جبيل ــ جوانّا عازاربيروت ــ جوان فرشخ بجالي
جبيل في حلّة جديدة ــ قديمة بعد انتهاء المرحلة الأولى من مشروع الإرث الثقافي الذي بدأ العمل فيه أواخر سنة 2005. ويهدف المشروع إلى إحياء المدينة وتأهيل سوقها التاريخية والتجارية، وتوسيع أطر الزيارة السياحية إلى أرجائها، وتأمين مستلزماتها
مركز إستقبال للزائرين، حديقة عامة قرب القلعة، ومنتزه على شاطئ البحر قرب الآثار... هذا ما ستكون عليه مدينة جبيل التي يعيد برنامج الارث الثقافي تأهيلها في إطار برنامج مموّل من البنك الدولي. وهو يتم بالتعاون مع البلديّة التي تهتمّ بالاخلاءات، الاستملاكات والاستثمارات، وتحت إشراف مجلس الإنماء والإعمار وموافقة المديرية العامة للاثار على الخطة والدراسة الاولوية. تشرح تانيا زافين، المسؤولة عن المواقع الأثرية ما بين جبيل والبترون "بأن المشروع لن يكون له أي تأثير على الموقع الأثري الذي تم تأهيله وتزويده بمتحف في السنوات القليلة الماضية بتمويل كندي لأنه يحتاج الآن إلى دراسات علمية مفصلة وطويلة الأمد فكان الخيار العمل على تزويد المدينة بما ينقصها من عوامل أساسية للزيارات الناجحة". لذا، سيتم العمل على إنشاء منتزه يسير فيه الزوار على الاقدام عند شاطىء البحر في المنطقة الممتدة في أسفل التل الاثري. وتقول زافين "أن الممر سيزوّد باللوحات التفصيلية التي تشرح امتداد جبيل على البحر عبر العصور. كما وأن المديرية ستحول إحدى مبانيها في المدينة القديمة إلى مكتبة عامة وستستعمل حديقة المبنى كحديقة عامة تصل الزائر عبر "أزقة" جبيل القديمة إلى الكنيسة البيزنطية ومن ثم إلى الموقع الاثري.
لكن يبقى "مبنى الإرث الثقافي لمدينة جبيل" الذي يقع عند مدخل المدينة من أبرز الانجازات. فالمبنى شيد على مدخل جبيل من ناحية الخط العام. يصل إليه السائح بعد أن يوقف السيّارة أو الباص في مواقف مخصّصة للسيّارات، ويحصل داخل المركز على الكتيّبات والمعلومات الخاصّة عن المدينة، كما أنه مزوّد بمقاهي... ويؤكد مهندس بلدية جبيل زاهر أبي غصن "أن المركز اصبح جاهزاً للاستقبال، لكنّه لم يفتح أبوابه بعد بانتظار أن تتسلّم البلديّة المشروع كاملاً".
من المبنى يتوجه السائح الى الطريق الروماني الذي يصله من درج تحت الطريق زرعت بالأشجار وأضيفت اليها الانارة الضرورية وأماكن الراحة. وتجدر الإشارة إلى أن التأهيل تم بطريقة تتماشى مع الطابع الأثري للطريق التي تتميّز بأعمدتها الرخامية.
وعلى كلّ جهة من الطريق درج يمكن للسائح بواسطته التوجّه الى الجهة التي يريد لاستكشاف معالم أخرى للمدينة. كما أبصرت النور حديقة عامّة بعد الطريق الرومانيّة، أقيمت مكان محطّة وقود في المكان عينه. و في الاطار نفسه، تمّ توسيع الأرصفة في الشارع الرئيسي للمدينة وتأهيلها لاستقبال المشاة.
ونتيجة لهذا المشروع، سيصبح بمقدور السائح الذي يزور جبيل أن يأخذ وقته في الجولة في شوارعها ومطاعمها ومحلاتها التجاريّة. وكان لسوق جبيل عملية تأهيل "غريبة" عن تاريخه، فأرضيته رصفت بالحجارة البازلتية السوداء اللون لاعطائه طابعاً أثرياً. فكانت النتيجة الاولى كارثية على المدينة بعد أن تمت عملية الرصف بشكل سيء. فمستوى البازلت كان أعلى من مستوى المحلات مما أدى خلال فصل الشتاء الى تحول السوق الى برك مياه واسعة، والى دخول مياه الأمطار الى المحلات. كما أنّ السيّارات تتأثّر به سلبيّا بسبب الارتجاج الكبير الذي يصيبها أثناء مرورها عليه، ويعاني المواطنون إستحالة تسيير عربات جر أطفال عليه وصعوبة المشي لكون الأحجار التي رصفت بها الطريق غير متناسقة بعضها مع البعض الآخر، وملتوية وبعيدة عن بعضها بعض الشيء.
