راجانا حميةكان من المفترض أن يكون «الدرس» عن العنف الأسري وأشكاله، لكن لا مفرّ من الخروق في بعض الأحيان، وإن كانت عابرة ومن دون قصد... أو أنّ بعض المستهدفين من النشاط لم يعتادوا بعد على بدائل العنف. لم يكن هذا من ضمن الدرس، ولكنّه «حدث» عنفي، إذا أمكن القول، لم يلحظه أحد، لا من تلامذة المدرسة ولا من المنظّمين الآتين من مراكز التوعية، وقد لا يلحظونه، فهو حدث خارجاً، بعيداً من القاعة التي تحتضن النشاط، وللصدفة كنّا نحن من رأى مشهداً آخر مغايراً لما سيكون في محاضرة الصف الثامن في مدرسة ابن خلدون.
في الملعب، في المكان البعيد عن المحاضرة، «مثّل» الناظر مشهداً حقيقيّاً للعنف، عندما دفع بإحدى يديه تلميذاً «مشاغباً»... في فرصته. وللصدفة أيضاً، حضر هذا الأخير الدرس مع تلامذته وعلّق على الموضوع، فكان تعليقه منطقيّاً، أقلّه لمن حضر المشهد في الملعب، عندما توجه إلى المحاضِرة أمل يونس بالقول: «إنّ الأهل الذين يعنّفون أولادهم، ربّما تكون ردّة فعلهم ناجمة عن تصرّف خطأ لابنهم بقدر ما هو ناتج عن تكرار نصيحتهم له مرتين أو ثلاثاً». وكان من المنطقيّ أيضاً أن يؤخذ هذا التعليق بعين الاعتبار، وخصوصاً «أنّ الشباب ليسوا الوحيدين المعرّضين للعنف، إذ يكونون في غالبيّة الأحيان هم المعنِّفين لأهلهم»، ولكن الجلسة لم تكن مخصّصة للنقاش مع الأهالي، حيث تقتصر المرحلة الأولى على طرح الموضوع مع الشباب أنفسهم.
في المرحلة الأولى، التي بدأها مركز الخدمات الإنمائيّة في الشيّاح التابع لوزارة الشؤون الاجتماعيّة، بالتعاون مع «جمعية كفى عنف واستغلال» في المدرسة، حاول المنظّمون ونادي الشباب التطوّعي وضع التلامذة أمام مشاهد تمثّل الواقع الذي يعيشه كثيرون في مجتمعهم، فكان الدور المطلوب من الممثّلين حشد ما أمكنهم من صور العنف لتوعية التلميذ ــ الشاب الذي قد يكون في لحظاتٍ مقبلة هو من يتعرّض لتلك المشاهد. مثّلت فاطمة زبيب (مركز الشيّاح) وحسن وملاك من النادي في المشهد الأوّل وضع العائلة المفكّكة، فجسّدوا فيها جميع أنواع العنف الجسدي والمعنوي والمادّي والكلامي، تمهيداً للمحاضرة المرافقة لكلّ مشهد، حيث تعمد يونس إلى إعادة لقطاته مع التلامذة وإعطاء التعريفات المناسبة لكلّ حالة.
مشهدان آخران عن العنف تطرق المتطوّعون فيهما إلى العنف الجنسي ومخاطره، تُركت بعدهما الدفّة لتلامذة «المراهقة الأولى»، كما سمتهم يونس، لينسفوا كلّ ما كان ويعطوا الصورة المثاليّة للعائلة التي يحلمون بها من دون كلّ تلك الأنواع، فكانت النتيجة «مساطر» وزّعتها «كفى»، حملت آمالاً ونصائح من «ولد» إلى «أهلنا الكرام»، كما كتب أحدهم مطالباً إيّاهم بـ«قبلة قبل المدرسة وبعدها». قد تكون هذه رسالته لأهله «الكرام»، ولكن ثمّة مطالب أخرى مثل «الاحترام ومنح الثقة والتفاهم والحب»... ولكن لماذا المسطرة؟ يتساءل البعض، والجواب كما أرادته «كفى» ملائماً لجو الدراسة «لأنّ المسطرة للخط مش للخبط»...
يُذكر أنّ النشاط بدأ أوّل من أمس مع نحو 55 تلميذاً، ويستمرّ في مدراس أخرى يجري اختيارها عشوائياً، إلى أن يصل العدد إلى 150 تلميذاً، على أن يُختتم بمعرض للمساطر لم يُحدّد مكانه بعد.