غسان سعودمنذ استقالة وزراء المعارضة من الحكومة، يقرُّ مجلس الوزراء في كل جلسة يعقدها عشرات القرارات التي لا تجد وسط المعارضة من يتابعها ويدقِّق فيها، في ظلّ كلام يتردد عن أن الموالاة تستكمل بناء الجزئيّات في رسم متكامل يضمن لها الاستمراريّة حتى لو أقصيت عن السلطة، وخصوصاً أن قوى 14 آذار التي تحصي حجمها في كل بلدة على طول الأراضي اللبنانيّة وعرضها لتوزيع «نفوس» أنصارها بين هذه البلدات بما يضمن إمساكها بالغالبيّة الشعبيّة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي اللبنانيّة، تعتمد سياسة قديمة تقضي بالترخيص للجمعيات العائليّة تمهيداً لاستخدامها لاحقاً في الإيعاز الانتخابي لأبناء هذه العائلات، وتحاول إغراق مناطقها بالمؤسسات الخيريّة، الصحيّة، والاجتماعية لتضمن استمرار الخدمات للمواطنين.
هذا كلّه في ظل تراكم معطيات عند المعارضة عن كيديّة في تعاطي مسؤولي الأكثريّة النيابيّة مع موظفي القطاع العام وانتقائيّة في ترفيع هؤلاء وتعيينهم. ويذكر النائب نبيل نقولا في هذا المجال خمسة نماذج عن سعي السلطة لتصغير مؤسسات الدولة حتى تغدو في حجم بعض الأحزاب، و«ضرب ما بقي من حضور مسيحي في إدارة
الدولة».
أول هذه النماذج في تلفزيون لبنان، حيث يحضّر الوزير غازي العريضي (الذي لم يردّ على الاتصال به من هاتف «الأخبار») لتشكيلات جديدة تضمن للحزب التقدّمي الاشتراكي حضوراً طاغياً في التلفزيون. فبعد إمساك أحد المقربين من العريضي بمجلس إدارة التلفزيون، وسيطرة تيار المستقبل على مديريّة الأخبار، استحدث العريضي 3 مناصب جديدة، هي مساعد مدير عام، مستشار قانوني، ومسؤول توظيف داخلي.
ويجري تداول ثلاثة أسماء مقربة من العريضي لملئها، الأمر الذي يتيح لوزير الإعلام، بحسب نقولا، تعويض توقف إذاعة صوت الجبل عن البثِّ. مع العلم بأن موظفي صوت الجبل جرى استيعابهم في مطلع التسعينيات في تلفزيون لبنان والوكالة الوطنيّة للإعلام التي يقول نقولا إن ملفها بات شبه جاهز لديه وسيعرضه على الرأي العام
قريباً.
أما ثاني النماذج، ففي وزارة التربية، حيث حال تدخل الإعلام دون استصدار الوزير خالد قباني، أواخر شباط الماضي، مرسوماً استنسابياً لتعيين مدير التعليم الثانوي حصراً، لأنه من حصّة الطائفة السنيّة في ظل شغور ثمانية مواقع لرؤساء المصالح منذ
أعوام.
ويقول نقولا إن قباني يحاول اليوم تأمين أسماء مقبولة عند فريقه السياسي لملء كل المراكز الشاغرة في التربية التي تراجع الحضور المسيحي فيها على مستوى رؤساء الدوائر إلى أقل من
15%.
ويمثِّل استهداف الموظفين النموذج الثالث، ويقدم نقولا مثلاً هو المدير العام لوزارة الزراعة لويس لحود الذي حصل على درجة ممتازة في تقييم التفتيش المركزي لأدائه عام 2005، لكنه فوجئ بإعفائه من مهام وظيفته بعد أشهر قليلة ووضعه تحت تصرف رئيس مجلس الوزراء.
ورغم حصوله في 14/11/2007 على قرار من مجلس شورى الدولة يقضي بإبطال المرسوم السابق، فإن مجلس الوزراء لم يحرّك ساكناً، علماً بأن لحود يقول إن استهدافه هو لتحقيق أهداف خاصة ذاتيّة وغير مشروعة تتعلق خصوصاً برفضه عقد اتفاق رضائي لتأمين الأدوية اللازمة لمكافحة مرض «الفارماز» الذي يصيب النحل بقيمة مليار و742 مليوناً و400 ألف ليرة، مطالباً بإجراء مناقصة عموميّة منعاً لهدر المال العام. علماً بأن الحكومة عيّنت مكان لحود مديراً عاماً بالوكالة مقرّباً من تيار
المستقبل.
أما النموذج الرابع، ففي وزارة الأشغال العامة والنقل، حيث يقول نقولا إن مستشاري الوزير محمد الصفدي نفوا علم الوزير بفسخ التعاقد مع المحامين جورج جاموس، فكتور طبّال ورياض مجدلاني في مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، وتعيين محسوبين على تيار المستقبل والحزب التقدمي محلهم. ويذكر نقولا أن ثمة عشرات القرارات المماثلة التي يفضل عدم إثارتها اليوم، في انتظار وقت يكون ممكناً فيه معالجة هذه المخالفات «التي تصر السلطة على تجاهلها».
وخامس النماذج، في وزارة العمل التي طلبت تعيين 9 مهندسين بعد إجراء مباراة، وحين أعلن مجلس الخدمة المدنيّة فوز 8 مسيحيين وواحد سني، رفض الوزير الوكيل حسن السبع توقيع مرسوم التعيين.
نماذج يقول نقولا إنها عيّنة من نظام حكم ومشروع حكومي يقوم على الكيديّة والاستفزاز. كيديّة يدعو نقولا المشككين فيها إلى متابعة أسلوب تعامل الوزراء ومستشاريهم مع الموظفين المؤيدين للمعارضة، واستفزاز يتكرر يومياً في القرارات الإنمائيّة والخدماتيّة التي تفيض كرماً على بعض المناطق وتبخل جداً على مناطق أخرى.