strong>راجانا حميةلم يحضر عزمي بشارة. الأسباب طارئة، لا سأم من فلسطين، فكلّ من حضر يعرف أنّ بشارة لن يفعل هذا، ولكن «كما يُقال العتب على قدّ المحبّة». فكان العتب الأوّل، قبل الحضور، من المناضل الفلسطيني شفيق الحوت الذي شعر، في لحظة غياب بشارة، بمسؤوليّة الحديث عن ستّين عاماً من المأساة الفلسطينيّة وحيداً. لكن أيّاً يكن السبب فإن من الواجب أن يلبّي أحد هذه الدعوة، لمناسبة انقضاء هذه الستّين على فلسطين، ولمناسبة يوم الأرض، التي لا يسع اللاجئين فيها سوى استرجاع وطنهم في أجنحة معرض.
كان الحوت قاسياً في المناسبة، رغم اعترافه بالحزن والإحباط لاغتصاب أرض فلسطين، فللمرّة الأولى يضع نفسه مكان «العدو»، لينبّه أبناء شعبه إلى تشتّتهم، صارخاً «لو كنت إسرائيليّاً، لما أعطيتكم شيئاً، لأنّني لن أعطي سوى من أخاف من وحدته ومقاومته فقط». لكن ما قاله الحوت لم يكن جديداً، وهو يعرف هذا، وخصوصاً أنّه «من الصعب في مكان ما أن آتي بجديد، فما أحمله بعد ستّين عاماً أمور بديهيّة مجبر على تكرارها باستمرار، خوفاً من محاولات تغييب الذاكرة»، إلّا أنه كان لا بدّ من التذكير بجملة معطيات، أوّلها ما بات مؤكّداً وهو أنّ البحث في القضيّة الفلسطينيّة «يستحيل أن يكون هادفاً ومفهوماً، بمعزل عمّا يجري في الوطن العربي، فما يجري في كلّ بقعة من هذا العالم يتأثّر ويؤثّر بفلسطين»، مع التشديد على «أنّ الفلسطينيّ لن يستطيع تحرير وطنه، من دون دعم هذا العالم، بعيداً عن التمنيّات والعواطف والإنشاء». وبعيداً عن العالم العربي، ثمّة دول عظمى تتحكّم أيضاً في مصير فلسطين، إذ يلفت الحوت إلى «أنّ فلسطين ليست فقط قضيّة شعب واحد، بل هي قضيّة فلسطينيّة عربيّة ودوليّة، تتأثّر بالدول التي تتولّى حماية الحركة الصهيونيّة، وليس آخرها الولايات المتّحدة الأميركيّة».
أمّا الداخل، فالعودة إليه شاقّة كما القضيّة، إذ يرى الحوت أنّ ما يحصل بين فئات الشعب الفلسطيني يؤدّي دوراً بارزاً في تأزيم الحلول، داعياً إلى توحيد الصف «أو أقلّه الصوت، فبدل أن يتكلّم أربعة باسم شعب واحد، لماذا لا يتكلّم فرد واحد؟». وإذ يرى الحوت «أنّ لكلّ من هذه الفئات السياسيّة إيديولوجيّتها»، فإنّه يجد من الإفادة في مكان إعادة «ترميم» منظّمة التحرير الفلسطينيّة، المرجعيّة السياسية الوحيدة للشعب والقضيّة، وفصلها عن السلطة الفلسطينيّة، لسبب بسيط أنّ الجمع بين السلطة والمنظّمة «مع أبو مازن ليس وارداً تحت السقف الذي يحدّد فيه حق العودة بإيجاد حلّ عادل متّفق عليه». لكنّه كان وارداً «مع ياسر عرفات لأنّه كان قادراً على الإمساك بزمام أكثر من قيادة تحت كوفيّته، وكان حقّ العودة معه شاملاً من دون استثناءات». أمّا الدعوة الأخيرة للحوت، فكانت التحرّك السريع لإعادة العمل بالمنظّمة، لتضمّ كل فئات الشعب لأجل فلسطين.
ورغم كلّ تلك البديهيات التي أطلقها الحوت، كان لا بدّ للاجئين من اختراع ما يسدّ نقصهم للوطن، فأقاموا، لهذه الغاية، معرضاً للتراث الفلسطيني تحت عنوان «معرض التراث الوطني الفلسطيني الأوّل في لبنان»، جمعوا فيه ما أمكنهم من أشياء فلسطين، من الزعتر والليمون والزيتون ومجسّم القدس وحاراتها، كما جمعوا صوراً عن القرى...وحنظلة والخارطة، وكلّ ما يمتّ بصلة إليها، فكان المعرض «الوعاء البديل على قياس تراب فلسطين»، كما لفت المنظّمون. أمّا الهدف، فانحصر في اثنين «تعميق العلاقات الأخويّة والقوميّة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني على أرض لبنان، وتبيان جماليات المناحي الثقافيّة لشعب تشرّد...لكنّه بقي تحت الشمس».
يُذكر أنّ المعرض يستمرّ إلى الثلاثاء المقبل، من العاشرة صباحاً، إلى الثامنة مساءً.