طارق ترشيشيلا ينقطع الحديث في كل الأوساط السياسية والشعبية عن احتمالات نشوب حرب على الجبهتين اللبنانية والسورية، وعلى الجبهة الإيرانية، متزامناً مع ما يصدر من مواقف داخلية على مستوى قيادة المقاومة تؤكد الجهوزية للتصدي لأي عدوان إسرائيلي جديد، وكذلك ما يصدر من مواقف سورية وإيرانية مماثلة، في مواجهة مواقف إسرائيلية وأميركية تهدد حيناً وتهادن حيناً آخر.
وقد ارتفعت وتيرة هذا الحديث قبيل وأثناء المناورات الإسرائيلية الضخمة الجارية على الجبهة الشمالية في مواجهة حدود لبنان وسوريا، والمستمرّة لخمسة أيّام، رغم ما سمّته إسرائيل «رسائل التطمين» التي وجّهها رئيس حكومتها إيهود أولمرت. فهذه الرسائل غير مأمونة الجانب لدى المقاومة، ولا لدى سوريا المتحسّبة منذ عدوان تموز عام 2006 وحتى اليوم لاحتمال شن إسرائيل عدواناً جديداً عليها أو على لبنان. ولذا، فإن المقاومة وسوريا في آن لا تسقطان من حسبانهما احتمال لجوء إسرائيل إلى أسلوب المباغتة الذي كانت المقاومة قد فوّتته عليها في عدوان تموز 2006، وكان ذلك سبباً من أسباب هزيمتها.
وفي غضون هذا الواقع، تتجاذب الوسط السياسي اللبناني نظرتان متناقضتان إزاء مستقبل النزاع العربي ــ الإسرائيلي عموماً، والنزاع بين المقاومة وإسرائيل خصوصاً، وكذلك النزاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية.
أصحاب النظرية الأولى التي تستبعد الحرب يستندون إلى الآتي:
1ـ إن إسرائيل لم تجهز بعد لشن حرب جديدة على حزب الله، أو عليه وعلى سوريا في آن معاً. وتدلّ على ذلك حال الإرباك الداخلية التي تعيشها والتي أجّجها تقرير لجنة فينوغراد، فضلاً عن أنّ إسرائيل ليست واثقة من أنّ دخولها الحرب سيؤدي إلى الانتصار فيها، وخصوصاً بعد أن باتت المقاومة قادرة على التصدّي لها برّياً أو من خلال السلاح الذي يغطي كل زوايا فلسطين المحتلة.
2ـ إن إسرائيل التي تستعدّ للاحتفال بعيد تأسيسها الستين في 15 أيار المقبل، ليست قادرة على شن حرب قبل هذا التاريخ، وخصوصاً أنها ليست بضامنة الانتصار فيها.
3ـ إن الولايات المتحدة الأميركية الغارقة في معركة انتخابات الرئاسة، تستعد لتوقيع المعاهدة بينها وبين الدولة العراقية خلال الفترة الممتدة من 15 أيار إلى 15 تموز المقبلين. ولذا، ليس من مصلحتها أن تشن حرباً على إيران أو أن تشجع إسرائيل على شن حرب على المقاومة وسوريا، لأن هذه الحرب ستؤجج المقاومة داخل العراق. وقيل في هذا المجال إن وسطاء تحركوا في الأيام الأخيرة، بإيعاز أميركي، من أجل وقف المواجهات التي دارت في البصرة بين جيش السلطة العراقية وقوات «جيش المهدي»، لأن واشنطن استشعرت خطراً على وجودها، بعدما كادت المواجهات تنتقل إلى بغداد ومناطق أخرى.
4ـ إنّ الإدارة الأميركية الجمهورية ستدخل بعد 15 تموز في المدار المباشر لانتخابات الرئاسة. وفي خلال هذه الفترة، لن يكون في مقدورها شن حرب على إيران أو تشجيع ودعم أي حرب إسرائيلية على المقاومة وسوريا، يمكن أن تنعكس نتائجها سلباً على الموقف الانتخابي للجمهوريين في مواجهة الديموقراطيين.
أمّا أصحاب النظرية الثانية، التي ترجّح احتمالات الحرب، فإنهم ينطلقون من الآتي:
أولاً: إن إسرائيل تناور في حديثها عن عدم الرغبة في شن حرب على لبنان وسوريا، وكذلك تناور الولايات المتحدة في الحديث عن عدم الرغبة في تسديد ضربة عسكرية لإيران. فكلتاهما تريدان هذه الحرب: إسرائيل لإعادة الاعتبار إلى جيشها المهزوم ودولتها المهتزّة، وإدارة الرئيس جورج بوش لتعويم وضعها الانتخابي في مواجهة الديموقراطيين بعد الفشل الذي أصاب مشروع «الفوضى الخلّاقة»، من أفغانستان إلى العراق وفلسطين ولبنان، وفي مواجهة الملف النووي الإيراني.
ثانياً: إن المناورة الإسرائيلية قد تكون بداية التحضير لحرب جديدة على لبنان وسوريا، سوف تعتمد فيها أسلوب المباغتة، ولا أحد يأمن الجانب الإسرائيلي، وخصوصاً أن إسرائيل ستبدّل الدفعة الأولى من قوات الاحتياط التي كانت قد استدعتها إلى الخدمة في 20 من الجاري بالدفعة الثانية التي استدعتها، ولا أحد يضمن أن تلجأ إلى إبقاء الدفعتين في الخدمة، استعداداً لشن حرب تريدها أن تكون خاطفة، لعلّها تلاقي الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسها في 15 أيار المقبل بـ«انتصار» ما، يرفع من معنوياتها.
وفي ضوء هاتين النظريتين، تقول أوساط سياسية إن أي حرب يمكن أن تفكر بها إسرائيل أو الولايات المتحدة في المنطقة، ليست مضمونة النتائج، وإن «عنصر المباغتة» الذي يمكن أن تركن إليه هذه الحرب ليس مضمون النجاح، لأنه ليس موجوداً في قاموس المقاومة في لبنان أو سوريا أو إيران، لأنها متحسّبة له بقوّة، ولأن موازين القوى ليست راجحة لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، في ضوء ما يطرأ من تطورات عسكرية وتسليحية على الجبهات الإقليمية المختلفة، مترافقة مع تطورات تشهدها مواقف القوى الدولية الفاعلة بشأن مستقبل الأوضاع في المنطقة والنزاعات الدائرة فيها.