راجانا حميةلأنّ «وحدتنا خلاصنا»، ولأنّه ذات 13 نيسان 1975 انطلقت الحرب، ففي 13 نيسان 2008 تبدأ حملة المصالحة الوطنيّة من «التماس الأوّل»، عند تقاطع مار مخايل ــ الشيّاح، بمسيرة بمعوّقي حربٍ لم تكن عادلة. سيصرخون كعادة كلّ التحرّكات، ولكنّهم عندما سيصلون إلى التماس الثاني عند مستديرة الطيّونة سيصمتون أمام الأمّهات المفجوعات هناك، وصور الغائبين قسراً. لن يطالبوا، فالجميع على درايةٍ بآلام هؤلاء، فقط دقيقة صمتٍ عنهم شبيه بالصمت الذي يلفّ مصيرهم.
بعد «الصمت»، تعاود المسيرة صخبها في اتّجاه جادّة بشارة الخوري، وصولاً إلى نفق فؤاد الأوّل، يخرجون منه ببطاقة مصالحة ومصارحة تتضمّن تعهّداً ببناء «وطنٍ واحدٍ، متنوّع في الوحدة، حرّ، عادل، سيّد، مستقلّ، أساسه المحبّة والتسامح والاحترام».
إلى المحطّة الأخيرة، حيث التماس الجديد. هناك، في وسط البلد حيث نصبت مجموعة من اللبنانيين ترسانة حربها على بلدٍ جعلته اثنين، موالٍ ومعارضٍ، يتحضّر المشاركون من الفئة اللبنانيّة «الثالثة» إلى إعادة جمعه، إذ ينزعون الأسلاك التي تفصل الساحتين منذ ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في دعوةٍ مباشرة للمصالحة بين الطرفين، تليها دعوة ثانية إلى حديقة «التسامح»، حيث تزرع مجموعة من الأطفال والشباب شجرة زيتون لتكون رمز السلام في يومٍ كان منذ ثلاثة وثلاثين عاماً بداية حربٍ لم يسلم معها غصن زيتون، ولا بشر. ينتهي النشاط بشهاداتٍ حيّة لأشخاصٍ عاشوا حرب الـ75 وإعلاميين شهدوا مراحلها في الشوارع، في نقلٍ مباشر من مكان الأسلاك الشائكة... ودعاء يرفعه ممثّلو الطوائف واعتذار «إلى أخٍ مهما كان انتماؤه الديني أو الحزبي أو السياسيّ أو الفكري أو الاجتماعي، أعتذر فيه لعدم القبول باختلافك عنّي. وآسف لما صدر عنّي أو باسمي من أقوال وأفعال أهانتك. وأرجو أن تسامح كل أشكال العنف المعنوي والجسدي الذي صدر عني وأؤكّد عدم اللجوء إلى العنف بعد هذا التاريخ. وأنا بدوري أتمنّى أن تعتذر منّي وأقبل اعتذارك. وأتعهّد وألتزم أن أبني معك لبنان، كي نفتخر به معاً ونسلّمه لأبنائنا وطناً واحداً».
ولمناسبة ذكرى الحرب الأهليّة، أصدر برنامج «مرصد السلم الأهلي والذاكرة في لبنان» في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم تقريره السنوي الذي يتضمّن في بعض أجزائه دراسات ومداخلات من ندوات ومؤتمرات وورشات عمل عن «التاريخ والذاكرة الجماعية: من ذهنية الحرب إلى ثقافة السلام». ويحدّد في دراساتٍ أخرى أبرز «مواقع النزاع في لبنان» ومفهوم التسوية وحدودها في الأنظمة الائتلافية، وإشكاليات المحاسبة في حالات الحرب الأهلية أو الداخلية، كما يشتمل على مداخلات عن «إسهام الأديان في بناء السلام الاجتماعي والدفاع عن حقوق الإنسان».
من جهةٍ ثانية، أشار «التكتّل الوطني العلماني»، في بيانٍ أصدره أمس، إلى «أنّ الحرب الأهلية بعد هذه السنوات الطويلة، لا تزال هي الشبح الذي يحوم فوق رؤوس كل المواطنين اللبنانيين، وهذا ما جعل تشبيه البعض للنظام الطائفي بالوحش الأسطوري «أوروبوروس» الذي يبتلع رأس ذنبه بحيث يصبح جسمه كله دائرة مغلقة واحدة، تشبيها دقيقاً تماماً». كذلك لفت إلى إلى «أنّ هذه الحروب التي يقودها أمراء الطوائف تعيد إنتاج النظام الطائفي القديم بدلاً من إنتاج نظام وطني ديموقراطي»، داعياً إلى إقامة «نظام علماني وطني وإيجاد قانون مدني يحمي اللبنانيين من تشتتهم وانقساماتهم المذهبية والطائفية». وكان التكتّل قد عقد مؤتمراً صحافيّاً في «حركة الشعب»، حيث أعلنت الأخيرة تنظيم معرض صور عن الحرب تحت عنوان «13 نيسان 1975: الحرب الأهليّة، 2008 لوين رايحين؟»، بالتعاون مع مجموعة أحزاب، الخامسة عصر غدٍ السبت في ساحة بشارة الخوري.
كذلك ينظّم حزب الكتائب ندوة بعنوان «المصارحة والمصالحة»، السادسة مساء الثلاثاء المقبل في بيت الكتائب المركزي في الصيفي، يشارك فيها الرئيس أمين الجميل وممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس اليسار الديموقراطي نديم عبد الصمد.
كذلك تنظّم الفنّانة التشكيلية ندى صحناوي معرضاً تحت عنوان «ألم يكفنا الاختباء 15 سنة في الحمّامات؟»، السابعة والنصف مساء بعد غدٍ الأحد في الهواء الطلق مقابل مبنى ستاركو. ويتخلّل النشاط شهادات حيّة ناطقة بذكريات الحياة اليوميّة أيّام الحرب اللبنانيّة. ويستمر المعرض إلى السابع والعشرين من الجاري وتتخلله سلسلة نشاطات.