strong>جولة السنيورة العربية في انتظار تحديد المواعيد لـ«تزخيم جهود الحكومة»
يضفي بدء التحركات المطلبية اليوم احتجاجاً على الأزمة المعيشية، ديناميكية جديدة على الوضع السياسي الراكد، قد يسهم في إعادة استقطاب الجمهور الذي «ضُبط» في حالة ملل من السجالات الممجوجة و«التفقيس» اليومي للخلافات
ومع إمكان قدرة مؤشر الغلاء على أن يضبط اليوم ـ ولو تكتيكياً ـ بورصة المواقف السياسية على القضايا المطلبية، فإن تطوراً طرأ على استراتيجية المعارضة قد يعيد خلط الأوراق في الأيام المقبلة، إذ علمت «الأخبار» أن قيادة المعارضة تدرس جدّياً فكرة الانتقال من البحث في حكومة الوحدة الوطنية إذا ظلت الموالاة ترفض المثالثة، إلى البحث في موضوع انتخاب رئيس جمهورية، وتأليف حكومة انتقالية على غرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تتولى إقرار قانون انتخاب وإجراء الانتخابات النيابية المقبلة.
وفي انتظار عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من إجازته الأوروبية، والنائب سعد الحريري من إقامته السعودية، يبدو أن جولة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة العربية، وضعت على نار حامية. إذ أعلن الأخير لـ«أخبار المستقبل» أن الجولة قائمة والاتصالات بشأن تحديد المواعيد بدأت، مشيراً إلى أن الفكرة سبقتها جولة من المشاورات الداخلية، ومع معظم الدول العربية. وقال إن التطورات في المنطقة وما نتج من القمة العربية «يوجب تزخيم جهود الحكومة لمواجهة أي استحقاقات»، معلناً أن موضوع طلب عقد جلسة استثنائية لمجلس وزراء الخارجية العرب «موضع تشاور، وستجري متابعته مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى». واتهم المعارضة بأنها «تسعى إلى تعقيد الأمور، دون أن تطرح أي بديل على المستوى الوطني»، خاتماً بالقول إن المشكلة كبيرة وحلّها يكون بالحوار البنّاء والإيجابي.

مواقف سياسيّة للمجالس الدينيّة
إلى ذلك، تصدّرت المواقف السياسية أمس، بيانات المؤسسات والمجالس الدينية التي ينتظر أن تستكمل اليوم باجتماع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. فإثر اجتماعهم في بكركي برئاسة البطريرك الماروني نصر الله صفير، أصدر المطارنة الموارنة بيانهم الشهري، الذي اكتفوا فيه بالتعليق على قمة دمشق بالقول إن هذه القمة «التي لم يحضرها لبنان لتعذّر انتخاب رئيس للجمهورية فيه، وهذا أمر غير طبيعي ومدعاة للأسف، قد شددت على الالتزام بالمبادرة العربية بخصوص معالجة الأزمة اللبنانية»، منطلقين من ذلك لمطالبة «جميع الأفرقاء في الداخل والخارج بالتعاون لتحقيق هذه المبادرة وإخراج لبنان من محنته». ورأوا «أن الظرف العصيب الذي يمر به الوطن يقضي على جميع اللبنانيين التعاون والتضافر للتغلب على المحنة ومقابلتها برباطة جأش للسيطرة عليها وتلافي أذاها». وحثّوا «أولي الأمر» على مضاعفة الجهد لإنقاذ موسم الاصطياف المقبل، وأن «يعملوا ما بوسعهم لتهدئة الأحوال، تسهيلاً لمن تعوّدوا المجيء إلى لبنان».
ووصفوا الوضع العام بأنه مُزر ويعوق النهوض بالشؤون الحياتية الملحّة التي حضّوا الحكومة وكل الجهات المسؤولة على النظر فيها بجدّية، ومعالجتها بروح المسؤولية. وتطرقوا إلى شكاوى مواطنين «أخذوا من المحاكم اللبنانية أحكاماً على الدولة، لكن هذه تمتنع عن تنفيذ هذه الأحكام، وهذا ظلم فادح»، مشيرين إلى أن الدولة «يجب أن تكون دولة العدل لا دولة القوة فقط». كما تحدثوا عن شكاوى مواطنين في الشمال والبقاع «من استيلاء بعض الفئات على أراضيهم ومياههم»، ومن تنفيذ قرار تنظيم المياه الجوفية والينابيع في مناطق معينة وإهماله في مناطق أخرى. ودعوا إلى «رفع الظلم ومعاملة جميع المواطنين بصورة عادلة ودون تمييز بين فئة وأخرى ومنطقة وأخرى».
وبعد اجتماع مماثل برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، أعلن مجلس المفتين أنه «توقف طويلاً أمام النتائج السلبية الخطيرة المترتبة على استمرار تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على رغم التوافق الذي تم على شخص العماد ميشال سليمان، وذلك بالمبادرة إلى إعادة فتح مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، وفك الاعتصام الذي يشل الحياة الاقتصادية في قلب العاصمة بيروت، ثم تشكيل حكومة وفاق وطني تضع قانوناً جديداً للانتخابات النيابية يحقق العدالة والإنصاف، ويعكس الإرادة الصادقة للشعب اللبناني».
