إبراهيم الأمينثمّة الكثير من الكلام عن العلاقة بين قوى المعارضة الفاعلة (حزب الله، التيار الوطني الحر، حركة أمل... إلخ) والزعامات السنّية المعارضة لزعامة آل الحريري. وثمّة ما هو أكثر عن العلاقة الملتبسة بين الزعامات السنّية ذاتها، التي لا تعيش وحدة حقيقية، بل يمثّل تحالفها نقطة تقاطع بسبب الموقف الحاد لزعامة الحريري منها، والحملة القاسية والظالمة التي يستهدفها بها الحريري وأنصاره. إلا أن الأمر لا يتصل فقط بهذا النوع من الحسابات، لأن الأقطاب الأبرز في المعارضة يتحدثون صراحة عن «الثغرة السنّية» في صفهم، تماماً كما يتحدث فريق الموالاة عن «الثغرة الشيعية»، رغم أن حضور المعارضين في أوساط السنّة يمثّل ما حدوده 25 إلى 30 في المئة من الكتلة السنّية الإجمالية، مقابل معارضة شبه منعدمة للتحالف المسيطر على الوجهة الرئيسية للشيعة في لبنان.
لكن، هل صحيح أنه يمكن تحقيق اختراق جدي في الوسط السنّي عن طريق الزعامات المعارضة الحالية؟
لا تبدو الصورة على هذا النحو، إذ إن الموقف السياسي لا يتصل فقط بالرغبة في تحقيق تقدم بالنقاط. ولا يكفي الركون إلى حالات تململ تسود أوساط فريق الموالاة، بسبب نقص في التواصل، أو خلل في التنسيق، لأن هذه الاحتجاجات لا تمثّل الأساس الثابت، باعتبار أن غالبية الذين احتجّوا على أداء سلوك تيار المستقبل، لم يتوجهوا صوب الآخرين. وصار رجاء المعارضة محصوراً في تنامي الاعتراض، عسى أن يقود إلى انتقال المحتجين صوب فريق المعارضة، وهذا يعود أساساً إلى شعور الطرفين المحتجين بصعوبة بناء الثقة، على اعتبار أن المحتجين لا يزالون في موقع يقف إلى يسار القيادة التي التحقوا بها، وهم إذا ما شعروا بالضيق يقولون أشياء كثيرة، تبدو في غالبيتها في إطار «الاحتجاج التنظيمي» لا في إطار الاحتجاج السياسي، بل على العكس، فإن هؤلاء لا يمارسون أي انزياحات سياسية في اتجاه الفريق الآخر، ويمكن تلمّس ذلك في المفردات ذات الخلفية المتوترة. إذ يجري وصف المعارضين السنّة بأنهم أدوات وعملاء للطرف الآخر، وفي حالات كثيرة أُطلقت عليهم تسمية «الشيعة الجدد».
وسط هذه المناخات، جرت محاولات لتنشيط الجهات المعارضة في الوسط السنّي، وتلقت مجموعات كثيرة منها دعماً حقيقياً بغية إظهارها في موقع القادر على المنافسة، وجرى تقديم بعض المقامات السنّية على أساس أنها شريك كامل، لكنّ ذلك لا يكفي لقلب الصورة. إلا أن الحريري، تحديداً، ليس شديد القلق، ويشعر بأنه يملك رصيداً تركه له والده يكفيه فترة طويلة لارتكاب الأخطاء، ما دام لم يغير ما في الجوهر. ومصدر اطمئنانه يعود أيضاً إلى أن العقل الجماعي للسنّة في لبنان لا ينطوي على أيّ إشارات إلى تحولات في العناوين الأساسية. لكن مصدر القلق الفعلي للحريري هو الجهات الإسلامية التي تملك وحدها القدرة على فرض وقائع قاسية على تيار الحريري، ليس أقلها الانقسام الحقيقي وإعادة النقاش إلى عناوين يعتقد الحريري أنه نجح في إبعادها عن العقل النقدي لدى السنّة، وهي التي تتصل بواجب هؤلاء ودورهم في مواجهة المشروع الأميركي في العالم والمنطقة. وفي هذه النقطة بالتحديد، يكمن الخلل المركزي عند القوى القادرة في المعارضة صياغة تواصل جدي مع الجهات الإسلامية النافذة في الوسط السنّي، ولا سيما منها الجماعة الإسلامية. وليس منطقياً أن تُطلب هذه المهمة من الفريق المسيحي في المعارضة ولا من الأحزاب العلمانية، ولكن بين سنّة المعارضة من عليه واجب المحاولة، مثل الرئيس عمر كرامي والنائب أسامة سعد. أما الأهم، فهو ما يفترض بحزب الله القيام به في هذا المجال.
