فاتن الحاجمع انتشار ظاهرة العنف بين التلامذة وسط المناخ العام المتوتر والأجواء المشحونة، أطلق مركز مساندة المرأة التابع للجمعية المسيحية للشابات (CWIC)، مشروع «شبيبة إن أكشن،Youth in Action» الذي نفّذ، أخيراً، سلسلة حلقات توعية طالت 600 تلميذاً وتلميذة في 6 مدارس «العنف، شو يعني؟ العنف هو لمّا تختار تتعدّى على حقوق غيرك على الصعيد الشخصي، الاجتماعي، الاقتصادي، أو السياسي. العنف، شو حدوده؟ العنف ما إلو حدود، بيقدر يطال الكل (قريب، غريب، صديق، زميل، جار...). العنف حلّ... حلّه بإيدنا. التحكم باللسان ضروري لأنّه عنيف، مؤذٍ، لاسع. مفتاح البطن لقمة ومفتاح العنف كلمة. الاختلاف حق، الخلاف نحنا منقرر نعملو. الخلاف طبيعي ممكن يكون فرصة أو خطر».
أفكار يختبرها 27 تلميذاً من 6 مدارس رسمية وخاصة في مشروع هم أبطاله. يمثلون الأدوار المسرحية. يتبادلون الأدوار. يعيشون حالات العنف في المدرسة والمنزل والشارع والألعاب والفيديو كليب... يستنتجون الحلول للمشاكل. هكذا يخرج مشروع «شبيبة إن أكشن» من التقليدية في طرح القضية إلى استخدام طرق مبتكرة لإيصال الرسائل المناسبة، بهدف تعزيز «محيط خالٍ من العنف» في المدارس.
يلفت العنف الجسدي انتباه نوال شعيب (17 عاماً) فتشير إلى أنّها تُعدُّ ورفاقها بحثاً عن هذا النوع من العنف وأشكاله وأسبابه، بعدما خضعوا لبرنامج تدريبي عن نشر ثقافة اللاعنف في المدرسة والمجتمع. وتتوقف نوال عند المشاكل التي تحدث بين الشبان في المدارس، والتي يكون سببها البنات في أحيان كثيرة، والعنف النفسي الناتج من الإهانات الشخصية، والتمييز بين المرأة والرجل في المنزل، والعنف الكلامي المرتبط بسوء معاملة العاملات الأجنبيات. «على كل حال الكلام يؤذي أكثر من الضرب»، تؤكد نوال.
وتقول: «حظنا حلو، لأننا تعرفنا إلى طريقة تفكير شبان مختلفين عنّا، جمعتنا بهم فكرة حلّ العنف». هنا يتدخل رغيد غزالي (17 عاماً) ليعرب عن إيمانه باستمرارية المشروع «كل شي بيبلّش صغير وبيصير فعّال بالمجتمع». ويشير إلى «أننا تعلمنا أنّ العنف قد يكمن في طريقة الكلام ونبرة الصوت، وقد يكون الحل في التطنيش حيناً والنظرة الثاقبة حيناً آخر». وما أعجب زهراء ضعيفة (18 عاماً) أنّ البرنامج التدريبي لم يأخذ شكل المحاضرة، بل «خضعنا لمجموعة تمارين حسية جعلتنا ندرك أنّ العنف قرار نختاره بأنفسنا».
وقد أبدى التلامذة حماسة للأفلام الوثائقية والصور التي شاهدوها وحلّلوها، وعرفوا «أنّه لا يمكن أن نخرج باستنتاج صحيح، إذا أسقطنا أفكارنا المسبّقة على المستند الذي نعالجه». ويتابع التلامذة نشاطاتهم اللاعنفية، بحيث يقدمون في أيار المقبل، مشاريع تعكس وجهة نظرهم حيال العنف. وهم لن يكتفوا بالمشاريع فحسب، بل سيعمدون إلى تكوين نواة في مدارسهم، وخصوصاً أنّهم في الصف الثانوي الأول ولا تزال أمامهم سنتان للتخرّج، وبالتالي هناك وقت لنشر التوعية بين رفاقهم في الصفوف الأخرى، على حد تعبير نوال.
