أنطوان سعدتركت زيارة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى العاصمة الأميركية انطباعاً إيجابياً لافتاً لدى إدارة الرئيس جورج بوش.
وبحسب مصادر أميركية واسعة الاطلاع، فإن المسؤولين الذين التقوه رأوا أنّ أداءه أفضل بكثير من أداء رئيس تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. إذ لفتهم في شكل خاص أنه أعدّ بعناية لاجتماعاته، وأتى مزوّداً بمذكرات وأوراق عمل، وأنه على عكس زميليه المشار إليهما، أبدى تفهّماً وفهماً للسياسة الأميركية وللمواقف والأجوبة التي قدّمها المسؤولون الأميركيون رداً على أسئلته
واستفساراته.
وقد أتت هذه الزيارة لتؤكد لإدارة الرئيس بوش التقارير التي كان يرفعها السفير الأميركي جيفري فيلتمان عن التعاون الذي يبديه رئيس القوات اللبنانية منذ خروجه من السجن، فضلاً عن المواقف المؤيدة دون لبس للسياسة الأميركية التي يعلنها هذا الأخير دون مواربة، بخلاف الحلفاء الآخرين الذين يبدون دائماً خجلين بتحالفهم مع الإدارة الأميركية رغم كونهم المستفيدين الحقيقيين من الدعم الأميركي للبنان.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى الاختلاف الكبير في الظروف والاتجاهات المتحكمة في الرأي العام المؤيد لجعجع، عن تلك التي تطبع سلوك الرأي العام المؤيد لتيار المستقبل.
أما بالنسبة إلى سلوك الرأي العام المؤيد للحزب التقدمي الاشتراكي فلا تأثير على اتجاهاته سوى إرادة زعيم المختارة، الذي بإمكانه أن يأخذ مناصريه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بطرفة عين، ودونما حاجة إلى أي
تبرير.
ولعل هذه الاختلافات في اتجاهات الرأي العام قد خبرها المسؤولون الأميركيون، وبخاصة من يعملون في مجال المساعدات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. إذ على رغم أن معظم مساعداتهم المخصصة للبنان موجهة إلى المناطق غير المؤيدة، لا بل المعادية لهم، فإنهم لم يحصدوا أي تبديل في اتجاهات الرأي العام
فيها.
فيما المناطق المعتبرة غير معادية للولايات المتحدة لا يحظى بعضها بشيء من المساعدات، وبعضها الآخر يحظى بما لا يذكر، والسبب بحسب مصادر قريبة من الأميركيين هو أن هذه المناطق لا تستوجب مجهوداً كبيراً للحصول على صداقة الفعّاليّات فيها.
ثمة معطيات تشير إلى بداية بروز اتجاه في الآونة الأخيرة لتحقيق نوع من التوازن بين المناطق في عملية تمويل المشاريع ذات المنفعة العامة والمساعدات المخصصة للجمعيات الأهلية.
وثمة من يتوقع أن تظهر مفاعيل هذا الخيار في المدى المنظور، من خلال تقديم مساعدات إلى مناطق لم تحظَ يوماً بمساعدة من المؤسسات الأميركية. حتى إن هناك من يدرج دعوة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية إلى واشنطن في هذه الخانة، طبعاً إضافةً إلى العوامل السياسية الناتجة من سياسة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، ومواقفه من الإدارة الأميركية، التي يغلب عليها الانتقاد
والمواجهة.
بالعودة إلى مباحثات جعجع في العاصمة الأميركية، تفيد المصادر الأميركية الواسعة الاطلاع أن رئيس القوات تطرق إلى مسائل التوطين ومزارع شبعا وقانون الانتخاب. وفي الموضوع الأول تلقّى تطمينات تعكس تبدّلاً جذرياً في موقف الإدارة الأميركية من هذه المسألة، إذ إن هذه الإدارة منذ مطلع القرن الحالي، بخلاف مواقفها غير المعلنة في السنوات الثلاثين الأخيرة التي كانت ترى أن لا مفر من التوطين حتى في لبنان، تبدي تفهماً لدقة الوضع اللبناني، وسبق أن أعربت لأكثر من مسؤول روحي وسياسي عن أخذها الخصوصية اللبنانية
بالاعتبار.
فيما كان المسؤولون الأميركيون في السابق يتساءلون أمام نظرائهم اللبنانيين المقربين إليهم عن مصير اللاجئين الفلسطينيين «أين تعتقدون أنهم سيذهبون؟».
في موضوع مزارع شبعا، كان الأميركيون صريحين مع جعجع عندما أثار هذه النقطة، طالباً أن تعمد واشنطن إلى الضغط على إسرائيل لكي تنسحب منها وتسلّمها إلى قوات اليونيفيل، إذ إنهم أجابوه بأن المسألة شديدة التعقيد، وبأنه من الصعب عليهم أن يطلبوا ذلك، وأبدى إذّاك رئيس القوات تفهّمه للموقف الأميركي.
أمّا بالنسبة إلى الحاجة اللبنانية إلى قانون جديد للانتخابات النيابية، فقد أوضح الأميركيون أنهم ليسوا مهتمّين بدعم أي مشروع إلا إذا حاز موافقة حركة الرابع عشر من آذار برمّتها.
ثمة في القوات اللبنانية وخارجها من يعتقد بأن الزيارة إلى واشنطن فتحت الطريق أمام القادة المسيحيين إليها، بعد إقفالها في وجوههم لأكثر من أربعة وعشرين عاماً، وأنها تؤسّس لمرحلة جديدة تعلّم فيها الطرفان ما هي حدود اللعبة، بعدما دُفعت في السابق، بسبب عدم معرفة هذه الحدود جيداً، أثمان باهظة منذ رفض اتفاق الأسد ــ مورفي في أيلول 1988، وصولاً إلى معرفة كيفية التعاطي مع الدور السوري في لبنان بعد إقرار اتفاق الطائف وإجراء الإصلاحات الدستورية في أيلول 1990 بإلحاح أميركي لا لبس
فيه.