بيسان طيلكن الهوة تقلصت قليلاً في السنوات الأخيرة، والفضل في ذلك يعود إلى التقدم الكبير الذي حققته كل من الصين والهند، فالأخيرة اشتهرت بتصدير العاملين في التكنولوجيا، والمتفوقين في هذا الحقل، واجتاح الهنود أكبر الشركات العالمية، وحلوا في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد المشتغلين في التكنولوجيا في الدول المتقدمة، وتنوعوا بين مهندسين ومبرمجين وتقنيين. وكانت بعض الإحصاءات الصادرة عن منظمات رسمية قد لفتت إلى أن العرب حلّوا في المرتبة الثانية.
كان عام 2004 مفصلاً في عملية التغيير، فقد تمكنت الصين في ذلك العام من تخطي الولايات المتحدة لتحل في المرتبة الأولى دولةً منتجة ومصدرة للمُنتَجات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (TIC)، أما الهند فهي الأولى في تصدير الخدمات المرتبطة بهذه التكنولجيات والآلات التي تسهل استخدامها. وقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريراً عن اقتصاد المعلوماتية لعامي 2007ـــــ 2008، لفتت فيه إلى أن عوامل عديدة أسهمت في تطوير القطاع التكنولوجي في هذين البلدين أبرزها عامل الاستثمارات الأجنبية.
في ما يخص الهند يتفق الباحثون على التفسير الذي تقدمه المنظمة الدولية، إذ إن عدداً كبيراً من الشركات الأجنبية أنشأت مصانع لها وفروعاً لإداراتها في الهند، وذلك بهدف تقليص تكاليف الإنتاج، فالمتخصصون واليد العاملة الكفيّة متوافرون في الهند، ومستوى الأجور أدنى منه في الدول المتقدمة. لكن الصين لم تستفد من الاستثمارات الأجنبية كما كان حال الهند، واعتمدت بشكل رئيسي على رأسمالها البشري والمادي لتصنع تقدمها.
ويتوقع تقرير الأمم المتحدة أن تتمكن الصين والهند من خلق «خزان معرفي» وتطوير تكنولوجيات جديدة، وذلك في السنوات القليلة المقبلة. ومن المتوقع أيضاً أن يسهم هذان البلدان ـــــ وفق تقرير المنظمة الدولية ـــــ في إعادة توجيه الإنتاج والتجارة وسياسات التوظيف في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم كله. في إطار الحديث عن التقدم الصيني ـــــ الهندي، يمكن بحث المخاوف الأوروبية المتعلقة بإمكان تراجع أداء شركاتها، أو تراجع قدرتها على المنافسة العالمية. وفي هذا الإطار يمكن إضافة صيغة جديدة لمشكلة «الهوة الرقمية»، لتشمل مشكلة الدول التي يتردد أبناؤها في التخصص والعمل في الميادين التي تطالها التكنولوجيا، علماً بأنه لم يعد غائباً عن بال أحد أن تطوير التكنولوجيا يُسهم في تطوير أنواع مختلفة من القطاعات الاقتصادية.
القلاع الأوروبية ستفتح أبوابها أكثر وأكثر لمجموعة واحدة من أبناء العالم الثالث، أولئك القادرين على تلبية متطلباتها من اليد العاملة في التكنولوجيا، ولكنها تواجه مشكلة كبيرة مع تزايد فرص العمل التكنولوجي في الصين والهند التي باتت توفر لأبنائها «التكنولوجيين» موارد معيشية لا بأس بها. المعادلة القديمة لم تتغير في العالم العربي، فربما زاد عدد مستخدمي الإنترنت فيه، وقد افتُتحَت فروع لبعض الشركات العالمية في عدد من الدول العربية، ولكن الكلام على تقدم في الإنتاج التكنولوجي بعيد عن الواقع العربي، والأهم من ذلك أن الدول العربية مستمرة في تصدير الأدمغة التي تُسهم في تطوير الإنتاج التكنولوجي... ولكن في دول الاغتراب.