ويشرح أبي غصن "انّ إستعمال البازلت كان يهدف لاعطاء السوق طابعاً رومانياً شرط أن يتمّ تنفيذه وفق الأصول خصوصاً أنّ لأحجار البازلت قياسات معيّنة يجب أن تراعى، وعلى الأحجار أن تكون متناسقة بين بعضها. وهذا ما دفع البلدية إلى المطالبة، إضافة الى ما سبق، بإقامة ممرّات للمشاة بين الزفت والبازلت لتكون منفذاً لهموبناء على اعتراضات البلديّة، كشف ممثّلون عن البنك الدولي ومجلس الإنماء والاعمار على السوق، واتخذ قرار بإعادة تنفيذ ساحة السوق حسب المواصفات التي طالبت بها البلديّة فيما يتعلّق بطريقة التنفيذ ومراعاة مستوى الأرض ومستوى المحلات، إضافة الى التمييز بين نوعي حجر البازلت. قبدأت الأن الحملة الثانية "لإعادة تأهيلها حسب المواصفات الفنيّة اللازمة" التي ستحتم إعادة إقفال السوق لمدة شهر.
ويشير مهندس البلديّة زاهر أبي غصن أنّ الوقت المخصّص للأعمال يشمل وقت الراحة الذي يحتاجه الحجر قبل أن تمرّ عليه السيّارات، علما بأنّ نوع البازلت المستعمل هذه المرّة مغاير للنوع الذي استعمل للمرّة الأولى، فهو مرصوص على وجهه، كما تغيّرت هذه المرّة أيضا طريقة العمل.
ويضيف أبي غصن أنّ هذا المشروع يشكّل المرحلة الأولى من مرحلتين. والمرحلة الثانية تنفّذ بعد الانتهاء من المرحلة الأولى وتشمل تأهيل الطرقات والأرصفة المتبقيّة من المدينة بما فيها الطريق البحريّة الى الميناء وطريق السوق القديم للمدينة حتّى مبنى البلديّة بالطريقة عينها التي تحفظ الطابع الأثري للمدينة. إضافة إلى العمل على تنفيذ طريق بحريّة للمشاة على الشاطئ البحريّ للمدينة وضمن المنطقة الأثريّة.
وتضيف تانيا زافين أن "المديرية العامة للآثار ستعمل على ترميم وتأهيل مبنى السراي القديم لاستعماله كمركز للدراسات والمحاضرات لعلماء الآثار وباقي أهل الاختصاص". وأكدت أن فريقاً مختصاً بحفريات الآثار كان أتم العمل على كلّ الطرقات التي أهلها المشروع وحفر فيها لتأمين الإمدادات الضرورية. وأضاف هذا العمل بعضاً من المعطيات العلمية إلى تاريخ المدينة، فالأبنية العثمانية كانت تمتد خارج أسوار المدينة واستعمل في تشييدها حجارة رومانية. أما عن السور القديم الذي يحيط بالمدينة، فتقول زافين :إن المشروع يرصد فتح إحدى أبوابه القديمة التي أوصدت تاريخياً ليصل المدينة القديمة بالحديثة ويسمح للزائر بالتقرب من التاريخ أكثر".
كان لجبيل أصغر حصة في مشروع الارث الثقافي ولكن وضع المدينة الجيد وعملية الصيانة التي تقوم بها بلديتها بشكل دائم يحوّلان كلّ إضافة صغيرة وتغير بسيط الى عامل إستقطاب قوي. فالزائر الذي لم يتوقف يوماً عن الاستمتاع بزيارة جبيل سينعم اليوم بكماليات تضعها على مستوى مدن البحر المتوسط السياحية الكبرى.


رأي التجار
تجّار مدينة جبيل كانت لهم تعليقاتهم على المشروع. رفيق زغيب وهو صاحب مطعم في ساحة جبيل العامّة توقّع أن تكون للمشروع نتيجة جيّدة على المدينة وأن يضيف المزيد من الترتيب والرونق اليها، انّما تمنّى أن تنجز الأعمال في أقلّ من مدّة الشهر المتوقّعة، وأن يصار الى صيانة الطريق والاهتمام بها بشكل دوريّ.
أمّا سارة صقر صاحبة محلّ Faux bijoux فاعتبرت "أنّ المشروع لم ينجز بالشكل الجيّد، اذ لم يتمّ الاهتمام بالناحية العمليّة منه، لأنّ سوق جبيل حسب رأيها هي سوق تجاريّة وليست معرضاً، مضيفة انّ النتيجة كانت لتكون أفضل نسبة للأموال التي صرفت على التنفيذ".
فيما أشار صاحب ملحمة في ساحة المدينة سامي صليبا أنّ الطريق تسببّت بشكلها السابق بإصابات لأشخاص واجهوا صعوبات في السير على الحجر، كما أنّ السوق تأثرّ بالطريق بشكل لافت، متوقعاً أن تكون النتيجة جيّدة هذه المرّة.