إبراهيم الأمينغالباً ما تدلّ وسائل الإعلام في بلدٍ ما على واقعه السياسي والاجتماعي. ومع أن النظام في سوريا لا يتيح التعددية في امتلاك وسائل الإعلام على اختلاف طرائقها، لسوريا علاقة خاصة مع وسائل الإعلام، وخصوصاً مع التلفزيون، ويمكن ملاحظة مفارقة، لناحية أن ما يفترضه كثيرون ممنوعاً على السوريين، يتحول إلى حليف للنظام، وحليف قوي أيضاً.
المواطنون في سوريا يشاهدون التلفزيون بكثرة. وقنواتهم الرسمية محافظة بما لا يتعارض مع المزاج الاجتماعي لغالبية الشعب السوري. حتى إن الفئة الأكثر تطلباً تتعايش مع الوضع. صحيح أنها تريد تغييراً شاملاً، لكن الصحيح أيضاً أن هذه المجموعات تبدو كأنها لا تقوى على الحركة. ثمة الكثير يقال في هذا المجال، عن الضغوط والسجون. لكن النتيجة الملتبسة واحدة: إن قدرة النظام في سوريا على الصمود، تبدو أقوى بكثير من قدرة معارضيه على التغيير. ومصيبة المعارضين ليست في غياب البرامج التي تقنع المواطنين بهم، بل في التباس يقوم حالياً لناحية الخلط بين موقعهم وموقع آخرين من أعداء النظام في سوريا من الذين صاروا جزءاً من المشروع الأميركي في المنطقة، حتى بات الكل يتندر بأن انضمام عبد الحليم خدام إلى المعارضة أدى إلى إضعافها، حتى باتت مثل شائعات خدام عن انقسامات السلطة وحكاياته المستمدة من دفاتره القديمة.
ليس أمراً عادياً الشعور باللامبالاة إزاء ما يقوله خدام، أو «الناشط في تيار المستقبل» كما يسمّيه بعض رفاقه القدماء. لكن ظهوره على التلفزيون لا يبدو محبباً. وذات مرة، تعمّد التلفزيون السوري استضافة دريد لحام وصباح فخري في سهرة فنية طويلة، أتت على كل نسب المشاهدة، فطار مفعول حلقة خدام، علماً بأن الترويج لها كان كبيراً. «إنه فيلم بطيء وممل» يقول أحد الذين يصفون أنفسهم اليوم بـ«الحياديين». ويضيف: «لقد مثّل خدام الوجه القذر خلال وجوده في السلطة، وهو يمثّل اليوم دور الدمية التي تركت تحت السرير منذ عقود. ليس فيه ما يشجع حتى على الاستماع إليه».
يبدو أن مداخلات خدام تحولت إلى منصة يستخدمها الآخرون للإشادة بالنظام: «هل تجوز المقارنة بين بشار الأسد وعبد الحليم خدام؟» يسأل «المحايد» قبل أن يجيب: «اسمع، أنا أشرح لك لماذا بات التلفزيون حليفاً للنظام عندنا، لقد بات السوريون يشاهدون يومياً ما يجري في العراق. الاحتلال الأميركي للعراق، والقتل اليومي المجاني، والفوضى المذهبية والعرقية والطائفية والاقتصادية والأمنية. إنهم يشردون للحظات، وهم يشاهدون ما يحصل في أحياء بغداد وبقية المدن، يغمضون أعينهم ويتخيّلون المشهد نفسه في أحياء دمشق وحلب وحماه، وعندها يستفيقون غاضبين: حالنا الآن أفضل، وإن بقيت لعقود أربعة إضافية كما هي، وإذا كان علينا الاختيار بين بشار ونموذج العراق، فلا مجال لانتظار الجواب».
