أنطون الخوري حربوجلّ ما يطلبه القادة المسيحيون من صفير الثبات في المواقف، وهذا ما «لم يحصل للأسف بالنسبة إلى مواقفه الأخيرة من المعارضة عموماً. فالبطريرك صفير، الذي كان أول من أعلن مرجعية العماد عون السياسية لدى المسيحيين عقب انتخابات عام 2005، لم يتمسك بهذه المرجعية حين طرحت مسألة إشراكه وكتلته النيابية في حكومة الرئيس السنيورة، ما دفع أركان التحالف الرباعي إلى استسهال إقصاء هذه المرجعية الكبيرة عن حكومة «الاستقلال الأولى». ثم أعلن صفير رفضه لرئيس للجمهورية ذي جذور عسكرية حين طُرح اسم عون للرئاسة، لكنه عاد وطرح اسم قائد الجيش الحالي ميشال سليمان كمرشح وحيد له لهذا المنصب. وبعد ذلك أعلن صفير تمسكه بمبدأ عدم تعديل الدستور، ثم عاد ووافق على التعديل للإتيان بسليمان إلى الرئاسة الأولى. وأيضاً فإن صفير أعلن رفضه القاطع لانتخاب رئيس جديد بنصاب النصف زائداً واحداً لكنه غيّر رأيه منادياً بهذا الانتخاب بالأكثرية. كما أنه كان قد قطع عهداً على نفسه بعدم الدخول في لعبة تسمية المرشحين الرئاسيين، وعندما طلب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير منه عدداً من الأسماء اقترح أسماءً، ثم أعلن ندمه على الاقتراح»، بحسب أحد أركان المعارضة.
«وقبل ذلك»، يقول أحد نواب المعارضة المسيحيين، «انتقد البطريرك اعتصام المعارضة في الوسط التجاري متحدثاً عن انحرافات أخلاقية تجري في خيم المعتصمين، ولم يردّ أحد منّا عليه نزولاً عند طلب الرئيس عون والوزير فرنجية، فيما لم نسمعه يوماً يوجه انتقاداً لفريق السلطة رغم قراراته التي ألحقت الأذى بالمسيحيين».
لكن سكوت أقطاب المعارضة المستمر عن تقلّبات المواقف البطريركية ربما حدا بالبطريرك إلى الاستمرار بها، ومن هنا كانت مواقف عون وفرنجية المنتقدة لهذا الأسلوب كي لا يستمر الأمر على هذا المنوال، فكان أن رد صفير بحملة مركزة على الاثنين اتخذت الطابع الشخصي. أما خاتمة النفور المتبادل بين صفير وقادة الشارع المسيحي في المعارضة فكانت تحوّل صفير عن تمسكه بقانون انتخابات 1960(القضاء) الذي عرضه عليه فرنجية يوم كان وزيراً للداخلية، ثم مماشاته للرفض الأكثري لهذا القانون الذي من شأنه أن يصحّح نسبة عالية من التمثيل المسيحي الحقيقي في البرلمان، إضافة إلى ترحيب صفير الفوري باقتراح الرئيس إميل لحود تأليف حكومة انتقالية من ستة أقطاب يمثّلون الطوائف الست الأساسية قبيل انتهاء عهد الأخير، ثم سكوته عن رفض فريق السلطة ذاك الاقتراح.
لهذا، يرى مصدر نيابي مطّلع على مساعي المطران مطر «أن الأساقفة الموارنة يتفهّمون الهواجس الموجودة لدى عون وفرنجية»، وهم يرون تمسّك البطريرك بلائحة «الثوابت المارونية» حائلاً دون نشوب خلافات مع السياسيين هو في غنى عنها للمحافظة على الدور المرجعي للبطريركية المارونية الذي يجب أن يكون حاضناً لكل المسيحيين من دون أي تمييز. لذلك، فإن مصالحة صفير مع مسيحيي المعارضة يجب أن تُبنى على قاعدة ميثاقية للتعامل مع السياسيين المسيحيين، من شأنها أن ترتقي فوق خلافاتهم وتجاذباتهم، ولا ضير بعد ذلك إن أيّده قسم منهم أو اختلف معه قسم آخر، ما دام هو على مسافة واحدة من الجميع.