وتبنّى المجلس تبرير الحكومة للغياب عن قمة دمشق، داعياً «الدول العربية الشقيقة إلى العمل على تطبيق مبادرتها الإيجابية البنّاءة في لبنان». وأشاد بما وصفه بـ«توضيحات» وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التي «بيّن فيها بصراحة وصدق عمليات التعطيل التي تتعرض لها هذه المبادرة العربية». وتطرق إلى الوضع في العراق، داعياً إلى وقف فوري لـ«الاشتباكات الدامية» فيه. و«توقف» أمام توسيع وزيادة المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين.
ولفتت أمس، زيارة السفير الروسي سيرغي بوكين، لرئيس تيار التوحيد وئام وهاب في دارته في الجاهلية، مشيراً إلى أن لبلاده «اتصالات وعلاقات متوازنة مع كل الأطراف اللبنانيين». وكرر التشديد على أهمية الحوار الحقيقي لانتخاب رئيس للجمهورية، ولبلورة التوافق اللبناني «بدون تدخلات أجنبية لحل كل المشاكل التي تفرّق بين اللبنانيين الآن». كما كرر احترام روسيا للتوافق على ترشيح قائد الجيش ميشال سليمان للرئاسة. وإذ رأى أن القمم العربية «تمثّل دائماً حدثاً كبيراً لهذه المنطقة»، أعلن أن الآمال كبيرة في أن القمة الأخيرة «من شأنها أن تساعد اللبناني على إيجاد تسوية سياسية».
بدوره، قال وهاب إن التوافق على سليمان «ما زال سارياً، ولكن المشكلة في الاتفاق على البنود الأخرى وفي توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية»، مشيراً إلى أن الحلول «لم تنضج بعد»، وأن عمرو موسى «لا يحمل أي أشياء جديدة في ظل الموقف الأميركي الواضح من القمة، الذي أراد تعطيلها». ومع جزمه بأن لا حرب أهلية ولا تطورات أمنية في لبنان، أردف: «ولكن هناك حرباً أميركية على لبنان والمنطقة وسوريا وإيران. المهم إلغاء مفاعيل هذه الحرب، وعندها يرتاح لبنان».

ميقاتي: الحديث عن التسلح أكبر من حجمه
كذلك أكد الرئيس نجيب ميقاتي، في حديث تلفزيوني، أن «الوضع الأمني ممسوك إلى حد ما»، وأن لا «إمكان لحصول حرب واسعة»، مشيراً إلى أن «الحديث عن عمليات تسلّح أكبر من حجمه الفعلي». لكنه رأى أن البلد دخل «في مرحلة طويلة من الجمود، ولا أرى إمكاناً لحصول أي تطور إيجابي في الوقت الحاضر، إلّا إذا حصلت مفاجأة كبيرة في وضع المنطقة». ودعا كل الأطراف إلى التوقف «عن إطلاق الشعارات غير القابلة للتنفيذ، وعن إعطاء الآمال الواهية للناس، تارة تحت شعار التشاور، وطوراً تحت ذريعة انتظار نتائج الاتصالات والمبادرات»، مطالباً بأولوية الاهتمام «بتحصين الوضع الأمني ومعالجة المشكلات الاقتصادية والمعيشية التي ينوء المواطن تحت أعبائها».
لكن النائب أحمد فتوح حذّر «من مخاطر أمنية جدية تتهدد اللبنانيين في أعقاب فشل القمة العربية»، مشيراً إلى أن «تصاعد الخطاب التهديدي لأقطاب المعارضة، وتوجيه اتهامات مغرضة وتخويف غالبية الشعب اللبناني وأصدقاء لبنان، وفي مقدّمهم المملكة العربية السعودية، يندرج في إطار خطة لا تخدم الاستقرار أو حل الأزمة اللبنانية». وفيما توقع النائب سمير الجسر حصول اغتيالات، استبعد «أي تصعيد أمني من نوع آخر»، قائلاً «إن الإشارات في الشارع هي للتهدئة أكثر منها للإثارة، وأرى أن السياسة والأمن يتواكبان، وأن مبادرة الرئيس بري هي لخلق مناخ من الاسترخاء يدوم أسبوعين أو ثلاثة». وأشار إلى أن الطروحات بشأن ترميم الحكومة «اقتصرت على ملء المقعد الشاغر باغتيال الوزير بيار الجميل»، وأن الترميم «لن يشمل أيّاً من المقاعد الشيعية، لأنها ليست شاغرة، فالوزراء المستقيلون يمارسون أعمالهم، ما يعني أنهم معتكفون وليسوا مستقيلين».