«الحيادي» نفسه لديه القدرة على كتابة مجلدات في انتقاد الحكم. لكنه يعود مجدداً إلى التلفزيون: «تخيّل جماعة 14 آذار في لبنان، قالوا كلاماً عنصرياً ضد السوريين، ليس ضد النظام وحده، بل ضد كل السوريين. حتى المعارضون أنفسهم صاروا يخجلون من زيارة لبنان أو الحديث عن علاقاتهم اللبنانية. لم يعد هناك سوري واحد إلا يشعر بأنه مقصود بهذا الكلام. والروايات التي ينقلها العمال الذين فروا من لبنان بعدما قتل منهم من قتل وتشرد من تشرد، والإطلالات البهلوانية لوليد جنبلاط وسعد الحريري وسائر الفرقة، كلها تحولت إلى حملة دعائية لمصلحة النظام... هل يتخيّل أحد أننا سنفاضل بين الحكم عندنا وفارس سعيد أو نايلة معوض؟».
هو نفسه التلفزيون، يضيف «الحيادي»: «حسن نصر الله شخصية شعبية عامة في سوريا. لا يجرؤ أحد على تناوله، ليس خشيةً، بل احتراماً. حتى عتاة الأصوليين الذين ينشطون على خلفية ما يجري في العراق والجزيرة العربية، يتحدثون عنه باحترام. إنه يمثل قيمة معنوية كبيرة. وتهمة بشار الأسد الأساسية أنه يقف إلى جانب نصر الله. هل عليّ أنا السوري أن أخجل بهذا أم ماذا؟». ويتابع «الحيادي»: «تعرف، عندما يطل نصر الله في خطاب عام، لا يحتاج المسؤول في التلفزيون السوري إلى إذن من التوجيه أو الرقابة، ينقله مباشرة ومن دون تدخّل، يعرف أن ما يقوله هذا الرجل مقبول، بل هو أكثر من ذلك، ما يقوله يعزّز موقف الحكم».
«إنه التلفزيون يا عزيزي». يصر «الحيادي» على اعتباره وسيلة قوية بأيدي خصوم أميركا في المنطقة: «تعرف أن برنامج «باب الحارة» فيه الكثير من الوقائع المفتعلة. لكن الجمهور قبل حتى بإضافة وقائع لم تكن حاصلة أو ابتداع حوارات يمكن أيّ مسن أن يعرف أنها حديثة المفردات والخيال، لكن الناس وافقوا لشعورهم بأنه مس ذاكرة جماعية فيها قيم جميلة ومحببة، فكان أن خرج منّا من يفاخر بأن فريقاً في دولة محاصرة دخل إلى منازل ملايين العرب وعقولهم وقلوبهم من خلال قصة حكواتي، إنه لأمر جديد. ليس صحيحاً أن التلفزيون وسيلة أحادية الوجهة كما يقال في الغرب».
ثم ماذا عن الإعلام الآخر الذي يعتقد أنه يحرّض الشعب السوري على نظامه؟ يسأل «الحيادي» ويجيب راوياً أن صحافياً من جريدة «الحياة» السعودية، كان يساجل مسؤولاً في التلفزيون السوري: أنتم لا تقدرون على قول أي شيء مخالف لتوجهات النظام عندكم، أو حتى انتقاد الحكم ورجالاته! قال العبارة مرتاحاً في مقعده لشعوره بأنه أحرج محدّثه. فجاءه الجواب بديهياً: «هل تنتقدون في «الحياة» آل سعود أو أي واحد من الأسرة الحاكمة، أو كبار المسؤولين في الدولة؟ بل اسمع، هل تجرؤ محطة «المستقبل» على انتقاد آل الحريري أو أيّ من المسؤولين في تيارهم؟ هل تريد مني أن أهاجم بشار الأسد في التلفزيون السوري حتى تمنحني براءة الحرية والديموقراطية؟ لماذا لا تبدأ أنت بانتقاد «حكّامك»، وأنا ألحق بك فوراً؟».
غداً: لبنان داء سوريا!