عمر نشابهاغتيل الشاهد جبران تويني في 12 كانون الأول 2005، بعد شهرين على نشر لجنة التحقيق الدولية إفادته في تقريرها الأول. وكان يترتّب على المحققين الجنائيين مسؤولية حماية الشهود، لكنهم لم يقوموا بذلك إلا بعد عامين على انطلاق التحقيقاتيوم 12 كانون الأول 2005، انفجرت عبوة في منطقة المنصورية أدّت إلى استشهاد النائب ورئيس مجلس إدارة الزميلة «النهار» جبران تويني ومرافقيه. في اليوم نفسه، أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، برئاسة القاضي ديتليف ميليس، تقريرها الثاني. كان التقرير الأول للجنة التحقيق قد صدر في 19 تشرين الأول من السنة نفسها وتضمّن أسماء شهود، بينهم تويني وأجزاء من إفاداتهم (الفقرة 27 من التقرير الأول). لكن برنامج حماية الشهود الذي تقتضي المعايير المهنية والقانونية إنشاءه قبل إعلان اللجنة أسماء الشهود، لم ير النور إلّا في التقريرين التاسع والعاشر للجنة. وسنَعرض لاحقاً في هذا النصّ المراحل المختلفة التي ادّت أخيراً إلى تحديد «استراتيجية لحماية الشهود». لكن قبل ذلك، لا بدّ من التوقف عند مقابلة تلفزيونية مع ميليس كشف خلالها لبرنامج «بكل جرأة» الذي تقدمه الزميلة مي شدياق عبر «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أنه «تعرّض لتهديدات خطيرة أثناء قيامه بمهمته في بيروت، وأن اغتيال النائب والصحافي جبران تويني كان جزءاً من هذا التهديد الذي كان موجهاً ضده مباشرة وضد لجنة التحقيق، لأن اغتيال تويني سبق بيوم واحد تقديم تقريره الأخير إلى مجلس الأمن» (النهار 19 آذار 2008). لكن، بحسب المعايير المهنية والقانونية، أليس ما يهدد أمن الشاهد جبران تويني هو نشر اسمه وإفادته في تقرير علني عن تقدّم التحقيقات الجنائية في جريمة إرهابية؟ ولماذا لم تتمّ حماية تويني كما تمّت حماية ميليس أثناء وجوده في لبنان؟
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن نشر إفادة شاهد من دون حمايته يعرّضه للاستهداف، ليس بالضرورة من الجهة التي قدّم معلومات تدينها، بل أيضاً من جهات أخرى تستفيد من غياب برنامج الحماية ومن توقُّع اتهام جهة معيّنة بالاغتيال دون غيرها قبل ختم التحقيق. كما لا بدّ من الإشارة إلى أن التقرير الأول للجنة كان قد نشر تفاصيل عن التحقيقات التي قام بها القاضي ميشال أبو عرّاج ويعدّ ذلك تجاوزاً للمادة 12 من قانون المطبوعات اللبناني الذي يحظر نشر وقائع التحقيقات الجنائية.
حماية الشهود بعد عامين
ذكر موجز التقرير الأوّل للجنة أنها استمعت إلى إفادات «أكثر من 500» شاهد (5) ولم يغفل التقرير الأول أن عدداً من الشهود «راودتهم المخاوف من أن يتعرّضوا للأذى إذا أُعلن أنّهم تعاونوا مع اللجنة». ورغم أن «التقرير لن يكشف هوية أولئك الذين جرت معهم المقابلات» (13) ذكر التقرير الأول «عدداً من الشهود اللبنانيين بمن فيهم الوزيران السابقان مروان حمادة وغازي العريضي وزعيم الدروز ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والنائب باسم السبع ونجل السيد الحريري سعد» (26). كما نشر في التقرير الأول أسماء الشهود الذين استمع إليهم القاضي ميشال أبو عرّاج، ومنهم «ماهر الداعوق، حسن محمد العجوز وعامر خالد شحادة»، إضافة إلى أسماء 19 شاهداً آخر وتاريخ الاستماع إلى إفاداتهم (47). ونشر التقرير الأول أجزاء من إفادات ستة شهود بمن فيهم النائب جبران تويني (27) من دون ذكر وجود برنامج لحماية الشهود. أما التقرير الثاني فذكر اسم أحد «الشهود ذوي الأوضاع الحساسة» هسام طاهر هسام (30) دون أن يتطرّق إلى برنامج لحماية الشهود تعتمد عليه اللجنة. لكن التقرير الثالث للجنة بعد انتقالها من رئاسة ميليس إلى رئاسة براميرتس أوضح «أن اللجنة لا ترى أن من الملائم في هذه المرحلة الكشف عن تفاصيل أعمالها، لأن ذلك قد يعرّض، دون داع، أمن الشهود للخطر، ويعرقل جمع الأدلة في المستقبل ويقوّض نتيجة التحقيق ككل» (6) وأضاف التقرير الثالث «قدرة اللجنة والسلطات اللبنانية على الحفاظ على الشهود المحتملين، واجتذاب المزيد من هؤلاء الشهود، تتوقف على القدرة على حمايتهم. وقد تم اجتماع أول بين مكتب المدعي العام واللجنة لبدء المناقشات حول تطبيق برامج دعم حماية الشهود» (47) كما كرّر التقرير الثالث ذلك في الفقرتين 54 و108، لكن ذلك البرنامج لم يتحقّق. وذكر التقرير الرابع أن اللجنة نظرت «في وضع برنامج لحماية الشهود»، واتصلت بالدول الأعضاء «لاستكشاف مدى قدرتها على توفير الدعم» في هذا الإطار. ورغم تأكيد التقرير أن حماية الشهود «تشكل مجالاً ذا أولوية لتعزيز اللجنة لعملها في ما يتصل بالتحقيقات» (110)، لم يتحقّق البرنامج. التقرير الخامس ذكر أن اللجنة «تضع آليات لحماية الشهود لتمكين المزيد من الأشخاص الذين يملكون المعلومات المطلوبة من التقدم للإدلاء بها ومساعدة اللجنة في هذا المجال الحساس من مجالات عملها». (102) لكن لم تذكر أي تفاصيل عن تلك «الآليات». التقريران السادس والسابع لم يتناولا حماية الشهود، لكن التقرير الثامن خصّص باباً لهذا الشأن، وذكر أن «مطلب ضمان أمن الشهود بطريقة تحافظ على سلامة الأدلة من أولويات اللجنة» (58) وأضاف أن اللجنة «تدرك ضرورة القيام في المستقبل القريب بعرض هذه الترتيبات (ترتيبات الحماية) وإضفاء الطابع الرسمي عليها، وتمديدها» (58). كما خصّص التقرير التاسع باباً مماثلاً للتقرير الثامن، وذكر أن اللجنة صاغت «مشروع استراتيجية لحماية الشهود يتضمن مقترحات لبعض الخطوات الأولية التي يتعيّن اتخاذها لوضع برنامج شامل لحماية الشهود». وأضاف أن الحاجة ستدعو إلى «اتخاذ العديد من الخطوات الإضافية قبل أن يتسنى تنفيذ هذا البرنامج» (96). وأخيراً، ذكر التقرير العاشر أن اللجنة «طبّقت استراتيجية لحماية الشهود، معتمدة على أفضل المعايير الدولية» (20).