رامي زريقدورياً، تطلّ علينا المنظمات التنموية الدولية والعربية بتقارير ترتِّب فيها العالم وتقوِّم فيه الدول وفق إنجازاتها في مضامير تنموية مختلفة. تأتي هذه التقارير لتهنئة المتفوقين، ولشن الحملات على الراسبين خصوصاً إذا تزامنت مع وقت (سياسي) مناسب؛ عندها يتبناها المجتمع الدولي (هو نفسه الذي وقف صامتاً خلال 33 يوماً من الإجرام الإسرائيلي في لبنان وأكثر من سنة من الحصار الدموي على غزّة) ويستعملها لإقناع العالم بضرورة محاسبة هذا النظام أو ذاك وفرض العقوبات عليه.
لا شك أن محاسبة الأنظمة ـ كل الأنظمة ـ ضروريّة لحماية الناشطين، كل الناشطين السياسيين في العالم، وخصوصاً في الوطن العربي، لتعزيز التغيير الاجتماعي. لكن يرى الكثيرون من العاملين في هذا المجال أن استنسابية المجتمع الدولي في استعمال تلك التقارير تعود، ولو جزئياً، إلى استنسابية واضعيها من منظمات وأفراد يعملون في تلك المنظمات. ويلفت هؤلاء النظر، مثلاً، إلى الحملات التي يتعرّض لها بشكل دائم النظام السوري الذي يسجن المعارضين السياسيين، فيما يغضّ النظر عن أنظمة في الخليج العربي تضطهد منتقديها وتحملّ المرأة، مثلاً، مسؤولية تعرّضها لاغتصاب.
ويشير كثيرون أيضاً إلى أن المسؤولية تقع، ولو جزئياً على الأفراد الذين يصوغون تلك التقارير، والذين ينتمون إلى فكر سياسي معينّ يطغى على موضوعيتهم ويلوّن كتاباتهم. فكيف يمكن مثلاً شخصاً يرى أن إسرائيل كيان مسالم وأن اللبنانيين هم المعتدون، أن يفعّل مبادرات التنمية البشرية في الجنوب؟ وكيف يمكن شخصاً يصنّف نفسه ضمن فريق سياسي في لبنان أن ينصف المنتمين إلى الفريق الآخر؟
أما السؤال الأهمّ فهو: كيف يمكن المنظمات أن توظّف هؤلاء الأشخاص في عمل يتطلّب حداً أدنى من الانتماء. الإجابة هنا في غاية السهولة، هي إن لم تكن مؤامرة فلا شك أنها حماقة.