مع بعض التدقيق الواجب لدى جهات وسيطة، يتبيّن أن الجماعة الإسلامية تعاني أزمة في التواصل مع قوى المعارضة، وثمة الكثير من المعطيات عن تيارات تتجاذب هذا الفريق، من الملفات الداخلية إلى العلاقة مع سوريا. وليس خافياً على أحد الكلام عن نجاح تيار المستقبل في استمالة بعض قادة هذا الفريق مباشرة، أو إحراج قادة محليين آخرين في هذا الفريق من خلال المواقف الحادة، فيما تريد الجماعة الاحتفاظ بموقف وسطي، وهو الأمر الذي ترافق مع تنامي دور طبقة من رجال الدين الذين يعملون حول دار الإفتاء، وتربطهم صلات بالجماعة الإسلامية أو ببعض قادتها البارزين، لكن مجرد خروج رجال الدين السنّة إلى التصدي لمواجهة خصوم الزعامة الحريرية في لبنان، مثّل تحدياً لفريق الجماعة. ذلك كلّه لا يلغي حقيقة أن حزب الله لم يبذل حيال الجماعة جهداً موازياً أو مناسباً للجهد الذي بذله مع التيار الوطني الحر من أجل صياغة تفاهم يتناول شؤوناً كثيرة، ليس بينها الموقف الواجب اتخاذه من المشروع الأميركي والإسرائيلي، بل آلية إشراك الجماعة في هذه المعركة، ومساعدتها أو إقحامها في مشروع المقاومة، وخصوصاً أن صلات عقائدية وتنظيمية تربطها بشكل أو بآخر بحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين. وهي صلات تتقاطع مع علاقات لقادة من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من الذين يلتزمون موقفاً واضحاً ضد المشروع الأميركي وتحالفاته، مثل قيادة الإخوان في مصر، والشيخ يوسف القرضاوي. كما أن اعتراضات الجماعة على بعض تحالفات المعارضة، تتصل عملياً بملاحظات فريق الجماعة على السياسة السورية التي اتّبعت خلال العقدين الأخيرين. وفي معزل عن النقاش النقدي لخطاب الجماعة، فإن واقع الأمر لا يشير إلى أن حزب الله قرر تأليف خليّة تمثّل مركز القرار فيه، وتدرس بصورة مكثفة ووفق استراتيجيا واضحة آلية التواصل مع هذا الفريق، وتحديد نقاط التفاهم لتوسيع الإطار التحالفي في مواجهة مشروع نقل لبنان من موقع مسهم في نهضة العرب الجديدة في مواجهة المشروع الغربي، إلى موقع الملتحق الذاهب نحو الاندثار. ومهما قيل عن محاولات سابقة، فإن ما هو غير معلن عن بعض الاتصالات المهمّة يمكن تحويله إلى ورقة عمل تقع على حزب الله مسؤولية متابعتها. وحتى لو نظرنا إلى الموضوع من باب «المصلحة» الصرفة، فإن الجماعة الإسلامية تمثّل الثقل العقائدي الذي يكسر العصبية المذهبيّة التي تستند إليها الحريرية في تقديم خطابها السياسي.