلى التحقيق مع خدام، وأن يشمل الحقبة السورية في لبنان وكيف كانت تدار الأمور خلالها.
ورأى أنه لو كان خدام هو رئيس جمهورية سوريا، لكانوا طالبوا بالوحدة معها ولكانوا مع بقاء سوريا ألف سنة أخرى في لبنان، وأوضح «أن الموالاة تريد أن نختلف مع حزب الله، ليذهبوا هم ويتحالفوا معه للوصول إلى حلف رباعي جديد»، مؤكداً أنه إذا لم يكن هناك قانون انتخابي يرضي الجميع فإن الانتخابات في العام المقبل لن تحصلوعن مسامحته لرئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، قال فرنجية: «إذا أحد عشر عاماً في السجن لم تكن كافية لتربيته، فأنا غير قادر على ذلك (...) بالنسبة إليّ سمير جعجع غير موجود، وهو لا يعني لي شيئاً أبداً. إنه نكرة».
من جهته، عقد جعجع مؤتمراً صحافياً في معراب، دافع خلاله عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، معتبراً أنها «تصب في مصلحة اللبنانيين وهدفها قيام لبنان قوي»، وأشار إلى أن «تغيير الإدارة الأميركية لن يغير سياسة أميركا تجاه لبنان». وأعلن أنه طلب مساعدة دولية «لأن الحدود الدولية للبنان غير مضبوطة، وكل محاولات الحكومة لإيجاد حل لمسألة الحدود مع سوريا جوبهت بالعرقلة»، وأشار إلى أن «الموقف الأميركي مغاير لإسرائيل في مسألة التوطين».
ورأى أن «أهمية المحكمة الدولية أنها لا تكشف فقط موضوع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بل ستلقي الضوء على ما كان يحدث في لبنان منذ 30 عاماً حتى اليوم».
ورأى جعجع أنه «حرام أن تسقط نقطة دم لبنانية واحدة من الآن وصاعداً في سبيل استرجاع مزارع شبعا، ما دامت المفاوضات السياسية والدبلوماسية قادرة على التوصل إلى حلّ لهذه المزارع»، لكنه كشف أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أبلغته أنها «تشك بإمكان إيجاد حل لمسألة شبعا حالياً». وأعلن أنه سيطلب من مجلس الأمن استصدار قرار يخص المفقودين في سوريا، لافتاً إلى أن بالإمكان تأليف لجنة دولية لهذا الموضوع.
وعن موضوع الأسرى في السجون الإسرائيلية قال: «فوجئنا بجواب محرج بأن «حزب الله» هو الذي يتفاوض مع إسرائيل، فقلنا إننا نعتبر هذا التفاوض غير موجود لأنه يجري خارج إطار الدولة اللبنانية».

مرحلة أخطر من المراوحة

وسط هذا المشهد، واصلت الأكثرية تحذيراتها من تصعيد مرتقب. وقال النائب وائل أبو فاعور إنه يتوقع «أن يستأنف النظام السوري اعتداءاته في لبنان وتصعيده الأمني والسياسي بعد الخسارة المعنوية التي مني بها في القمة العربية»، ورأى أن «اللهجة الهادئة والمتعالية في الشكل للرئيس السوري في القمة تخفي الكثير من المخاطر السياسية والأمنية».
من ناحيته، رأى النائب علي خريس أنه «إذا بقي الوضع على حاله، وإذا استمر الفراغ فسينتج عن ذلك توتر أمني، ولا سمح الله تفجيرات ووضع مأزوم. لا أحد مطمئن إلى ما يمكن أن يحصل». فيما حذر الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة من أن «لبنان مقبل على مرحلة أخطر من المراوحة التي يمر بها الآن»، واصفاً «الحالة اللبنانية بالمهترئة والتي لم تعد تحتمل الترقيع».
وعلى وقع هذه المخاوف، تابع مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون العمليات الخاصة، مايكل فيكرز، ترافقه القائمة بالأعمال الأميركية في لبنان ميشيل سيسون وقائد القوات الأميركية الخاصة في المنطقة الميجر جنرال جون مولهولند، جولته على المسؤولين حيث التقى وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش العماد ميشال سليمان، وعرض معهما موضوع تجهيز الجيش اللبناني والقوات الخاصة.