راجانا حمية«محلاها عيشة الفلّاح...مطمّن قلبو مرتاح». أغنية قد تعبّر عن بعض ما يتميّز به هذا الفصل، ولكن لا يمكن أن تختصره، فالربيع الذي ينفرد بجملةٍ من الأعياد، منها الأم والطفل والزهور، يحتكر أيضاً عدداً كبيراً من المواسم التي لا يمكن أن تحويها الفصول الباقية.
في مثل هذه الأيّام تحديداً، يتأهّب الفلّاح منذ الصباح الباكر للذهاب إلى حقله وتنقيته من الأعشاب الضارّة وفلاحتها للموسم الجديد، وتتحضّر ربّة المنزل لقطاف خضروات حديقتها من الزعتر الأخضر والهندباء والنعناع، مستثنيةً بعضاً من أيّامها للتسليق قبل أن يأتي أيّار ليسدل بستاره على حياة تلك النباتات، وخصوصاً أنّ الفترة المناسبة لنموّها تنحصر بين شهري آذار ونيسان.
لا ينتهي ربيع القرية هنا، ثمّة مواسم كثيرة تميّز حضوره... فهو شهر اللوز الأخضر أيضاً الذي لا يمكن ألّا نتذوّقه ونختبر لذّة قطافه وأكله من غصن الشجرة طازجاً، وخصوصاً أنّ لوز «البسطة» في المدينة لا يحمل اللذّة والطعم والفائدة نفسها، فضلاً عن أنّه يُباع بسعرٍ مرتفعٍ وصل مع بداية الموسم في بعض مناطق بيروت إلى 20 ألف ليرة.
وبعيداً عن اللوز الذي يُعدّ الموسم الأوّل في الربيع، يتميّز هذا الفصل أيضاً بأنّه موعد نثر البذار في الأراضي وتقليم أغصان الأشجار وموسم تصنيع الحليب واللبن واللبنة والجبنة والزهور وتقطير مائها الذي تنهمك الأمّهات بتفاصيل تحضيره منذ ولادة البرعم.
وللطيور حصّتها، حيث تعود إلى لبنان عصافير الفرّي والسمّن والمطوق ناشدة الدفء والطمأنينة... لكنها قد لا تهنأ بها كثيراً مع العودة الميمونة لبنادق الصيّادين، إذ ينتشر هؤلاء في الحقول منذ ساعات الصباح الأولى، يترقّبون أصواتها في الهواء الطلق لقتلها. ولكن إن كان الصيّاد يسمح لنفسه باصطياد هذه العصافير، فهل يحميها قانون الصيد اللبناني من الموت؟