المعاهد عاجزة عن تلبية متطلبات السوق والطلبة يكرهون المناهج المعقدة والمنافسة العالمية تحتدمخضر سلامةفي نهاية التسعينيات بدأت الدول الأوروبية تتنبّه إلى حاجتها المتزايدة إلى العاملين أو المتخصصين في شؤون التكنولوجيا، وأصدرت بعض الدول قرارات تجيز الاستعانة بالأجانب وتقديم تسهيلات إليهم في ألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، ومع مرور السنوات تبيّن أن هذه المشكلة تفاقمت وصار من الملحّ إيجاد حل جذري لها
أوروبا على أبواب مأزق كبير، فقد دقت الرابطة الأوروبية لمحترفي تكنولوجيا المعلومة ناقوس الخطر، وحذّرت في تقرير أصدرته أخيراً من أن المؤسسات الأوروبية ستعاني عام 2010 عجزاً قاسياً في عدد المتخصصين في شؤون المعلوماتية.
التقرير أشار إلى أن المؤسسات الأوروبية ستكون بحاجة إلى 250 ألف متخصص في هذا المجال، بينما لن تقوى المعاهد والجامعات على توفير أكثر من 180 ألف متخصص.
تكمن المشكلة في تضخم قطاع المعلوماتية بشكل متسارع، وبوتيرة تفوق قدرة المعاهد الأوروبية المحدودة على تكوين الكوادر.
وفي هذا الإطار يجدر الانتباه إلى أن هذه المعاهد تعاني عدم قدرتها على استقطاب عدد كبير من الطلاب، وهذه المشكلة «مزمنة» نوعاً ما، إذ إن المهتمين بتطوير العمل في القطاعات التكنولوجية في بعض الدول الأوروبية يرفعون الصوت منذ أكثر من عشر سنوات داعين إلى تطوير المناهج بشكل يساعد على جذب أعداد كبيرة من الطلابالمشكلة تكمن تحديداً في تمنّع الطلاب الأوروبيين عن خوض غمار الاختصاصات المرتبطة بالتكنولوجيا الجديدة، نظراً لما تحتاج إليه من جهد خلال الدراسة، وإلى أن الكثيرين يرون أن مناهجها معقّدة... كما أن المشكلة تزداد ضخامةً مع الشروط المطلوبة للوظائف من ناحية الخبرة والكفاءة المطلوبة لساحة التنافس العالمي التي تمثّل فيها الأسواق الأوروبية ركيزة مهمة.
إن مشكلة النقص في عدد اختصاصيي المعلوماتية، كانت حتى الأمس سهلة الاحتواء عبر اعتماد سياسة استيراد الأدمغة والخبرات من بلدان العالم الثالث، كالكفاءات الهندية والصينية، لكنّ التعقيدات بدأت بالظهور منذ فترة، فعدا عن تزايد الصعوبات والحواجز في الهجرة نحو أوروبا، تُظهر دراسة صادرة عن معهد «غارتنر» أن الصين والهند نفسيهما بدأتا التحفظ أكثر فأكثر على تصدير كفاءاتهما الشابة، بسبب اكتمال بناءاتهما المؤسساتية ومشاكلهما هما أيضاً في تأمين حاجات قطاع نظم المعلوماتية الضخمة. تراجع كمية الوافدين من الخارج لإشباع نهم الأسواق الأوروبية، يتوازى أيضاً، حسب المتخصص في الدراسات الاقتصادية، المهندس الإسباني ستيفان مويا، مع هجرة معاكسة للاختصاصيين الأوروبيين أنفسهم! وتفضّل نسبة كبيرة من الأوروبيين العاملين في التكنولوجيا حالياً التوجه إلى الأسواق الأميركية للعمل، الأسباب واضحة حسب مويا، الولايات المتحدة هي أحد أهم المنافسين على الصعيد المعلوماتي، مجال العمل أوسع بكثير من المجال الأوروبي، كما أن الأوضاع الاقتصادية تؤدّي دورها، إلى جانب الشروط الأسهل نسبياً، للتنافس على الوظائف ومن ثم في حقل العمل المباشر، وتتبع ذلك أيضاً انعكاسات الاحتكار التام الذي تفرضه الولايات المتحدة على سوق المعلومة الإلكترونية.
ويضيف مويا في قراءة للوضع الأوروبي الداخلي «على مستوى الوظائف وعددها وفرص العمل في هذا القطاع، لا يبدو التقسيم جيداً ويفتقر إلى التوازن، ففرنسا مثلاً، تتفوّق بفارق كبير نسبياً بعدد الوظائف في قطاع الـIT، تتبعها المملكة المتحدة، ومن ثم ألمانيا وهولندا، بعدذلك يتسع الفارق أكثر فأكثر مع البلدان الأخرى كإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا». هذا التقسيم، برأي مويا، سيجعل من فرنسا الأكثر طلباً وحاجة إلى الاختصاصيين قريباً، نظراً لدور صناعة المعلوماتية في الاقتصاد الفرنسي وفي حركة المؤسسات، ومن ورائها المملكة المتحدة وألمانيا التي بدأت جدياً في التخطيط لحلول منها إعادة تأهيل المناهج الجامعية المختصة بنظم المعلوماتية، وتفعيل مكاتب توجيه الطلاب أكثر فأكثر لإظهار فرص العمل وقيمة القطاع المستقبلية.
أما دايان موريلو، نائبة رئيس معهد غارتنر لدراسات السوق، فهي تصر على أن المشكلة لا تقتصر على أوروبا وحدها، فالعالم كله على شفير العطش المعلوماتي، على حد تعبير موريلو، «العالم يسير في طريق مجنون وسريع نحو الاعتماد الكلي على تكنولوجيا المعلومة، والطلب المتصاعد يوماً بعد يوم على اختصاصيي الـIT سيصطدم قريباً بعدم قدرة المعاهد ـ ولا سيما في البلاد الأقل حظاً تنموياً ـ على تأمين الأعداد اللازمة من المتخرجين، كما سيصطدم بتفاوت الكفاءات بين موظفي مجتمع وآخر تبعاً لحيثيات الأسواق وامتداداتها الاقتصادية»، وتضيف: «أوروبا جزءٌ من هذا العالم.. وهي تقاسمه مشاكله ليس أكثر».
وسواء كانت المشكلة أوسع أو أقل انتشاراً، تبقى أوروبا أمام تحدٍّ جدي إذا ما أرادت فعلاً فرض نفسها كمشروع قطب عالمي مواز، تحدٍّ يتحدث بلغة اليوم والمستقبل، المعلوماتية، التي تسيطر أكثر فأكثر على شبكات التجارة والاقتصاد والتواصل والتحكم في الصناعة والسياسة والمعلومة، المؤسسات الرسمية الأوروبية المدعّمة بمراكز الدراسات والتخطيط تعلم هذا جيداً، وتعي حجم متطلبات المستقبل، والمشاكل والحلول الممكنة، وتقوم هذه الحلول دائماً في التقارير الدورية على مساعي المعاهد الجامعية ومراكز التوجيه ومنظمي الهجرة، لاستقطاب أعداد تكفي أحلام أوروبا في العودة جدياً إلى ساحة التنافس المستقبلي على العالم، من نافذة السوق المعلوماتية.