وعن إمكان توسيع المشروع ليشمل مدارس أخرى، توضح المديرة المنفذة للجمعية المسيحية للشابات (YWCA) سميرة معاصري «أنّ هذا هو هدف المشروع، لكن التمويل لا يزال قاصراً عن تحقيق الطموحات، وإن كنا نلقى دعماً من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI)». لكنّ معاصري تعوّل على وعي الشباب المشاركين لأهمية القضية وقدرتهم على التأثير في محيطهم القريب على الأقل، «وخصوصاً بعدما درّبناهم على حل النزاع بطريقة ديموقراطية، وحفّزناهم على التطوع لإنشاء نوادي شبيبة إن أكشن في المدارس بغية استكمال ما بدأناه». وما لفت انتباه معاصري سعي التلامذة إلى البحث عن مصادر تمويل ذاتية كتنظيم كرمس وما شابه.
من جهتها، تسارع رئيسة لجنة مركز مساندة المرأة التابع للجمعية عايدة عبد الصمد إلى القول «إننا اخترنا المدارس بطريقة عشوائية، ومن مناطق جغرافية مختلفة في بيروت، ففوجئنا بتفاعل الشباب وحاجتهم الماسة إلى اللقاء، والدليل أنّ العدد الذي أبدى استعداده فاق المطلوب، وشبيبتنا لا يحتاجون إلّا إلى الفرصة».
أما المساعدة الاجتماعية ريما كبارة ضناوي التي شاركت وباتريسيا أبي عاد في تدريب الطلاب، فتشرح تفاصيل المشروع: «أوحت إلينا الاستشارات التي نتلقاها من السيدات في مركز مساندة المرأة، أنّ المشاكل لا تقف عند النساء فحسب، بل إنّ العنف يأتي في أحيانٍ كثيرة من الرجال والشباب المراهقين، لذا قررنا أن نتوجه إلى الفئة الأخيرة لكونهم يتمتعون بالحيوية المطلوبة التي تسهم في معالجة القضية، ثم إنّهم الشريحة التي تنبض بالثورة وحب التغيير.
وقد بدأ المشروع بزيارات ميدانية إلى المدارس الست التي خضع طلابها في جميع الصفوف لحلقات توعية غير تقليدية، انتهت باختيار أربعة ممثلين عن كل مدرسة، من خلال عملية انتخابية ديموقراطية، تابعوا لاحقاً برنامجاً تدريبياً في مركز الجمعية المسيحية للشابات. وركّز البرنامج على المهارات القيادية ومهارات التفاوض والتواصل، وحل النزاعات، وحقوق الإنسان والدفاع عن النفس. وجسّد التلامذة، بحسب كبارة، أفكارهم في لوحات تعبيرية مثّلوها، أو من خلال تحليل صور اختبروا فيها ثلاث طرق للحل: العنف، الحوار، والهروب والتطنيش، وتعلموا أنّ الذكاء لا يكون بالعنف والقوة، كما أننا بكلمة واحدة نستطيع تغيير مسار الحديث عبر التركيز على شعور الآخر.
صُدم التلامذة، تقول كبارة، حين قلنا لهم إنّ العنف حل، لكننا أوضحنا لهم أنّه ليس الحل الفعّال. ولا تنفي كبارة أن تكون السياسة قد حضرت في الجلسات التدريبية، لكنّ الرسالة التي أوصلناها «أننا موجودون على بقعة واحدة، ومجبورون على نبذ العنف والتعايش بعضنا مع بعض».
أما المدارس المستهدفة فهي: CTI ــ حرش تابت، والمروج ــ طريق المطار والأهلية ــ وادي أبو جميل وزهية سلمان ــ بئر حسن، والأشرفية المختلطة والمعهد التابع للجمعية.


فسحة
استحدث تلامذة «شبيبة إن أكشن» موقعاً إلكترونياً تحت عنوان عنوان «youthinaction-lb.org» يشرح تفاصيل مشروعهم. التلامذة، أصرّوا على فسحة «لنا» وهي عبارة عن جريدة إلكترونية للتعبير عن تطلعاتهم، إضافةً إلى «forum» لمتابعة المشروع.