وشخّص النائب أنطوان زهرا وضع المنطقة بأنه «أشبه ببرميل بارود لا ينقصه إلا فتيل ليشتعل، سواء إسرائيلي أو سوري أو على مستوى حماس أو حزب الله أو على مستويات أخرى، وصولاً إلى الحديث الموثّق أميركياً عن سعي إيران إلى إنتاج أسلحة نووية». ورأى وجوب السعي «إلى تحييد لبنان عن هذه الانفجارات إذا حصلت، وأول خطوة يجب أن تتخذ في هذا الإطار هي انتخاب رئيس للجمهورية».
إلى ذلك، تواصلت مواقف الموالاة المتناغمة مع كلمة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، عشية القمة، التي حصرت سبب الأزمة بـ«التعطيل السوري»، فرأى النائب عمار حوري أن الحل بـ«تزايد الضغوط العربية والدولية على النظام السوري». وقال: «واضح أن المؤامرة على لبنان وعلى المؤسسات الدستورية فيه تحاول أخذ الأمور إلى ما لا نهاية، ليس فقط إلى عام 2009، بل إلى ما بعده، في محاولة للقضاء على هذا الكيان، وهذا حتماً لن يحدث، والانتظار لن يستمر طويلاً، وأعتقد أنه في المستقبل المنظور سيتم حلها».
ولم يكتف النائب هاشم علم الدين بتحميل سوريا مسؤولية الأزمة في لبنان، بل رأى أن «النظام السوري هو السبب في إنتاج المشاكل العربية ـ العربية واللبنانية ـ السورية وتسويقها». واستبعد «أي حل في المنظور القريب، بناءً على الأجواء والطروحات المتوترة بين الأطراف».
ورأى النائب محمد كبارة أن مفتاح الحل «ما زال محتجزاً في أحد سجون المخابرات السورية التي لا تزال تعبث بلبنان»، متهماً المسؤولين السوريين بتحريض بعض الأفرقاء اللبنانيين «على إفشال المبادرة العربية وإحباط مشروع التسوية في لبنان». ورأى أن المشكلة هي أن «المسؤولين السوريين لا يريدون الإقرار بأن لبنان قد خرج من الوصاية، وأنه لم يعد قاصراً عن إدارة شؤونه بمعزل عن ذلك التدخل الذي كان يحصل في كل شاردة وواردة».

«على السلطة التصرف بمسؤوليّة وموضوعيّة»
في المقابل، رأت كتلة الوفاء للمقاومة، في بيان إثر اجتماعها أمس، أن قمة دمشق «أسّست لمناخ إقليمي ملائم من أجل تصويب العلاقات العربية ـ العربية»، وأكدت «أن على دول المنطقة أن تعيد النظر في منهجية التعامل مع العدو الصهيوني الذي يصرّ على عدوانيته ويواصل انتهاكاته واحتلاله للحقوق وللأراضي العربية». ورأت الكتلة أن على الأطراف اللبنانية التعاطي الإيجابي المطلوب لتسوية الوضع، في ضوء تأكيد القمة ضرورة الالتزام بالمبادرة العربية، داعية فريق السلطة «مجدداً لالتقاط هذه الفرصة والتصرّف بمسؤولية وموضوعية لسلوك معبر الشراكة الحصري من أجل إنقاذ البلد وإنجاح الجهود العربية المبذولة». واستندت إلى التقرير الأخير للمحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، للمطالبة بإخلاء سبيل الضباط الأربعة، وبأن يقول القضاء اللبناني «كلمته الحاسمة في هذا المجال، بعدما طالت المسألة لدواع سياسية لا يجوز أن تحكم العمل القضائي المنصف».
ورأى مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» نواف الموسوي، خلال لقائه السفير الياباني توكوميتسو موراكامي، ضرورة «الحؤول دون تحويل الإدارة الأميركية لبنان إلى ساحة لخوض حروبها الساخنة والباردة ضد دول بهدف فرض هيمنتها عليها». ولفت إلى «أن اتفاق الطائف نصّ على أن لا يكون لبنان مقراً ولا ممراً للإضرار بالشقيقة سوريا، بل نصّ على إقامة علاقات مميّزة معها، في حين أن فريق السلطة، وبأوامر خارجية، لا يتوانى عن المجاهرة بالسعي إلى الإضرار بمن تربطه معها، فضلاً عن روابط الانتماء والهوية، ضرورات ومصالح تهم لبنان أولاً».
على صعيد آخر، وفيما أشاد رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن بموقف الجيش «قيادة ومخابرات لأنهم لم يذعنوا للإرادة الأميركية ورفضوا استقبال الطائرة الأميركية الآتية من عاصمة البلد المحتل لفلسطين إلى لبنان»، قلّل النائب فؤاد السعد من أهمية ما ذكره تلفزيون الجديد عن موضوع الطائرة، بالقول: «لا علم لي بهذه المعلومات، ولكن من يستطيع اعتراضها، وأي قذيفة يمتلكها الجيش تستطيع أن تصل إلى هذه الطائرة؟»، واصفاً الأمر بـ«الخبرية التي لا معنى لها».